أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية" لأمـــل الجمل
بقلم محمود قاسم
هذا كتاب سينمائي جميل..
الجميل فيه هو ذلك المجهود المبذول في تجميع مادته،
خاصة قراءة الوثائق، واستنباط المعلومات من المراجع حول موضوع
يثبت مجددًا مقولتنا إن المجهول حول السينما العربية،
هو أكثر من المعلوم، والجميل في الكتاب هو موضوعه حول
«أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية» للكاتبة أمل الجمل.
كما أن الجميل فيه هو الإخلاص في رصد سينما هي في أغلبها رديئة، تم من خلالها تبديد ثروات الوطن لتحقيق حلم طوبوي لدي السينمائيين، بأن يصيروا عالميين، فرجعوا بخفي حنين، وتاهت الأفلام بين المخازن في أكثر من بلد، ولم يرها سوي القليلين، ولا يعرف عنها أحد في أيامنا شيئًا، ولا يشاهدها.
الكتاب والظاهرة
إذن، فهو كتاب جيد، حول ظاهرة غير جيدة، ولك أن تتصور الكاتبة، وهي تفتش عن مناطق مجهولة وغير جذابة، وتقرأ في وثائق الرقابة، وفي كتب متناثرة، ومقالات، ومراجع، كي يخرج إلي المكتبة السينمائية كتاب عن موضوع لم يتطرق إليه أحد في كتاب، كما أن باحثًا ما، لم يكتب عنه مقالاً واحدًا.
لذا فقد جاء في مقدمة كتابها تحت عنوان «مشكلة الدراسة» أن: «الإنتاج السينمائي المصري الأجنبي المشترك- وكذلك العربي الأجنبي المشترك كان، ولايزال، من القضايا الشائكة، محل الخلاف الدائم بين عدد كبير من السينمائيين، والنقاد والمفكرين، البعض يدينه ويشكك في نواياه، وفي توجهاته الإعلامية، والبعض الآخر يرحب به.. لكن تقويم التجربة يحتاج إلي مناقشتها من منظور إعلامي. تاريخي، اقتصادي، وثقافي وسياسي. للوقوف علي إيجابياتها وسلبياتها، ونقاط قوتها، ومكامن ضعفها. ويمكننا صياغة مشكلة الدراسة في سؤال أساسي تنطلق منه هو: هل لرأس المال الأجنبي المشارك في إنتاج هذه الأفلام أثر علي طبيعتها سواء من حيث الشكل أو المضمون..
سينما حقيقية
وأهمية هذا الكتاب أيضًا أنه بحث متأني بشكل ملحوظ، يعيد إلينا مجد عمل بحوث سينمائية حقيقية، ويذكرني بالكتب التي وضعها محمد عبدالفتاح عن حسن الإمام، وإسماعيل يس، ونيازي مصطفي وأنور وجدي، لكن هذه المرة نحن أمام موضوع، وليس عن شخص ما من الفنانين. وهو رد غير مباشر حول عشرات الكتب التي جمعّ فيها بعض النقاد مقالاتهم المتناثرة في الصحف والمجلات.
أهمية الكتاب الذي يقع في أكثر من 420 صفحة، أن كاتبته حاولت أن تتناول «كل» ما يتعلق بهذه الظاهرة علي المستوي المصري- الأوروبي، وأيضًا المصري- العربي، وإن كانت قد رصدت فيلموجرافيا السينما العربية المشتركة.. في كتاب آخر، لم يصلني بعد. أصدره المجلس الأعلي للثقافة في العام الماضي، وهو مجهود جبار، فوق طاقة أي باحث، لذا كم تمنيت، لو رصدت الكاتبة هذا النوع من الأفلام في كتابين، الأول عن الأفلام المصرية العربية، وآخر عن المصرية- الأجنبية.
مصطلح بالغ المرونة
فلا شك أن مصطلح الإنتاج المشترك بالغ المرونة ومن الصعب حصره علميا أو عمليا، فالفيلم يسمي غالبًا حسب جنسية الشركة التي تدفع المال، وفي السينما المصرية هناك محاولات عربية عديدة وكثيرة لصناع أفلام (منتجين) كانت هويتهم غير مصرية، صحيح أن الكثيرين قد صاروا مصريي الجنسية، لكن لا شك أن آخرين قد احتفظوا بجنسياتهم، وهم يقومون بإنتاج أفلامهم في مصر، مثل السعودي فؤاد بخش الذي قام ببطولة وإنتاج فيلم «ويبقي الحب» عام 1987، وأيضًا عبدالله الكاتب الذي أنتج أفلامًا مصرية خالصة، رغم جنسيته السعودية، وأيضًا هناك شركات كبيرة عربية وضعت في الواجهة أسماء مصرية من أجل إنتاج سينما مصرية محلية. فكان الإنتاج مشتركًا في الحقيقة، لكنه إنتاج مصري في الواجهة.
سنوات التعثر
وقد بدأت أمل الجمل الحديث عن الإنتاج المشترك الواضح، منذ بدايته، فيما اسمته بسنوات التعثر، حيث ذكرت أن السينما بدأت الإنتاج المشترك منذ النصف الأول من الأربعينات بتجربتين لم تحققا النجاح المرجو. من خلال فيلمين همًا «أرض النيل» بالتعاون مع فرنسا، ثم «القاهرة بغداد» عام 1947. وقد كان بودي التوصل إلي مصطلح محدد، قاطع له يعني الإنتاج المشترك ولا شك أن الكاتبة لو فعلت ذلك، لغرقت في عشرات المصطلحات المتشابكة المعقدة ولخرجت بقوائم أكثر عددًا من التي حصدتها، وأعتقد أنها اختارت الطريق السليم، والمختصر، إن الإنتاج المشترك يعني اشتراك جهتين من دولتين مختلفتين في الإنتاج، هما من شركات الإنتاج السينمائي، فلا شك أن حركة رأس المال السينمائي بين البلدان، مؤقتة، ومعقدة، باعتبار أن التجارب التي أمامنا كانت فردية، ولم تتكرر، فالذين أنتجوا الفيلم المصري- العراقي «القاهرة- بغداد» لم يكرروا التجربة، وإن كان أخرون حاولوا أن يكرروها، مثلما فعل أحمد كامل مرسي في الفيلم العراقي تمويلاً «ليلي في العراق» عام 1949.
أصحاب التجارب
وقد رجعت الكاتبة إلي الوثائق، وإلي المراجع، لترصد رأي أصحاب التجارب، أو الفنانين، وكذلك الباحثين، والنقاد في هذا الأمر، وتوقفت عند تجارب مهمة، مثل فيلم «عاصفة علي النيل» المعروف لدينا باسم «عبدالله الكبير»، ورصدت رحلة إنتاجه، ورصدت الكثير من التجارب التي فشلت، ولم يتم إنجازها، بالإضافة إلي تجارب شاهدنا ثمارها، وبكل موضوعية ذكرت أوجه السلب والإيجاب في تنفيذها، مثلما حدث الفيلم المصري، الإيطالي «الصقر» الذي تم إنتاج نسخة مصرية من إخراج صلاح أبوسيف، ونسخة إيطالية، ثم توقفت عند أفلام أخري مثل «غرام في الصحراء» عام 1959، وقد لوحظ أن التجارب هنا قليلة، فالمسافة بين الفيلمين المذكورين تقارب العشر سنوات.
وحسب الكاتبة فإن ظاهرة الإنتاج المشترك في السينما المصرية، لم تصبح ظاهرة حقيقية إلا مع تأسيس الشركة المصرية- الإيطالية كويرو فيلم، في عام 1963، والغريب أنه بمراجعة كتب الإنتاج السينمائي الإيطالية، فإن كل هذه الأفلام المذكورة في الكتاب، كانت تذكر بياناتها باعتبارها إيطالية، أما بيانات الإنتاج السينمائي المصري. فلم تذكر كل هذه الأفلام علي أنها مصرية، ومنها علي سبيل المثال «قاهر الأطلنتس» و«نار علي الجليد» و«النمر» و«فارس الصحراء» وغيرها..
إنتاج شاهين
وهناك مرحلتان بارزتان في الإنتاج المشترك المصري- الأوروبي، الأولي هي مرحلة شركة كويرو فيلم، والتي لم يتم فيها إنتاج فيلم واحد «عليه الطلاء» كما يقال. أما المرحلة الثانية، وهي الأهم، فهي التي قام بها يوسف شاهين مع شركته بالتعامل تارة مع مؤسسة السينما الجزائرية في «العصفور» و«عودة الابن الضال» و«إسكندرية ليه» ثم مع الجانب الفرنسي، متمثلاً كثيرًا في تمويل من بعض القنوات التليفزيونية الفرنسية، وقد دخل في هذا الإطار سينمائيون عملوا من خلال شركة مصر العالمية منهم يسري نصر الله، وأسماء البكري، وخالد الحجر، وأحمد عاطف، وعاطف حتاتة وآخرون. وقد أطلقت الكاتبة علي هذه المرحلة ما يسمي بسنوات التحقق.
دخلت الكاتبة منطقة شائكة بالغة التعقد حين توقفت عند ما يسمي بالإنتاج السينمائي المصري- العربي المشترك، مثل فيلم «القاهرة بغداد» و«حبيبتي» و«أجمل أيام حياتي»، ثم «الأقدار الدامية».. وغيرها، وقد أوقعتني أمل الجمل في حيرة من خلال أفلام أخري عديدة كنت أتصور أنها إنتاج مشترك، منها علي سبيل المثال «معبد الحب» لعاطف سالم 1961 وإنتاج طنوس فرنجية- إخوان بيروت. و«من يطفيء النار» من إنتاج الشركة المصرية اللبنانية عام 1982، وإخراج محمد سلمان وفيلم «البدوية العاشقة» إنتاج عبدالرحمن الكخيا.. وفيلم «لست مستهترة»..
إعادة رؤية
فتري هل هي أفلام إنتاج مشترك أم لا، فالمرجح أن الكثير منها لبناني، لكن أعتقد أن المرحلة السينمائية اللبنانية المصرية، خاصة في الستينات تحتاج إلي إعادة رؤية، واعترف أن معلوماتي عن إنتاج الأفلام، وحركة الشركات في هذه المرحلة ضعيفة، وأنني أحتاج إلي أن أعرف المصري من اللبناني، فقد كون لبنانيون عديدون شركات في مصر، واعتبرت شركات مصرية، رغم أن الأموال لبنانية، ففيلم «لست مستهترة» مثلاً من إنتاج أنور الشيخ ياسين (بيروت) مع إبراهيم والي المصري، ويؤكد هذا أن هناك مناطق مجهولة لا تزال في حاجة إلي إلقاء الضوء حولها، خاصة فيما نعرفه بأنه إنتاج سينمائي مصري- لبناني مشترك، وأتمني لو وفقت الكاتبة، وقد أثبتت جديتها، عند هذه المرحلة بالذات، خاصة مع لبنان، وأيضًا سوريا، ولا شك أن النتائج ستكون جديدة ومدهشة. وذلك أننا نعرف أن فترة التقارب العربي، قد ساعدت في تكوين شركات إنتاج عربية متعددة الهوية كما أن هناك مناطق مجهولة أخري لا نعرف هل هي إنتاج أجنبي فقط، أم إنتاج مشترك، مثل ما يسمي بالمرحلة الأمريكية، حيث تم إنتاج أفلام أمريكية التمويل، مصرية الهوية جميعها، مثل «آخر من يعلم» إخراج كمال عطية، وفيلم «الضوء الخافت» لفطين عبدالوهاب، وهي أفلام قامت شركة مترو بإنتاجها وتوزيعها، ثم أخذتها إلي مخازن شركاتها في الولايات المتحدة.
ولا شك أن هناك نقاطًا مجهولة لن يتم كشف النقاب عنها، إلا بالتعرف علي هوية الشركات التي أنتجت أفلامًا من طراز «قبلة في لبنان» 1994، و«مصري في لبنان»، وفيلم «دكتور بالعافية»، وغيرها، أعرف أن الشركات العربية قد استعانت بالمصريين في أعمال التمثيل والكتابة، والأعمال الفنية، لكن أصول أموال هذه الشركات سيحدد هل هي إنتاج مشترك أم لا.
قائمة الأفلام
هذا الكتاب الجميل، لم يكن له أن يحدد أن قائمة أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية هي 66 فيلمًا، من بينها أفلام قصيرة غير روائية. وأنا أعرف أن هناك أفلامًا تم تجاهلها، فليس فيلم «حدث في مصر» هو الإنتاج الوحيد مع دول المعسكر الشرقي بل أن هناك أكثر من فيلم آخر منها «لغة الحب»، أو «فن الحب» كما هو في اسمه الإنجليزي الذي تم إنتاجه في أوائل السبعينات، وعرض في مصر في شهر أبريل 1974، وهو فيلم مصري- بولندي مشترك. من تأليف وإخراج زهير بكير.
حسنًا فعلت الكاتبة، حيث اعتبرت أن فيلم «غدًا تبدأ الحياة» أو «النيل والحياة» كما يعرض الآن في بعض المحطات الفضائية ليوسف شاهين عام 1968، هو فيلم قائم بذاته، وأن فيلم «الناس والنيل» ليوسف شاهين عام 1978، هو أيضًا فيلم قائم بذاته، وذلك تعضيد لمقال نشرناه في القاهرة قبل عدة أشهر، بأن يوسف شاهين باستعانته بكاتبين آخرين، وإضافة أحداث، وإعادة إخراج، واختيار لأحداث بعضها، وإضافة أخري، قد صنع فيلمًا جديدًا اسمه «الناس والنيل».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق