الخميس، يونيو 04، 2020

مقتطف من رواية " تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس " لصلاح هاشم






 تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس




   ( 1 )

                
وقف المجنون عند باب مجدل العطّار.. وأخذ ينظر اليه ويتأمله
فسأله العطار :
-         ايها المجنون، مالك وليّ ، وقد أطلت النظر الي ؟
قال :
-         أنظر كم رحيلك صعب ،
 ويستغرق الكثير من الوقت، لأنك في الاشياء.
فسأله العطار:
-         وكيف تمضي أنت ؟
-          
فسحب المجنون رقعة من جسده ، ووضعها تحت رأسه ، ومضي
فمات.
عندئذ ترك العطّار متجره للنهب، وسار في الطريق..


    ( 2 )


قد يكون وجهها، الذي تحلم به منذ زمن بعيد ،مطلا عليك من نوافذ القطارات الراحلة ،الي المدن البعيدة الاسطورة، ولا أمل في الرجوع..

يكون الضباب ملتفا حول أعمدة النور المبعثرة، وزاحفا فوق صدرالارض،متسلقا النور الساقط من مصابيح النيون الزجاجية، وخارجا باندفاع الزفير، تلفظه الصدور الباردة.في ما تحملك العربة، وأنت تعتلي كومة الرمل، ومعك العجوز " عم زيّان " في البرد يبتسم..

في بلدة (فيل فرانش سورسون) الفرنسية الصغيرة ،في أعماق الريف الفرنسي، وتقع بالقرب من مدينة ( ليون )في وسط فرنسا،كنت التحقت للعمل هناك بشركة مقاولات فرنسية  تدعى" انتربريز شابيل"،وتشتغل في أعمال المقاولات، وقطع الاحجارالضخمة، بالديناميت،والمتفجرات، من محجر صخري قديم في المدينة..

وعندما يحل فصل الشتاء، ويسقط الثلج - الذي شاهدته لأول مرة في حياتي، يسقط  هكذا وافرحتاه من السماء أمامي، في تلك البلدة الصغيرة الجميلة، في أعماق الريف الفرنسي البعيد .كان العمال المهاجرون من تونس والجزائر والمغرب،من العاملين في الشركة، يسافرون الى بلادهم ،للبقاء مع أسرهم في فصل الشتاء،، ثم العودة عند دخول فصل الصيفـ،، لاستئناف العمل في الشركة، من جديد.وهكذايصبح عمل الشركة ، طوال فترة فصل الشتاء، مقصورا على رصف و فرش الطرق الريفية الصاعدة والهابطة، ورشها بالرمل..

 وكان العمال الجدد،في شركة المقاولات من أمثالي، ومن ليس لهم مثلي أية خبرة إطلاقا في أعمال المقاولات، يكلفون بهذا العمل، في فرش الطرق الجبلية الريفية العالية التي ترتادها السيارات بالرمل، فيحول الرمل عند سقوط الثلج،  دون إنزلاق السيارات، وبخاصة عند الضغط على فراملها فجأة.وهو عمل  موسمي مرتبط بحلول فصل الشتاء، وجد شاق يا كازانتزاكيس، ويتطلب صبرا وجلدا، على مقاومة البرد، وأشد ظروف الطقس، صعوبة وخطرا وقسوة..

 إذ تحمّل سيارة لوري بالرمل، ويقوم عامل مهاجر بالوقوف في عز البرد والثلج فوق كومة الرمال، ويروح يأخذ الرمل بمعوله، ويلقي به داخل ماكينة تدور، وهي مثبتة في خلفية اللوري، فتقوم وهي تدور، بنثرالرمال فوق أنحاء الطرق التي يغطيها الثلج ،حتى لا تنزلق فيها السيارات، حين تتعطل  فيها حركة الفرامل، ويصبح من الصعب عندئذ،التحكم في عجلة القيادة، وقد وقعت  ياكزانتزاكيس ، حوادث كثيرة مروعة،على تلك الطرق الريفية، بسبب ذلك..

يلتفت اليك عم زيّان، من الجزائر أو من وهران، ويتأسى لحالك، وأنت ترتعد من البرد،ويربت علي كتفيك من آن لآخر، فتعرف أيها الحصان الشارد، وقد رحت تتطلع الى " هند " أخرى، وراء تلك التلال البعيدةالتي تغطيها الثلوج.هند أخرى أكثر حبا وعدالة وتسامحا، أن الحياة  في فرح التحدي تشب..

وعندما تخرج الي الطريق، من خلف قضبان الذات الطماعة في توحش،متخلصا من كل الحكم القديمة، وتحلل المواعظ المندثرة ، وعاريا تعدو خلف ذلك القطار، تاركا خلفك ،كل ما ملكت..

والقطارات الراحلة عن مدن الجفاف والسموم ،تطلق صفاراتها، سوف يغيب عنك وجهها المطل في الحلم، وتبتعد النوافذ في الظلام..
لكن ، وأنت تعدوعاريا تحت المطر، والنجوم ترقبك، يكون اليقين الواحد، مبتسما كان وجهها، فتعدو..


  (3)


تتطهر (زهرة اللوتس) في الماء المقدس، من تسلط الاشياء القديمة، وروائح المستنقعات العفنة،وتدخل في النسيم..

وعندما تتمايل سنابل القمح، علي مقربة من نبع الوادي،تكون كل الطيور في مواكب الرياح القادمة، قد تطهرت،وتعطرت بنفس الرحم الواحد، واغتسلت بطمأنينة اللقاء، فتتحسس الاقدام ،وللمرة الاولي، الارض المتشققة، وتسري قشعريرة ، كل البدايات الاولي.. المترددة..

لكن الرغبة في التوحد بالارض، تكون قد سكنت رحم الروح، فترتفع الرايات علي طول الميادين. وافرحتاه..الارض تنبت العشب ! وافرحتاه الأرض تنبت العشب  !
فيا ايها النغم الواحد، المتجدد، الساري في حضن الجبل، ورحم الزهرة، وقلب الوادي،لا من كبير يرشد " زهرة اللوتس " الي طريق النغم.. فهل تحلق ؟
وأين تكون ياترى، بداية طريق، لانهاية له ؟ ..

( يتبع )

صلاح هاشم 


ليست هناك تعليقات: