مختارات سينما ايزيس
هذا الشعب المدهش حقا
بقلم
د. حسن نافعة
منذ أيام قليلة كان الأمن يبدو غائباً تماماً عن الشارع المصرى، وكانت الخلافات بين التيارات والقوى السياسية قد وصلت إلى منعطف خطير ولّد لدى قطاعات واسعة من الرأى العام إحساساً بأن ثورة يناير قد سرقت أو جرى اختطافها، وأن الانتخابات البرلمانية التى تصر الحكومة على إجرائها فى موعدها ستكون بمثابة إعلان رسمى بوفاتها.
وفى وسط هذا الجو المشحون، والموبوء أيضاً، اندلعت أزمة سياسية كبرى أسقطت الحكومة، وتعالت من ميدان التحرير ومن ميادين أخرى كثيرة فى مصر هتافات الشباب، مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية قادرة على حماية الثورة وقيادة مصر لبناء نظام ديمقراطى قادر على انتشالها مما هى فيه من فقر وفساد واستبداد وتخلف.
وبعد أن كان البعض يخشى من تحول الانتخابات البرلمانية إلى ساحة قتال تسفك فوقها الدماء ويعلو فيها صوت البلطجة والعنف ويسود قانون الغاب، إذا بالعالم كله يفاجأ بمشهد مختلف تماماً: فها هم الناخبون المصريون يصطفون فى طوابير وينتظرون لساعات طويلة قبل أن يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم. كان المشهد بالغ التحضر وعميق الدلالة بدت من خلاله مصر وكأنها دولة تمارس الديمقراطية منذ قديم الأزل، على الرغم من أنها كانت قد تخلصت بالكاد من نظام بالغ الفساد والاستبداد جثم على صدرها عشرات السنين. فكيف حدثت تلك المعجزة؟
أظن أننا إزاء واحدة من تلك اللحظات الوطنية أو القومية الفريدة التى تتجلى فيها قدرات شعب لا يكف عن دهشتنا!.
وقد صنع هذه اللحظة، فى تقديرى: شباب ميدان التحرير أولاً، وجيش مصر الوطنى ثانياً، والشعب أولاً وأخيراً. فقد عبر الشباب، باحتشاده فى ميدان التحرير، عن إصراره على حماية الثورة مهما كان الثمن، وعبر الجيش، بإقدامه على حراسة صناديق الاقتراع بنفسه وعدم ترك مسؤوليتها لقوات الأمن وحدها، عن إصراره على حماية الشرعية الدستورية، بصرف النظر عن تحفظات لهذا الفريق أو ذاك أو عن أخطاء وقعت هنا أو هناك، غير أن شعب مصر، وكما اعتدنا منه دائماً، كان فى النهاية هو البطل الحقيقى.
فلم يكن لنزوله الكثيف وتوجهه بهذا الحجم الكبير إلى صناديق الاقتراع سوى معنى واحد وهو أنه قرر أن يمسك بنفسه زمام الأمور وألا يترك للأحزاب والجماعات السياسية المنظمة أن تقرر وحدها مصير البلاد ومستقبلها. ولأن «الأغلبية الصامتة» لا تتحرك فى مصر عادة إلا حين تستشعر خطراً حقيقياً على أمن الوطن، فقد كان من الطبيعى أن يؤدى قرارها بالنزول إلى الساحة إلى حسم المعركة لصالح الشعب والوطن، وليس لصالح طرف بعينه. وهنا تتجلى عبقرية الشعب الفريدة.
دعونا نأمل فى أن تظل روح يومى ٢٨ و٢٩ نوفمبر متقدة حتى النهاية، وأن تفرز الانتخابات الحالية برلماناً متوازناً يعبر فعلاً عن كل الفئات والشرائح والقوى والتيارات، تسود فيه روح التسامح والرغبة فى التوصل إلى حلول وسط تعلى مصالح الوطن على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة، وهو أمر يمكن أن يسهم بشكل حاسم فى تذليل العقبات التى تحول دون تحقيق توافق على إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية. ويتطلب تحقيق هذا التوافق جملة من الإجراءات، يتعين أن يصدر بها إعلان دستورى جديد، ربما يكون أهمها:
١- إلغاء انتخابات مجلس الشورى وقصر حق اختيار الهيئة التى ستتولى صياغة دستور جديد على الأعضاء المنتخبين فى مجلس الشعب وفق معايير محددة متفق عليها.
٢- الانتهاء من صياغة الدستور الجديد وطرحه للاستفتاء العام فى موعد أقصاه نهاية مارس ٢٠١٢. ٣- فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية فى موعد أقصاه أول مايو وإجراء الانتخابات نفسها فى موعد أقصاه أول يوليو المقبل.
ميزة هذا السيناريو أنه يضمن انتقالاً سلساً للسلطة فى ظل عملية مكتملة لبناء نظام ديمقراطى يتضمن: دستوراً جديداً، برلماناً قادراً على إكمال فترة ولايته الدستورية، رئيس جمهورية منتخباًً وفقا للإجراءات المنصوص عليها فى دستور دائم، فانتخاب رئيس جديد للجمهورية وانتقال السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل الانتهاء من الدستور الجديد مغامرة كبرى يتعين أن نتحسب لعواقبها.
شكراً لهذا الشعب المدهش الذى فتح لنا بتوجهه الكثيف إلى صناديق الاقتراع باباً جديداً للأمل.
هناك تعليقان (2):
تسلم ايديك
رااااااااااااائع
إرسال تعليق