لقطة من فيلم " وجوه وقرى "
أنياس فاردا. المخرجة الفرنسية الكبيرة
التي جعلت من الفيلم الوثائقي "حاجة" روحانية ضرورية وعميقة في حياتنا
أنياس فاردا وجي آر
بقلم
صلاح هاشم
تعجبني افلام أنياس فاردا المخرجة الفرنسية ( 87 سنة )التي يمكن اعتبارها احد رواد الفيلم الوثائقي في فرنسا ، على الرغم من انها أخرجت عبر مسيرتها السينمائية الطويلة مجموعة لاباس بها من الأفلام الروائية الطويلة المتميزة مثل فيلم " بلا سقف ولا قانون " بطولة ساندرين بونير - وسنشرح لاحقا متميزة لماذا ؟ - حسنا .هل " قيمة " الأفلام تتوقف على أو يمكن تقديرها بكونها " روائية أو "تسجيلية "،وتصنيفها، أم بما فيها من " سينما " ؟
طبعا بما فيها من سينما ، في رأيي، بسحر ذلك الضوء الذي لاندرك كنهه، حين يتدفق علينا من خلال عرض الفيلم على شاشة كبيرة ، داخل قاعة عرض مظلمة، فيحركنا ويستحوذ في التو على كل كياننا.
فيلم أنياس فاردا الاخير " وجوه وقرى "VISAGES VILLAGES الذي خرج للعرض التجاري حديثا في باريس وكنت شاهدته في دورة مهرجان " كان " 70 الأخير في عرض خاص وأعتبره من احسن الأفلام التي شاهدتها في المهرجان هو من النوع الوثائقي، وقد هزني بشدة وجعل الدموع في بعض مشاهده تطفر من عيني، فانا احب الأفلام التي تحكي عن أناس بسطاء عاديين هامشيين لانعرفهم ، فتعيد اليهم السينما- وربما كانت هذه هي وظيفتها الاساسية - الاعتبار، وتتسامق بجمالهم وكرامتهم وإنسانيتهم..
فيلم فاردا هو اشبه مايكون بفيلم من أفلام الطريق،ROAD MOVIE أي رحلة سفر ، نطوف فيها مع انياس فاردا وزميلها المصور جي آر- الذي يشبه المخرج الفرنسي الكبير جان لوك جودارو اشتهر الفنان جي آر بصنع الصور الكبيرة العملاقة التي تلصق على جدران البيوت والمصانع وقطارات السكك الحديدية والابراج وناطحات السحاب -
نطوف في أنحاء اقاليم فرنسا شمالا وجنوبا ونتعرف من خلال الرحلة على بعض النماذج الإنسانية الرائعة ولعل أبرزها وبإمتياز، تلك السيدة التي رفضت ن تغادر بيتها ، بعد ان غادر كل السكان بيوتهم في الحي المخصص لسكنى عمال المناجم في شمال فرنسا، فلما اغلقت مناجمهم، وتشردت عائلاتهم ، وانتقلوا للعيش في مكان آخر، ولم يعد في المكان متسعا إلا للعاطلين عن العمل وانتشرت البطالة في البلاد ، ظلت هذه السيدة هي الإنسان الوحيد الذي لم يغادر أو يهاجر في حي تسكن بيوتاته كلها ألأشباح.
صورت انياس فاردا وجي آر تلك السيدة- انظر الصورة - ثم قاما بلصق صورتها العملاقة على جدران البيت وطلبا منها أن تخرج، وتتفرج على صورتها ، فما كان منها حين تطلعت الى صورتها العملاقة وهي تقف على الرصيف المواجه للبيت إلا أن انخرطت في البكاء، ولم تستطع أن تجد الكلمات التي تعبر بها عن مشاعرها،فقد تفاجأت بصورتها الكبيرة العملاقة مثل صور رؤساء الدول الكبيرة التي تعلق في الشوارع والميادين والدواوين وبخاصة في الدول المتخلفة عندنا كدعاية للرئيس والنظام. وحلقت بها عاليا..
فيلم " وجوه وقرى " هو أشبه مايكون بـ " غسيل عيون" حين ينفتح على المنظر الطبيعي الفرنسي الساحر في الرحلة ويأسرنا بجماله، و بنماذج إنسانية باهرة أيضا من سكانه، ويجعل من السينما في نفس الوقت " حاجة " روحانية ضرورية وعميقة في حياتنا..
صلاح هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق