" مغامرة " السينما تبدأ من عند لوميير
فيلم " لوميير " لتيري فريمو يعيد الاعتبار الى لوي لوميير
أول مخرج سينمائي في العالم
ويذكّر بانجازاته وإضافاته الى " لغة " الفن
بقلم
صلاح هاشم
تمهيد :
صلاح هاشم يكتب عن فيلم " لوميير .من هنا
تبدأ المغامرة " لتيري فريمو الذي خرج للعرض التجاري يوم 25 يناير في باريس
وأنحاء فرنسا بلاد الغال ويعتبره " تحفة " سينمائية تستحق المشاهدة عن
جدارة ، ويشرح لماذا أعجب بالفيلم " الساحر "الكبير ، الذي يعيد الحياة الى
اناس وعصر بأكمله، وهو يحكي عن " مغامرة " السينما، الاختراع الفن ، كما
يصحح بعض المفاهيم والافكار الخاصة بنشأة وتاريخ السينما والعلاقة فيها
بين ماهو تسجيلي وروائى
سارعت عند خروج فيلم " لوميير . المغامرة تبدأ
" لتيري فريمو – المدير الفني
لمهرجان " كان " السينمائي
ومدير معهد لوميير في مدينة ليون -
يوم 25 يناير في باريس وأنحاء
فرنسا الى مشاهدة الفيلم الجديد في قاعة " ست مونبارناس " ، في حي
مونبارناس - وسط باريس- الشهير..كعادتي ..
ولم أكن أتوقع
أن أعجب بالفيلم وانحنى تقديرا لمخرجه، بعد أن سحبنا بشريط صوت فطن وذكي ولمّاح،
بصوت تيري فريمو، وموسيقى الفرنسي سان صان وهو من ماصري لوميير، الى قلب مغامرة
السينما الحديثة،ومن عند أسرة " لوميير " في مدينة ليون الفرنسية في
نهاية القرن التاسع عشر 1895 التي اخترعت
لنا ربما أعظم اختراع في تاريخ البشرية، السينما توغراف..
حتى انه بعد ان
هبطت كلمة النهاية على الشاشة، بقيت مشدودا الى مقعدي – بعد انقضاء أكثر من ساعة
ونصف مدة عرض الفيلم – ووجدتني فجأة اتحسر
على ان الفيلم قد انتهى، وأنا أطلب المزيد، ولا اريد أن اغادر القاعة ....
يعتمد فيلمLUMIERE. L AVENTURE COMMENCE " على "
مونتاج " من صنع تيري فريمو- وكان سبق له أن طاف أنحاء الكرة الأرضية
بصفته مديرا لمعهد لوميير لعرض " باقة
"من أفلام لوميير التي تم ترميمها باحدث الوسائل الاليكترونية المتقدمة
للتكنولوجيا الحديثة في المهرجانات السينمائية حول العالم، ومن بعدها صار أمر
تجميع تلك اللقطات في فيلم، صار يلح على ذهن تيري فريمو ،حتى يعرف العالم كله قيمة
هذا التراث الفني البصري العظيم بصفته " كنزا " للانسانية جمعاء كما يقول المخرج الامريكي
الكبير مارتين سكورسيزي..
أفلام
" لوميير " وضعت العالم في متناول العين
حيث لم تقتصر
أفلام لوميير كما نعرف ،على تصوير خروج
العمال من مصنع لوميير، أو دخول القطارمحطة لاسيوتا في الجنوب الفرنسي المشمس
الكبير، أو " مقلب " – نمرة - الجنايني الذي يسقي الزرع، فيرش هو ايضا
بالماء، غيرها من التحف والمناظر السينمائية الرائعة التي عهدناها وشاهدناها مرارا
وتكرارا منفصلة عن بعضها في ذلك التراث- الفيلم الجديد هنا يمنحها تكتلا ووحدة
وايقاعا ثريا، وعلى اعتبار ان السينما هي فن " الصور المتحركة " وعن
جدارة ..
بل شملت ايضا -من خلال مصورو لوميير - الذين انطلقوا بعد اختراع الجهاز العجيب ( لالتقاط وتحميض ومن ثم عرض الصور داخل قاعة
ويكون الدخول اليها بأجر) الى مصر وسويسرا والهند وفيتنام وانجلترا وغيرها من
بلدان العالم ..
شملت صورا نادرة ورائعة للحياة على ظهر كوكبنا في نهاية
القرن التاسع عشر وعصرا بأكمله حتى انني كنت اثناء مشاهدة تلك المناظر - مناظر من
العالم – التي تشكل القسم الثاني من الفيلم
اتخيل ان ثمة موسيقى " جازية " نسبة الى موسيقى الجاز – تصاحب
مناظر الفيلم في الخفاء، لكن لا يسمعها في قاعة " ست مونبارناس " أحد
غيري ..
كما ان تلك الصور و المناظر بقدراتها التعبيرية
والايحائية كانت تجلعني استعيد بعض مقاطع من تلك الاعمال الروائية الادبية العظيمة
لجيمس جويس – " أهالي دبلن" مثلا - ومارسيل بروست " كما في روايته "البحث عن الزمن الضائع
" فقد كانت تلك الاعمال كما درستها وتمثلتها، تحكي ايضا عن اناس وبشر،
وشخصيات وحكايات من عصر مضى ،ومازال يأسرنا بأطيافه وخيالاته وسحره..
. وربما كان أهم مافي فيلم
تيري فريمو – بالاضافة الى أشياء أخرى كثيرة يحكي عنها في الحوار المرفق
معه - انه يعيد الاعتبار الى المخرج لوي لوميير ويذكر باضافاته الى اجرومية الفن السابع،
على مستويات " الكادر " ، و " أساليب السرد " ، و " الحيل
والخدع السينمائية " و " حتى " اللقطات البانورامية " الخ الخ،
ليقول انه كان - وقبل الأوان - قد اخترع قواعد الفن السينمائي، وثبتها – ابجديته -
في افلامه،ولم يدع اي من المخرجين الذين اتوا
بعده يأتون حقا بجديد، على مستوى تطوير " لغة " السينما الفن..
ومن هنا يبرز دور الفيلم في التأكيد على عظمة وروعة وفن المخرج
لوي لوميير - لم يحقق شقيقه أو جست إلا فيلما واحدا من بين مئات الافلام التي انجزاها
سويا - كأحد " الحكواتية " الكبار في عصرنا - مثل جدنا " هوميروس
" الأكبر صاحب ملحمتي " الالياذة " و " الأوديسة " ومثل كل
المخرجين الكبار في تاريخ السينما : دافيد جريفيث ، و شارلي شابلن، وفيلليني ،وبستر
كيتون و غيرهم ..ولكل العصور ..
صلاح هاشم
حوار مع تيري فريمو :
لوي لوميير كان مخرجا مثل بريسون وكياروستامي وعبد اللطيف
كشيش
لكن كيف ولماذا صنع تيري فريمو هذا فيلمه " لوميير
" ومن أين ياترى تبدأ حكاية الفيلم ؟
يقول تيري فريمو - في حوار له مع الناقد فيليب رويير –
الذي يسأله :
-
كيف نشأت فكرة الفيلم ، أعني فكرة تجميع
أفلام الشقيقين لوميير في فيلم
طويل ؟
فريمو : نشأت من
الرغبة في أن تجد الافلام التي صنعها
الاخوين لوي واوجست لوميير باختراعهما العظيم ( السينماتوغراف ) طريقها
اخيرا الى قاعة العرض السينمائي، لتلتقي هي الاخري إسوة بالافلام الأخرى بجمهورها
. في البداية كان الفيلم الواحد لايستغرق عرضه أكثر من خمسين ثانية وكان العرض
الواحد من عروض لوميير الأولى يشتمل على عرض عشرة أفلام فقط ، والواقع ان كل هذه
الافلام لم تعرض عالميا فقط إلا في قاعات
لوميير التي كانت موجودة آنذاك، ولم تعرض قط
في اي مكان آخر، وكانت المسالة هي : عرض هذه الأفلام الآن على شاشة كبيرة
وجعلها متاحة الآن وفي كل وقت لأكبر جمهور ممكن ..
ولذا كان من الضروري صنع فيلم طويل- بالكيفية التي تصنع
بها الأفلام الطويلة الآن – وأن نجعل هذا الفيلم متاحا للعرض التجاري، أن نصنع من
أفلام " لوميير " فيلما طويلا بتوقيع " لوميير " مخرجه
وبإدارة وتجميع وترتيب تيري فريمو ، ولذا قمت بالفعل باختيار أكثر من مائة فيلم من
أفلام لوميير لكي نسافر معها في رحلة أولى تتضمن عدة فصول وكل فصل يحكي عن موضوع
أو ثيمة معينة مثل : كيف كان الفرنسيون يقضون أوقات الفارغ في زمن لوميير اي في
نهاية القرن التاسع عشر، ومن خلال تتابع المشاهد نقدم من خلال الافلام صورة لزمن
وعصر ..
كان الرهان او التحدي الذي واجهته هو : كيف يمكن من خلال
التعليق على صور ومشاهد الفيلم، تجنب اهمال المشاهد، لجمال تلك الصور وأسرارها
وتقنيتها.؟ .. ومن هنا تبرز أهمية التعليق المصاحب للصور والمشاهد في الفيلم ..
فأنا أحب في ما يخص الفنون الأخرى مثل الرسم والموسيقى
والأدب أن يشرح لي بعضهم قيمتها من خلال
تقييمه وتفصيصه وتشريح جمالياتها لي، وقد أردت أن افعل نفس الشييء بالنسبة لفيلم
" لوميير " من خلال " التأمل " و " الوعي " بكل لقطة ، حيث انبه من خلال
التعليق الى سر جمال الكادر،وكيف تم التقاط اللقطة ، وأشير الى حركة الكاميرا داخل
الكادر ،ويد المصور التي تدفع البعض بعيدا عن العدسة الخ، وقد رأيت أيضا أن تصاحب
موسيقى كامي سان صان الموسيقار الفرنسي الكبير من معاصري لوميير مشاهد الفيلم ،
وفي ذهني طبعا انه لا يمكن ان يكون لوميير
- وبخاصة عندما نري مشاهد الحياة في زمنه
التي التقطها - لم يفكر في ان
يصاحب تلك الافلام جلبة وضوضاء وأصوات وموسيقى عصره و زمنه، لكن لا يوجد لدينا اي دليل أو أرشيف، على
انه كان يفكر في ذلك، في اختراع " شريط صوت " لافلامه ..
والحقيقة ان التفكير في عمل فيلم طويل يضم " روائع
" لوميير السينمائية راودني لأول مرة عام 1982 أثناء المؤتمر الصحفي الذي تم
فيه الاعلان عن تأسيس " معهد لوميير " في مدينة ليون الفرنسية فقد شاهدت
اثناء حضوري ومشاركتي بعض تلك الروائع السينمائية ووقعت في غرامها في التو،
وانبثقت في ذهني هكذا فكرة عمل فيلم أو
ربما مجموعة أفلام طويلة تضمها وتكشف عن جمالها وسحرها..ولولا تشجيع ودعم المخرج
الفرنسي الكبير برتراند تافرنييه رئيس معهد لوميير أنذاك ومساندة مساعدين لي هما
ماييل آرنو وفابريس كالزيتوني ما كان لهذا الفيلم أن يصنع وينطلق للعرض في جميع
أنحاء العالم ويجد الآن جمهوره..
لوي لو ميير معاصرنا مثل بريسون وكياروستامي
-
من بين أكثر من
الف وخمسمائة فيلم من اعمال لوميير اخترت لفيلمك مائة فيلم فقط من بينها،
لكن على أي أساس اعتمدت في اختياراتك ؟
فريمو : اعتمدت في الاختيار على عاملين : عامل الأهمية
وعامل التفضيل ، فقداخترت اولا الأفلام المهمة الشهيرة المعروفة من بين الالف وخمسمائة فيلم ،
ثم الافلام التي تعكس تنوع البانوراما
السينمائية الرائعة التي تفردها أفلام لوميير ..وأتي بعد ذلك ترتيب وتجميع تلك
المشاهد المهمة والمفضلة التي اخترتها بنفسي في فصول أو " ثيمات " معينة
وبخاصة في القسم لاول من الفيلم الذي تدور مشاهده في وتحكي عن فرنسا ، فقد
ضم الفصول التالية : فصل بعنوان " فرنسا
التي تعمل " و " فرنسا التي تتسلى " و " طفولة "
و " باريس عام 1900 " و " ليون مدينة اسرة لوميير " وغيرها..
وكان من الأهمية
في رأيي بمكان القضاء على عدة اكليشيهات
وأفكار نمطية معينة بخصوص لوي لوميير
بالذات وتصويره دوما على اساس انه كان
"يلهو " و " يتسلى "
فقط عندما يروح يصور افلامه، ولم يكن مخرجا واعيا، ويعرف عن قصد ماذا يفعل
ويتقن " حرفية " الميزانسين – الاخراج – ،وحتى بعد ان اخرج اكثر من 1500
فيلما ! كلا لايمكن، لقد كان لوي لوميير كما اوضح في شريط الصوت في الفيلم مخرجا واعيا وحرفيا رائعا، وكفانا تقسيم السينما
الى روائية من اختراع جورج ميلييس
وتسجيلية من اختراع لوي لوميير ، ووضع لوميير دوما في خانة الفيلم الوثائقي او
التسجيلي . كلا لقد كان مخرجا روائيا ايضا، وصنع ايضا سينماه – على طريقته – مثل
كل المخرجين الروائيين السينمائيين الكبار من أمثال الفرنسي لوي بريسون ،
والإيراني عباس كياروستامي، وحتى الفرنسي من اصل عربي عبد اللطيف كشيش ، لأننا نجد ان لوي لوميير كان يسأل مثل اي مخرج معاصر وفي كل فيلم من
أفلامه : اين أضع الكاميرا ؟ وماذا أصور ؟
وكيف ؟ ..