الكاتب والناقد العراقي نعمة السوداني
ملصق فيلم بصرة لاحمد رشوان
احمد رشوان الثاني من علي اليمين في مهرجان روتردام
لقطة من فيلم بصرة لاحمد رشوان
باسم سمرة فاز بجائزة احسن ممثل بفيلم بصرة لاحمد رشوان
فيلم بصرة Basra :
اخراج وسيناريو: الفنان المبدع احمد رشوان
تمثيل : باسم سمره , فاطمة عادل , يارا جبرا,اياد نصار, ناهد السيا,محمد الاحمدي,كريستيان سليمان...
الفلم من انتاج الفنان السوري المعروف هيثم حقي .....
قراءة نقدية بقلم نعمة السوداني :
تتولد العناصر الجمالية في فن الفيلم من طبيعة الفن نفسه.. وحين نتابع اي شريط سينمائي ذات قيمة فنية جيدة نجد انفسنا فيه من دون ان نتوقف وبشكل مستمر مع احداثه او وسطها لانه يخاطب حواسنا ومشاعرنا وافكارنا عبر الاماكن المتعددة والاحوال السلوكيات والتصرفات للشخصيات التي نراها تتحرك امامنا ويجعلنا في الحدث وبالتالي وفي لحظة معينه نتوحد مع مايدور امامنا على الشاشة الكبيرة .. لذلك يعتبر فن السينما من الفنون المهمة جدا لانه يخاطب الجمهور ويؤثر عليه بشكل فعلي - بسبب حضور الجمهور - الى قاعة السينما باعداد كبيرة ضمن مكان واحد.. وبالتالي ان هذا التجمع الكبير المشاهد للفيلم لابد وان يحسب له المخرج الف حساب لانه يخضع لملاحظات تؤشر على الفيلم بالايجاب وايضا بالسلب ... لذلك يحاول المخرج المبدع ان يهتم بالمعالجة الموضوعية و الفنية بشكل يتناسب مع العقلية التي يعمل على صناعتها في ( المتفرج جيد ) لما يقدم من احداث تتفاعل بشكل مقنع على الشريط من دون ان يتجاوز على مشاعر الجمهور وان يسئ له, وايضا هذا يتعلق بشئ مهم كما هو في وجود نجم في الاخراج او في التمثيل وبالتالي يصبح صانع لنجوم من المخرجين والممثلين كذا هو الحال في ايجاد (المتفرج السوبر) .... وهذه هي العلاقة الحقيقية بين السينما بكل تفاصيلها والمتفرج .
ان فيلم (بصرة ) الذي تدور احداثه عبر يوميات مصور كان قد درس الحقوق في مصر وذهب الى فرنسا لاكمال دراسة الدكتوراه فيها , لكنه وبملاحظات احد الاساتذة هناك الذي رأى فيه ان ميله وحبه للتصوير هو ابلغ من ان يكمل دراسة الدكتوراه في باريس لذلك عاد الى مصر وهو المتمرد على الحياة وعلى قوانينها الوضعية بكل تفاصيلها ...كان هذا عام 2003 اثناء سقوط نظام صدام حسين في العراق ودخول الاحتلال الامريكي ... يبحث هذا المصور عبر الة التصوير عن اجوبة مفقودة لاسئلة معقدة في فلسفة الحياة والموت والجنس والمنطق وسط التحولات الدراماتيكية التي تعصف بما يدور حوله من احداث ... كذلك يبحث عن الحرية السياسية الناقصة والتناقضات العامة في المجتمع العربي والاسلامي ويتناول القوانين الوضعية التي درسها بشكل ساخر ..هكذا هو بعبثية مثقف وفنان يفكر ويحس ويتنفس ويصور ضمن مخاض الوضعية العامة .
هكذا بدء لنا الفلم ... هناك اجندة واضحة ومخطط عام للمخرج يعطي فيه مايسمى بخارطة الطريق للمتفرج من خلال حبكة مليئة بمشاهد جميلة متواصله ومترابطة بنسيج فني رائع باتجاه بوصلة الاحداث المتقدة , السريعة , وبشكل فني يدفع المخرج بالحكاية ومضامينها الى الامام من دون ان يكون هناك حسابا مقصودا لقطع الفعل الدرامي المتسلسل ضمن شروط وقواعد اللعبة السينمائية .. لان علم اللقطة هو كل ماتشاهده او تراه الكاميرا كما يقول ( فيلد ) ... لذلك فان اي قطع في المشاهد غير مبرر لا وجوب له .. و قد بدا ذلك واضحا في اشتغال المخرج على لقطات اعتراضية لخطابات صدام حسين المهزوم من الشعب العراقي وامريكا لمدة دقائق وبالتالي تشكل هذه اللقطات الاعتراضية حالة من الاستفزاز للمشاهد الذي يتابع وبلهفه حول ما يحدث هنا في الصالة وفي محتوى الشريط الفني السينمائي .. وهي حالة من الاسترخاء الجميل لمتابعة الاحداث على الشريط وفجأة ... واذا بصدام يظهر على الشاشة من دون اي مسوغ فني او اعتباري للمتفرج .. وايضا حينما يذهب بنا الفيلم لعلاقات المصور الغرامية المتعددة والاختلاء بالكاميرا لفترة زمنية جميلة وايضا يفاجئنا كالعادة بالانتقال السريع من دون تمهيد , فنراه ينتقل بنا الى لقطات ليس لها علاقة بالاحتلال الامريكي – واقول ربما هو خلل في عملية المونتاج التي صاحبت هذه اللقطات الخارجة عن سياق الفيلم - ومثال اخر هو كيف لنا ان نتابع احداث طويله في زمن واحد عن رجل الاعلان والدعاية في الفيلم وهو له حياته الخاصة بتعاطي المخدرات وعلاقاته النسائية الكثيرة وبعيد عن اي قضية سياسية او انسانية وبالتالي يدخل علينا المخرج بلقطة اخرى لسنا بحاجة اليها وفق تساوق الاحداث التي في الشريط حينما يقدم لنا الصحفي العراقي طارق كيف يموت ؟؟؟ في العراق !!!!لقطات اعترضت الشريط السينمائي من دون مبرر وليس لها علاقة بالرجل الاخر الاعلاني او من يعمل في هذا الجانب ...هل هي مقارنة ؟؟ ولماذا يقارن هذا بذاك ؟؟ بصراحة نقول ان مثل هذه اللقطات تصب خارج نطاق تغطية الفيلم.
و كما في مشهد المقاومة الاخير والذي حاول ان يعالجه في ثواني وفي عدد من الكلمات على لسان البطلة من دون اي مقدمات انما هي مقاومة فقط كيف ؟ ولمن تقاوم ؟ واين ؟ .اذن على اية مقاومة يتكلم الفيلم وهي بين الانفتاح والانسلاخ !!!!وقتل لابناء الشعب ؟؟
ان التتابع في بناء الفيلم يعني هناك سلسلة من المشاهد ترتبط ببعضها البعض او متصلة عبرفكرة واحدة لكن الذي حصل انه اثناء هذا التتابع يدخل وبشكل مفاجئ قطع غير مبرر في وحدة الفعل الدرامي في وقت نرى الفيلم يتجه بقصته الى البحث عن الموت والحياة والجنس بعلاقات متحررة والمنطق فيخرج الفيلم من سياقه ويذهب لخطاب صدام مرة ثانية وثالثة او لحركة دبابة امريكية او موت صحفي عراقي من دون اي تمهيد اوربط بذلك اي ليس له علاقة في وحدة الفعل...
ولاننا نعرف ان التتابع يعتبر العمود الفقري للسيناريو لانه يضع كل شئ في مكانه لذلك يستوجب الربط الصحيح او التنظيم الصحيح لسلسلة المشاهد التي تترابط مع الفعل الدرامي لخلق حالة من التراص وبالتالي تخلق لنا اجزاء واضحة من المعالم عن الفعل الدرامي حسب ما جاء في القصة واحداثها وعلى اعتبار ان السيناريو يمثل نظام يحتوي على اجزاء يربطها ويوحدها ( الشخصيات والافعال والاحداث ) لذلك يكون السيناريو وفق الكيفية والمعالجة الموضوعية الفنية التي تحدث باتجاه الحدث وكما اسلفنا سابقا , لاننا نرى في
حالات التمهيد للحدث القادم يخفق في ادخال لقطة لخطابات صدام حسين التي ليس لها علاقة بواقع الحال في الفيلم نفسه الذي يتجه باتجاه اخر مغاير تماما وعندما تتم المجابهة في التمهيد الدرامي نراه يكسر هذا التصعيد بادخال مشاهد اخرى ايضا ليس لها معنى بسياق الفيلم وهكذا لم يعطي لنا حلا لافي اسم ( البصرة العراقية ) والتي ليس لها علاقة على الاطلاق بالفلم لامن قريب ولا من بعيد ولا في( الاحتلال ) ولا في (المقاومة ) واني ارى هنا --- هناك نوع من التورط في هذا الجانب --- او ربما هو حشو -- -والحالتين هما اضعاف لجمالية الفيلم ...
ولا نغفل ما عمل عليه المخرج من حركة فنية جميلة تحسب له عندما قدم لنا وبمعالجة فنية راقية وهو يقوم برمي اوراق ( الكوتشينه ) وهي في حالة( بصرى ) في البحر وعلى وجهها صور لعدد من المطلوبين في النظام السابق وعلى رأسهم صورة صدام حسين للمثول امام العدالة العراقية وهذا هو المقصود _بالبصرى هذه ) وان كل ماياتي به من زبد البحر هو ( اوساخ وزبالة ) ...وهنا نجح المخرج امام عيون المشاهدين في هذه المعالجة الفنية .
ومن المؤاخذات على الفيلم هو انه مر بشكل سريع على الاحداث والواقع المتناول بالعراق اولا ... وركز على زاوية صدام حسين دون الرجوع او الانتقال الى زوايا اخرى مهمة اثناء دخول الاحتلال الامريكي للعراق ثانيا ....
ان الصعوبة البالغة في كتابة السيناريو تكمن في هو ان السيناريست عليه ان يعرف ماذا يكتب وان يعرف اين هي وجهته اي لديه اتجاه وخط من التطور الفكري يقوده الى حل ثم النهاية ... واذا اخفق في ذلك فانه سيقع في مازق وسيضيع في متاهة هو بغنى عنها...اذن لابد من ان تكون هناك اجندة يعمل بها المخرج وبموجبها يسير العمل...وهنا لسنا نضع المخرج امام اتهام .. لا ابدا .. انما لابد من نافل القول ان نقول ان خلفية المخرج تعتمد على كونه ايضا دارس للقانون اي -- خريج حقوق -- وهواليوم مخرج سينمائي يرى العالم من عيون فنان وحقوقي وهذا ما يجعلنا ان نؤكد على طريقة طرحه للفيلم عندما يتعلق بواقع العراق ذات الخصوصية الصعبة منذ سقوط نظام صدام حسين ومجئ جيش الاحتلال الامريكي السافر و لحد كتابة هذه السطور...
وعلى العموم فقد نجح المخرج السيناريست في رسم الاجواء العامة والخاصة في المجتمع وايضا في رسم الشخصيات التي عبرت عن طبيعتها كل حسب مكانته ... رسم لنا علاقات حياتية مختلفة التفكير والطباع وبالتالي فقد تحررالمخرج في جماليات الاخراج السينمائي وتقنياته واشتغل بحرفية سليمة في اختيارات التصوير والممثلين والاضاءة والالوان والموسيقى وهذا نصفه موهبة والنصف الاخر موهبة الفنان المخرج احمد رشوان..
اما في الجانب الموسيقي ... هنا لنا وقفة صغيرة اراها مهمة و جميلة لابد من التطرق اليها وهي : اول مرة اسمع الفنانة فيروز تطربنا بنغمات تتناسب تناسبا طرديا مع ايقاعات -- فيلم مصري جاد -- يتحدث عن مواضيع ساخنة نسمعها في كل انتقالة من مشهد الى اخر ومن لقطة الى اخرى .. وهذا غير معمول به سابقا في السينما المصرية الجادة ... وعلى ما اعتقد جاء هذا التطور من قبل تاثيرات المنتج الفنان السوري هيثم حقي على طبيعة العمل لكونه المنتج لهذا الفيلم وما تربطه من علاقه حميمة بينه وبين المخرج .. وعلى كل حال فان الافكار الجديدة واللمسات الجميلة بالتاكيد هي محسوبة للمخرج المبدع احمد رشوان ..
يعتبر الفيلم من الناحية الفنية مشوقا .. فيه متعة جمالية متعددة فالوجوه الجميلة التي تسيدت العرض و الملابس و الاداء و المكياج كله هذا يمثل جملة فنية سليمة واضحة ... الا الحالة التي ذكرتها في بداية الحديث وهي تتعلق ( بمونتاج ) بعض اللقطات .....
اما من الناحية النفسية التي كانت تمثل الجانب المهم في سرد العلاقات العاطفية وغيرها التي تربط بين الممثلين او الشخصيات وهي تحمل معنى عميقا في داخلها وتحمل منحى دلاليا وانها تفسر العلاقة بين الجانب الواقعي في الفيلم وبين القصة وبالتالي فهي علاقات فيها نموذج يعبر عن نفسه عبر الصدق والاخلاق الرفيعة والحب والحنان ...
ان الذي يجرب تحليل مواقف الفيلم وتطوراته منذ بداية الاحداث كصور متحركة
وشريط فيه من الاحداث القيمة ولقطات صامته وحوارات ساخنة وايضا استخدام الفلاش باك بالعودة للماضي يجد ويدرك ان هذا الفن –فن السينما - يشير الى الحد الواضح والكبير للجماليات التي تعاطاها الفيلم من تاثيرات في الصوت والحوارات او القصة عبر السيناريوالجميل والجهود الجبارة لهذا المخرج الفتي الرائع الذي اتحفنا في فيلمه هذا من ناحية , ومن ناحية اخرى يتمتع الفيلم بايقاع حيوي ناتج عن التعاقب السريع في المشاهد وقد كان جليا وواضحا انه هناك اهتمام في التفاصيل والحركة داخل المشاهد من الناحية الاخراجية ولا نتوقف ونحن نقول هناك قيمة عالية في التمثيل والاداء البارعين للمثل بسام سمره ومن عمل معه و الذي يعتمد على مهارة في الاداء وحركة خاصة في فن التمثيل ...اخيرا لابد وان نقول ان المخرج صنع فيلما ناجحا بمواظبته وعزمه على اخراجه للنور بعد مشقة كبيرة في العمل.
نعمة السوداني
كاتب وناقد
هولندا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق