تربية الحصان الشارد 2
سيرة ذاتية مختصرة في " تقرير الى نيكوس كازانتزاكيس "
بقلم
صلاح هاشم
لعبت الظروف ياكزانتزاكيس - مثلما حكيت أنت في كتابك" تقرير الى غريكو" عن ظروف نشأتك في جزيرة كريت في اليونان، لعبت دورا كبيرافي حياتي..بل لربما كنت ومن دون أن أدري، قد ورثت أنا الحصان الشارد، وبفضل دعوات أمي السمراء الحاجة سيدة سيد محمد مرزبان من قلعة الكبش
ورثت عن أجدادي القدامي قدماء المصريين، وأجدادي المحدثين مثل جدي لأمي الحاج سيد محمد مرزبان، صفات وملكات أو قدرات خاصة...
مثل جدعنة و "شهامة "ابن البلد المصري الأصيل، الفارس الشجاع، الذي يحب الخير لكل الناس، ويحترم كل الناس، وينتصر للضعفاء والمحرومين والمظلومين،وإصلاح ماتلف. مثل فرسان "المائدة المستديرة" والملك آرثر، والشعراء الجوالين"التروبادور" فرسان العصور الوسطى..
وكنا تعودنا نحن الأولاد الأشقياء في حينا التاريخي العريق " قلعة الكبش " أن نعيد تمثيل بعض مشاهد أفلام السيف مثل فيلم " الفرسان الثلاثة " و " الكونت دي مونت كريستو " وفيلم " سجين زندا " التي كنا نشاهدها في فترة الخمسينيات في سينما إيزيس وفي أغلب الأوقات كانت تلك االمبارزات بالسيوف الخشبية في حينا تنقلب من هزار الى جد، وتتحول الى معارك حقيقية في "الدحديرة" الطريق الصخري الصاعد الى حينا، وفي صحن مسجد احمد بن طولون الذي كما نتسلق سوره الحجري ونلقي بقنابل التراب على رجال الشرطة الصاعدين من الدحديرة الى الحي، وكنا نصنع سيوفنا.آنذاك من أقفاص الفاكهة ، ونهرب من حصص الدرس في مدرسة حسن باشا طاهر الابتدائية في الحلمية الى سينما إيزيس المكرسة لعرض الأفلام الأجنبية فقط، في حين كانت القاعات السينمائية آنذاك في حينا الكبير السيدة زينب الست الطاهرة ، التي تضم سينما" الأهلي"وسينما "الهلال الصيفي" وسينما "الشرق" لاتعرض إلا الأفلام العربية فقط، وأحيانا كانت سينما الشرق وحدها تعرض فيلما أجنبيا الى جانب الفيلم العربي، وقد ظللت أشاهد الأفلام الأجنبية في "سينما إيزيس" من أول مسلسلات الكابتن مارفل وشازام حتى فيلم " قصة الحي الغربي" للامريكي روبرت وايز وفيلم "أمريكا أمريكا . إبتسامة الأناضول " للامريكي إليا كازان حتى بعد تخرجي في قسم إنجليزي آداب القاهرة عام 1969 وسفري عام1970 الى الخارج..وقد لاحظت في كل بلاد العالم التي زرتها ، ان النأس تسأل هل شاهدت فيلم كذا ، في حين كنا نسأل نحن الأولاد الأشقياء في حينا دخلت فيلم كذا، فلم نكن نقنع وقتها آنذاك فقط بمتعة المشاهدة بل بمتعة " الدخول " في الفيلم ونتركه يستحوذ على كل كياننا ويحتوينا في جامعة سينما إيزيس الكبرى، وكانت تلك الأفلام العظيمة التي " دخلناها " في سينما إيزيس، وبمجرد إعجابنا بفيلم ما منها في الظلام،تصبح في التو أكبر منا..
مسجد أحمد بن طولون
وقد كان لميلادي في ذلك الحي الصغير التاريخي العريق " قلعة الكبش " في حينا الكبير السيدة زينب، ذلك الحي الذي بني فيه أحمد بن طولون جدنا الأكبر ووالي الخلافة على مصر في القرن الثامن الميلادي مسجده الكبير، مسجد أحمد بن طولون، الذي يعتبر أهم أثر إسلامي في مصر، كان له ، وكذلك لـ "ينابيع الحب" التي نهلت منها في طفولتي، أكبر الأثر في حياتي ونشأتي وتكويني..
فقد ولدت في بيت من بيوتات الحي- " بيت الشيخ راشد " 3 شارع قلعة الكبش ، وكان الشيخ راشد جدنا الأكبر، شيخا من مشايخ الأزهر الشريف، وهو جد جدي الحاج سيد محمد مرزبان، مقريء القرآن، الذي تخرج أيضا في الأزهر،وبني أول كتّاب في الحي لتعليم القراءة والكتابة ،وآيات الذكرلأطفال حينا وابناءالأحياء المجاورة مثل حي طولون الكبير الملاصق لحينا..
وكما في الملصقات السياحية الدعائية التي تدعو الى زيارة مصر وتقول " تعال الى مصر لزيارة الأهرامات " كنت وأنا صغير أتعجب، كيف لايدعى أيضا في الملصق الى زيارة حينا العريق " قلعة الكبش " وضريح أم هاشم التي أطلق جدي أسمها على أمي الحاجة سيدة، ومسجد أحمد ابن طولون، هذا المسجد الذي كان أيقونة بمعماره وضخامته ليس فقط لحينا الصغير قلعة الكبش بل أيقونة لحي السيدة زينب الكبير بأكمله ، وبكل مافيه من أحياء، و..لكل العصور..
تلك الأيقونة، التي مازلت أحملها أنا الحصان الشارد، مع أولاد قلعة الكبش الأشقياء وأنا أطوف بهم العالم، وأحكي لك هنا يا نيكوس عن طفولتي..
( يتبع )..
صلاح هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق