سينما المؤلف في مهرجان القاهرة السينمائي الأربعين
3 أفلام على القمة تعرض لروائع من " سينما المؤلف"
في الدورة 40
فيلم " كتاب الصور " لجودار : فيلم سينمائي، أم سياحة بصرية كونية، أم وصية شاعر ؟
لقطة من فيلم كتاب الصور
جان لوك جودار
لقطة من فيلم بلاككلوسكلان
بقلم
صلاح هاشم
يعرض
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الاربعين في الفترة من 20 الى 29 نوفمبر،وعبر
أقسامه المختلفة، مجموعة كبيرة من الأفلام الأوروبية والأمريكية الرائعة، لكبار
المخرجين"المؤلفين" في العالم، من أمثال المخرج والمفكر السينمائي الفرنسي
السويسري الكبير جان لوك جوداروالمخرج الأمريكي الكبيرسبايك لي، والمخرج الفرنسي
الكبير فيليب فوكون،وغيرهم من أقطاب " سينما المؤلف" في العالم.بحيث
يمكن معه القول، بأن الدورة الأربعين حاليا برئاسة محمد حفظي، خارج قائمة الافلام
الـ 16 المشاركة في المسابقة الرسمية،تبدو كما لوكانت، قد تكرست بأكملها لأفلام
سينما المؤلف CINEMA D
AUTEUR ، وعرض أبرز إنتاجاتها في المهرجانات السينمائية
العالمية، وقد أتت معظم أفلامها من مهرجان " كان " 71 السينمائي
العريق..
نرشح
هنا مجموعة من تلك الأفلام، من نوع " سينما المؤلف " التي تعرض في
الدورة 40نرشحها للمشاهدة عن جدارة، وتضم المجموعة أفلاما رائعة، ليس فقط لأنها
تحمل هما وقضية، بل لقدرتها أيضا، في ذات الوقت، على تطوير فن السينما ذاته، من
داخله، وبكل إبتكارات وإختراعات الفن المدهشة،..
من
ضمنها :
فيلم " بلاككلانسمان" :
تدمير القوة السوداء عمل مبرر
فيلم
" بلاككلانسمان" BLACKKLANSMAN
للمخرج الأمريكي الأسود الكبير سبايك لي من مواليد عام 1957 الذي يحكي عن تسلل رجل
شرطة أمريكي أسود من ولاية كولوردادو الى داخل منظمة كوكلوكس كلان البيضاء العنصري
الارهابية الفاشية، ويؤسس سبايك لي هنا بفيلمه لعمل سينمائي بوليسي مشوق، بتوتر متصاعد،
يحبس الانفاس، ليحكي من خلاله عن نشأة وتاريخ التمييز العنصري في أمريكا، وعلاقة
السلطة الامريكية العنصرية القمعية البيضاء بشعب أمريكا الأسود، والعنف الدموي
الذي مازال يمارس عليه ولحد اللحظة..
سبايك لي
حيث
يعرض سبايك لي ومنذ أول مشهد في الفيلم، كيف صورت السينما الامريكية السود في
أفلامها، مع نزول التترات، فيعرض لمشاهد من فيلم " مولد أمة " العنصري
البغيض، للمخرج الأمريكي الكبير دافيد جريفيث من انتاج 1911، الذي يحتفي فيه
بمنظمة "كو كلوكس كلان" العنصريةالسريةالارهابية، لاستعادتها لتفوق
وسيطرة الجنس الابيض،اثناء فترة ما قبل الحرب الاهلية..
ويصورفيه جريفيث الرجال السود،الذين يعتبر أنهم
هم ليسوا "امريكيين" مخلصين، يصورهم في فيلمه كاشخاص همج وخطرين ومغتصبين،ولذا
فان التدمير العنيف للقوة السوداء،عن طريق تلك المنظمة الارهابية التي كانت تسحل
السود وتقتلهم وتعلق جثثهم على الشجر،هوعمل جد مبرر اخلاقيا.وكان جريقيث في فيلمه ذاك، يحكي عن
ايديولوجية تلك المنظمة الارهابيةالتي مازالت ولحد الآن تحيك المؤمرات، كما يظهر
في الفيلم،للتخلص من شعب امريكا الأسود..
فيلم
" بلاك كلانسمان" وترجمتها "رجل منظمة كو كلوكسكلان الأسود"
حصل على الجائزة الكبرى في مسابقة مهرجان " كان " 71..عن استحقاق
وجدارة..
فيلم
" أمين " : واقع المهاجرين العرب
والأفارقة في فرنسا
أمين مهاجر من مالي
فيلم
" أمين " AMIN المخرج الفرنسي الكبير فيليب فوكون الذي كرس
معظم أفلامه مثل " سامية " و " فاطمة" و أمين " لتقديم
صورة مشرفة للمهاجرين العرب من المغرب والجاليات المهاجرة من افريقيا وقدم ربما
" أصدق" صورة من دون ميلودراما أو مبالغات عاطفية أو تزييف عن الكيانات
العربية والافريقية المهمشة،داخل جيتوهات البؤس، في الشارع الخلفي الفرنسي، وضواحي
العزلة،وحصل فوكون بفيلمه الأخير "
فاطمة " الذي كرسه بأكمله لخادمة مغربية، ليحكي عن مجد الكرامة الإنساني عند
عاملة تنظيف، ويقدم صورة رائعة للوجود العربي في فرنسا..
فيليب فوكون
حصل على عدة جوائز " سيزار، "
الأوسكار الفرنسي "ويشارك فيلم " أمين " الذي يحكي عن عامل افريقي
أسود من مالي يرتبط بعلاقة مع سيدة فرنسية بيضاء، و حيرة حياته الموزعة بين
إمرأتين وبلدين وقارتين وثقافتين، يشارك في المسابقة الرسمية للدورة 40 لمهرجان
القاهرة، ونرشحه للحصول على جائزة من جوائزها ..
فيلم " كتاب الصور " لجان لوك جودار:
وصية شاعر
كتاب الصور" : فيلم سينمائي، أم سياحة كونية بصرية، أم وصية شاعر "
وفيلم
" كتاب الصور "LE
LIVRES DES IMAGES لجان لوك جودار الذي نضعه على رأس القائمة، لأنه يحكي في "
سوناتة " سينمائية، و"موزاييك"باروكي هائ،ل في أكثر من ألف صورة
وشريط صوت مذهل، يحكي عن العرب والحرب و
" داعش "، في أهم فيلم سياسي وفلسفي عرض في دورة" كان "
السينمائي 71..
يقدم
لنا جودار في فيلمه "شهادة "جريئة على سينما وعصر، شهادة ضد الفاشية،في فيلم
هو أقرب مايكون الى "وصية شاعر"
، يهيب بنا، أن " ..نجعل من الأمل
يوتوبيا ضرورية.. "، وكان من أجمل الأفلام التي عرضها المهرجان ..
لايحكي
جودار في الفيلم قصة ،ولايعني بتطور حبكة، ومن دون ممثلين، بل يحكي في ماهو أشبه
بـ " مانيفستو فني " عن " الحروب " التي أصبحت ناشبة الآن، في
كل مكان، على ظهر كوكبنا..
ويرثي لما وصلت اليه حضارة الاستهلاك الكبرى في
الغرب، من تلوث ودمار للبيئة، وتعصب ديني، وتقديس أعمي لما جادت به الكتب المقدسة
من " كلام "..
كما يحكي عن العرب وفلسفة حياة، في فيلم أقرب
مايكون الى أفلام السينما الوثائقية، ليقدم من خلاله " نظرة " تأملية
وسياسية وفلسفية عميقةوإطلالة على أزمات ومشاكل وتناقضات عصرنا،وينهي فيلمه أو
بالأحرى شهادته، بدعوة الى التعلق بالأمل ،وجعله " يوتوبيا ضرورية "
- أي حلمنا الضروري، في عالم أكثر عدالة
وتسامحا - في مواجهة الحروب والجرائم الفاشية المرعبة التى ترتكبها السلطات في كل
مكان ونهب حقوق الإنسان ..
يقدم لنا جودار من خلال كتاب الصور
"رحلة" في تاريخ وذاكرة العالم والسينما، فيحكي في فيلمه وهو يقلب في
صفحات كتابه..
يحكي عن الفاشية، والجريمة المنظمة والانظمة
القمعية، في عمل سينمائي باهر - وأقرب مايكون الى " سوناتا " أو قطعة
موسيقية، تذكرك بـ "رباعيات بيتهوفن
الوترية "- وبكل المقاييس، ولايتسامق
هذا العمل لجودار المعلم والمفكر السينمائي الكبير، خلف "واجهة" الفيلم،
إلا بما يكمن خلف تلك " الواجهة " من فكر وتأمل سياسي وفلسفي عميق,,
حيث ينهل هنا " خطاب " الفيلم الفكري
أو " شهادة جودار على عصرنا،من انجازات وأعمال السينما الكبيرة،عبر تاريخها الطويل، الذي يبدأ كما
يحلو لجودار أن يردد - " ..من عند الأمريكي جريفيث.. وينتهي عند الايراني
عباس كياروستامي..
ولايتسامق " كتاب الصور " إلا بما
فيه من " فكر " سياسي وفلسفي وفني جد عميق، من خلال كل تلك المقتطفات من
اللقطات من أفلام بازوليني وجودار وناصر خمير " الهائمون " ويوسف شاهين(
ويعرض الفيلم لقطة من فيلم " باب الحديد " ولقطة أخرى من فيلم "
جميلة بوحريد " ليوسف شاهين ) كما ينهل من التراث الغنائي العربي في الماضي
عند أم كلثوم " والحاضر عند الموسيقي التونسي " أنور ابراهيم "..
فيلم جودار - بخطابه الفكري والفلسفي - عن " معاني " الأشياء ، وباشتغالاته
السينمائية الفنية المذهلة على مستوى الشكل و " النحت في الصور "،هو
" درس " في السينما العظيمة- حيث تتحق
هنا للسينما وظيفتها الأساسية كـ " أداة تفكير " أولا،..
وحيث
يناقش جودار في الجزء الثالث من الفيلم قضايا العرب، ويقول ان الغرب ظلمهم من خلال
الصورة الرديئة المتخلفة التي روج لها عنهم،ـ وهي صورة لم تنصفهم بالمرة,,
،حيث
أن العرب كما تمثلهم جودار ونبه في
فيلمه،يتعاملون مع الوقت بشكل مختلف، ولديهم كل الوقت للتأمل والتفكير، حتى
أنك تجد ان الناس العاديين من العرب
" فلاسفة " ووراء كل عربي، ولايهم ان يكون متعلما، فيلسوف وحكيم، يتمعن
في معاني حياته ويفكر..
فيلم جودار هو أقرب ما يكون الى منشأة - INSTALLATION - من منشأت الفن
التشكيلي، فقد هجر المعلم الأكبر جودار السينما منذ زمن.. وترك الإخراج .. وخاصم
الممثلين.. والمحترفين.. وتجار السينما الحقراء ..و لم يعول على حسابات المكسب
والخسارة ..واختار أن يكون شاعرا هذه المرة ليقدم لنا وصية شاعر، تذكرني بتلك
القصائد الأخيرة التي كتبها الشاعر الهندي العظيم رابندرانات طاغور على فراش الموت..
وتلخص فلسفة حياة ووجود ويقول فيها : على شواطيء
الاله روبانارايان أفقت، وأدركت أن العالم ليس حلما، وفي حروف الدم، تطلعت الى
صورتي، ومن خلال ألف جرح عرفت نفسي..
تحية الى المعلم الشاعر والمفكر السينمائي
الكبير جان لوك جودار، وفيلمه العظيم، الذي يقدم " سياحة كونية بصرية "
ليعيد لنا ثقتنا في تلك القيم والفضائل، التي يتفاخر بها الإنسان، لترويض ذلك
" الوحش "، الذي يسكن داخلنا.لاتدع مشاهدة هذا الفيلم الجبار فنيا
وجماليا وفلسفيا تفتك بأي ثمن..
باريس.صلاح هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق