الاثنين، أكتوبر 18، 2010

بروميثيوس طليقا: قريبا جدا ماكينة تلخص لنا خبرة المشاهدة


لقطة من فيلم " امريكا امريكا" للمخرج الامريكي الكبير إليا كازان وصورة لملصق الفيلم ونرشحه للمشاهدة عن جدارة


الكاتب والناقد السينمائي صلاح هاشم


الناقد صلاح هاشم الاول من على اليسار مع اعضاء لجنة تحكيم " الكاميرا الذهبية" و من ضمنهم بيتر سكارليت مدير مهرجان ابوظبي السينمائي، في مهرجان " كان" السينمائي الدولي عام 1989

الناقد صلاح هاشم مع بيتر سكارليت الرابع من على اليسار في لجنة تحكيم " الكاميرا الذهبية" 1989






بروميثيوس طليقا


نظرة على المشهد السينمائي العام

وقريبا جدا آلة تلخص لكم خبرة المشاهدة


بقلم

صلاح هاشم







اتصل بي منذ يومين الناقدان العزيزان صلاح سرميني ومحمد رضا ليسألا عني وأحوالي, ، قال صلاح انه يعاني كثيرا ، وأشتكي لي محمد من مهرجان ، وكنت منهمكا في الاشتغال علي فيلم ومنتجته وانا الى جانب عملي وتفكيري فيه ومشاهداتي لبعض الافلام داخل برنامجي اليومي المكثف، ليس لدي وقت للالتفات الى اي شييء آخر..

وكان صلاح سرميني هو الذي اتصل بي اولا منذ فترة، و أظن قبل أن يخرج علينا بمدونته ""سرقات سينمائية " التي ترجمت برأيي وبشكل عملي، اهتمامات وهموم صلاح سرميني في تعقب ومطاردة لصوص الانترنت المحترفين، المتخصصين في نهب المقالات السينمائية التى نكتبها أو كتبناها ، والبعض منهم من الحرامية المذكورين أصحاب سوابق مخزية ، ويند لها الجبين، و كنت وقعت لها أنا بنفسي ضحية


فقد كانت السيدة ( ... ) السورية التي تعيش في باريس من دون ذكر إسمها، وستتعرفون عليها ربما حتما بعد قليل، تكتب لكل الجرائد والمجلات الخليجية على حسي ، حيث كنت احرر بابا اسبوعيا في جريدة " الاهرام الدولي بعنوان" شاشة باريس" في الفترة من ابريل 1994 وحتي مايوعام 2003

فكانت تأخذ مقالي السينمائي عن مهرجان او فيلم وتروح تنشره كمراسلة من باريس في الجرائد والمجلات التي تكتب لها، وبسرعة صعد نجمها السينمائي بسبب ما تكتبه وهو منقول بالسطر من مقالاتي

وصارت تدعي الي المهرجانات السينمائية والندوات والاحتفالات في الوطن العربي من باريس ، والكل يعلم بانها سيدة جاهلة.كما كانت السينما المصرية التجارية التافهة لإثارة الغرائز المحمومة التي تهتم بعمل أفلام من التفاهة ، ومناقشة قضايا لا علاقة لها البتة بمشكل اكل العيش في الوطن، وهموم كل يوم في حياتنا ، طالما أن الموضوع فيه " جنس ، وتستطيع ان تكسب منه

كانت سارعت أيضا وصنعت من قصة تافهة نشرتها الصحافية السورية على انها " رواية" فيلما ، اكتشف الناس أمره بسرعة، حتي قبل الانتهاء من مشاهدته ، وعرفوا الي أين هو ذاهب، وسقط سقوطا مدويا ، وكنت شاهدته مع الناقدة المصرية حسن شاه، وضحكنا عليه في مهرجان سينمائي وكانت ان ضجت معنا القاعة من الضحك

.صارت السيدة السورية الجاهلة ، بفضل انتكاسات وتدهورات كثيرة اخلاقية واقتصادية وسياسية مست حياتنا ، مراسلة وفي كل مهرجان سينمائي كنت التقي فيه بها ، كان تمشي خلفي وتهز لي وسطها، وتسألني من هذا الشخص الذي يحاورنه للتلفزيون ، فاقول لها هذا ميشيل خليفي ، وهذا وذاك وهؤلاء خلصينا بقى أف، أي كنت اتضايق احيانا من أسئلتها ، لكنها كانت تلح دوما علي وتقول لي ، انت شيخ البلد وتعرف كل الناس.

ثم تبين لي في ما بعد انها لم تكن وحدها الذي يسطو على مقالاتي ، فقد أتي الي عامل البوفيه ذات يوم في " مكتب الاهرام " في باريس ، ونبهني الي سرقات اخري من مقالاتي واعادة نشرها بأسماء أشخاص في بعض الجرائد والمجلات المغربية والخليجية، لكني لم اعتقد يوما بان علي أن أنبه لذلك، لأن العيب على الذي ينشر لهؤلاء الناس من دون ان يعرف اصلهم وفصلهم وتاريخهم، ولأن أوضاع وقيم النشر في بلادنا، بعد الانتشار الساحق للانترنت، وظهور جرائد ومجلات ومواقع جديدة، اختلفت ايضا،حيث سمحت تلك الاوضاع باستشراء ظاهرة السرقة من كتابات الآخرين، ولأن بعض القائمين على تلك المجلات والجرائد والمواقع الجديدة يهتمون أيضا فقط بسد احتياجاتها اليومية الهائلة من الاخبار والمقالات والتحقيقات، حتي صارت اسهل وسيلة لتوفير ذلك، السطو على مقالات ونهب حقوقهم وعدم التدقيق في ماينشر

ورأيي أنه في غياب كيانات او جمعيات او نقابات تحمي حقوق هؤلاء النقاد والكتاب، ضحايا السرقات السينمائية ، ويكون لها محاموها ، سوف يواصل اللصوص سطوهم على المقالات الي نكتبها، وعصارة خبرات حياتنا وثقافتنا وفكرنا السينمائي من دون رادع .


ان منطق "سرقات سينمائية " في التعامل مع هذه السرقة وفضحها ، ينطلق من موقف واضح ونبيل وشريف، حيث ان السكوت على تلك الجرائم والامبالاة تجاهها ، يقوي من شوكة الحرامية واللصوص ، مثل تلك الصحافية السورية المذكورة ، ويجعلهم بفضل حقوقنا المنهوبة ، يزيحوننا عن مكان نحتله أو كنا نحتله، لكي يحتله لص وقاطع طريق وحرامي عيني عينك

ويجعل هؤلاء الجهلة النكرة مثل الزميلة السورية يتواجدون ايضا في اماكن، يجب ان نكون بالضرورة ، وبحكم تاريخنا واعمالنا ، و ماحققناه ومانحققه حاليا وما نحلم بتحقيقه مستقبلا باتجاه المزيد من " الفضول المعرفي " بالسينما والعالم والشعر والفلسفة والانفتاح علي الحياة عموما ، متواجدون فيها.

لكن وبسبب تلك الانتكاسات و الانقلابات ، التي حدثت في حياتنا ،ارتفعت كفة الجهلاء والمنافقين والفاسدين والمزورين والحرامية،واشتدت على ما يبدو وتيرتها حتي صارت " سمة " من سمات وظاهرة من ظواهر مجتمعاتنا، مست كل شييء، وبخاصة تلك المواقع التي تتحكم بأمرها سلطة ما مثل سلطة بعض المهرجانات السينمائية العربية، حتى صارت ديناصورات الزمن الجميل المفكرة التي خطفت روحها جنية السينما الساحرة، صارت تلك العقول المفكرة تقف على الباب تنتظر اذنا بالدخول – راجع مقالنا بعنوان " سفر الخروج ليلا.حصاد مهرجان القاهرة السينمائي 33 في أرشيف " سينما إيزيس "- في ما تفتح الابواب على مصراعيها لمن يبيح لنفسه ان يسرق من دون رادع او خوف ، مثل الناقد السوري محمد عبيدو

بل وصارت ادارات او سلطة بعض تلك المهرجانات تسرق بعض النقاد عيني عينك في وضح النهار، وتأكل و تنهب حقوقهم علنا ، كما نهب "مهرجان وهران" السينمائي الجزائري حقوق الناقد أمير العمري، وصار كل حرامي يريد ان يصل بسرعة، لكي يضع نفسه في مكان صاحب المكان الاصلي ، ويستحوذ عليه ويحتله.


صار الناقد السينمائي الحقيقي صاحب المكان، في غير المكان الذي يجب أن يكون صاحبه ، والمحل الذي يستحقه عن جدارة، و مثل كل الاشياء الجميلة في حياتنا، اختفت الناس الحلوة، وخلا الجو للحرامية واللصوص، والافاقين والمدعين، واصحاب المصالح وتكدست بهم بعض مهرجانتنا السينمائية العربية. صارت السيدة السورية الجاهلة الحمارة، في مكان يجب ان يكون لصاحب المكان، أي الناقد الاصلي، لأن مكانها " الطبيعي " و مكان من هم على شاكلتها ، يجب ان يكون ، لا في مهرجان سينمائي يحترم نفسه ، بل في سوق الجمال التي يركبونها و الحمير


و" سرقات سينمائية" من هذا المنطق او المنطلق ترفض ان يقع مثل هذا " ظلم " على ناقد، وتريد وضع النقاد والكتاب الحقيقيين في اماكنهم الحقيقية الصحيحة التي يستحقونها ، والا يقع عليهم ظلم، لكن بعض المهرجانات السينمائية العربية في اطار الانتكاسات التي تحدثت عنها ، تمارس هذا الظلم علنا ، و صارت ترجح كفة السيدة االسورية الحمارة الجاهلة وامثالها من الممتثلين، وتمنحها دعوة وتذكرة سفر واقامة ، وإذن دخول وفوقه بوسة ، وتفضلها على صاحب المكان الاصلي، وهي ممارسات طبيعية، بنت زمننا وعصرنا، في عصر تراجع وانهيار القيم الجميلة الشريفة الاصيلة التي كانت تتحكم بحياتنا، و انتشار " الهراء العام " الرسمي وغير الرسمي الذي تقصفنا به به محطات التلفزيون العربية وغالبية افلام السينما المصرية الحديثة الغثة الرذيلة الساقطة التافهة، والمهرجانات السينمائية الاحتفالية الاستعراضية التي يديرها بعض التوابع والخدم والموظفين،وكذلك نشرات الاخبار المتسارعة بمنوعاتها واخبارها المستهلكة السمجة وبرامجها الحوارية التافهة، ومسابقاتها ومسلسلاتها المتخلفة التي لحست دماغ الذهنية العربية ومرغتها في التراب


حتى مسحت او كادت بتلفزيوناتها مخيلتنا ،و صار الانسان العربي مسخا ، وضحكت من جهلنا وتخلفنا الامم ولثقافات والشعوب، لكن لن يستطيع في رأيي لا مهرجان ولا أحد ، أن ينزع عن الكاتب والناقد الحقيقي شرعيته ، أو يحجب عن الناس تاريخه ، لكن يستطيع فقط أن يمنع او يحجب عنه دعوة لحضور المهرجان


صارت صور التلفزيون ومشاهده في برامجه ومسلسلاته الهابطة في معظمها تشكل لاطفالنا احلامهم بدلا منهم و في مكانهم ، وحضرت " العاب الفيديو" كذلك للتسلية الاستهلاكية وصرف وقطع الوقت، فاستولت تماما على عقولهم، ولم يعد لاطفالنا بسبب شاشات التلفزيون اية مقدرة على التخيل


و على ذكر السرقات السينمائية ، صارت تلك كما لاحظت تؤرق صلاح سرميني بشكل مرضي ، جعلني اخشي عليه وعلى صحته، واخاف ان تشغله عن الكتابة ، وتسرق منه حياته ومشاغله، وأكل العيش الذي يضبط ايقاع حياتنا هنا في باريس على الواحدة ، وكل شييء يسير هنا بسرعة، ويتطلب عملا وانجازا وانتاجا ولدينا مشاغلا ومسئوليات ، والوقت يجري بسرعة حتى اننا لا نجد وقتا ونحن جيران في باريس لكي نلتقي ، ونهتم اكثر بما يشغلنا ، ولذلك نصحت السرميني بان يصرف وقته اولا في ما هو نافع ، وينقطع أساسا لاهتماماته مثل الاشتغال على السينما الهندية مثلا وغير ذلك من اهتمامات

بل لقد دعوته الي أن نذهب في رحلة الي الهند سويا لكي نصنع فيلما عن بوليوود، غير ان موارده المالية آنذاك لم تكن كما قال لي تسمح. لكن يبدو ان معاناة صلاح سرميني من تلك السرقات، وبخاصة سرقات محمد عبيدو السوري لن تنفع معها نصائح، اذ وجدته مشتبكا مع ادارة موقع " الحوار المتمدن " وبسبب محمد عبيدو من جديد، ويطلب منها ان ترفع من صفحاتها الصفحة المخصصة لذلك الناقد وسرقاته وقدم السرميني للادارة الموقرة الادلة والبراهين ، لكنها علي مايبدو شكت في أمر السرميني، واعتقدت انه يريد تصفية حسابات شخصية مع محمد عبيدو، فقررت ان تشكل لجنة لبحث الامر والبت في طلبه، واغرب من ذلك انها طلبت من صلاح ان يطلب من اصحاب المقالات المنهوبة المسروقة، ان يكتبوا اليها في الامر بانفسهم ، وهو شييء غريب مع مواجهة البراهين والادلة التي تقدم بها، وهي وحدها تكفي ، وقد لا يكون لدي المتضررين كما تعلم ادار " الحوار المتمدن" الموقرة وقتا للتدخل والاتصال بها، وانا متعاطف مع السرميني ومشفق عليه، واطالب معه ادارة الحوار المتمدن ان ترفع صفحة محمد عبيدو، لأنه لص حقيقي ، ونهب كما تبين للسرميني ونشر ذلك في مدونته " سرقات سينمائية " – نهب وسرق مقالات صلاح هاشم بالجملة


وتحدثنا مع السرميني في أشياء كثيرة من ضمنها ايقاع الحياة المتسارع المجنون هنا في باريس الذي نعيشه، فلقد ارتفعت حدة الصياح والزعيق والضجيج من عنصر " السرعة " الذي دخل حياتنا حتي اوشك العالم ان يصبح قنبلة موقوتة وعلى وشك الانفجار في اي لحظة ، بسبب ثورة الانترنت هذه التي لم تخطر ابدا على بال

اصبحنا ضحايا وغرقي في محيط الاعلام المرئي المعاصر ، وتكاد دوامته ان تبتلعنا ،حتي اني بحثا عن معلومة ما ، صرت الآن اتردد، لحاجتي الى السكون والهدوء احيانا، اتردد في ان افتح على الانترنت ، حتي لا اصاب بوجع الدماغ ، وارحم نفسي من التقليب في صفحات سيول المعلومات التي تنهال على أم راسك ، وأنا أريد أن احتفظ برأسي


واخشي ان تبتلع ابتكارات التكنولوجيا الحديثة المتطورة ، والقصف الاعلامي بشكل متسارع لاهث ، تبتلع وتلتهم كل حواسنا ، بعد ان انتزعت منا حاسة " اللمس " و لم نعد نطبطب على بعض و نسلم على حد ، الا بهز الرأس من بعيد لبعيد، ونحن نتحدث في الهاتف الجوّال. واخشي ان ان تنتزع منا تللك الاختراعات المادية الميتاليكية المعدنية الباردة القادمة حتما، وهي تحث على الطريق، تنتزع منا حاسة الرؤية ايضا ونعمة الابصار والحلم في الظلام ، وبدلا من ان نشاهد الفيلم ، تقدم لنا " خبرة EXPERIENCE مشاهدة الفيلم في " برشامة" و تدع آلة تشاهده لنا ، ثم تقدم لنا في ما بعد، وعندما يحين الوقت بمزاجنا ، تقدم او تطرح ملخصا للفيلم، وعايز يقول إيه ، وبعد مراجعة وتحرير " خلاصة " خبرة المشاهدة " التي حققتها الآله ، تقوم شاكرة بارسالها للنشر كمقال سينمائي في جريدة يشرف على صفحاتها السينمائية جاهل حمار ، ويقينا مثل تلك ماكينات وجادجيتات ، سوف تتواجد قريبا حتما، في ظل اعتماداتنا علي الماكينات في كل شييء ، وهيمنة دكتاتورية الصناعات التكنولوجية الحديثة علينا بأزرار واستحواذها تدريجيا على انسانيتنا


فقط داخل تلك القاعة المظلمة في " سينما إيزيس" في شارع مارسينا على بعد خطوات من حديقة حوض المرصود ومستشفي الرمد الشهير في عموم القطر المصري كله ، حيث كان يصعد اليه من الصعيد والدلتا الالاف من المصريين الغلابة الذين يشكون من اوجاع في عيونهم، كنا نحن الاطفال الاشقياء من حي "قلعة الكبش"القائم فوق هضبة علي " جبل يشكر" ، ندلف الى تلك القاعة التي تعرض فقط افلاما أجنبية، قاعة " سينما إيزيس " ،و بعيد اعن كل ذلك الصخب والضجيج في الخارج، كنانحلم في الظلام ، وكان حلمنا بحجم طفولة إنسانية عذبة ، وشقاوة محببة وعالم من التآخي والتسامح والعدالة. جعلتنا السينما نقترب أكثر من انسانيتنا، و نقتدي بمسلك ذلك الغريب على سكة سفر في فيلم إليا كازان ، وأطلقتنا مثل بروميثيوس الذي سرق النار من الآلهة ، أطلقتنا من الحبس ووضعت العالم في متناول ايدينا.

هذه بعض الملاحظات التي احب ان اسجلها هنا لكي يعرف البعض من المهتمين بالثقافة السينمائية في بلداننا ، ومن ضمنهما الزميلين العزيزين، رأيي في تلك الاوضاع ونأمل ان يعود الى كل صاحب ذي حق حقه ، وتنصلح الاحوال والاوضاع قريبا

وللحديث بقية، قريبا جدا كذلك في فضاءات " سينما إيزيس " الرحبة ، المفتوحة على الحرية..



* كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس

ليست هناك تعليقات: