الخميس، ديسمبر 06، 2007

نوري بوزيد يحصل علي جائزة ابن رشد

المخرج التونسي الكبير نوري بوزيد يتسلم جائزة ابن رشد










نوري بوزيد يحصل علي جائزة ابن رشد


لمساهمته بأعماله السينمائية المتميزة

في التوعية وإرهاف الحساسية

ضد الظلم ، وإغناء الفكر النقدي في المجتمعات العربية

في تمام الساعة الخامسة بعد ظهر الجمعة 30/11/2007 وفي صالة المحاضرات بمعهد جوتِه في برلين/ألمانيا، بدأت احتفالية تقديم جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لعام 2007 . اكتظت القاعة بحضور الشخصيات العربية والألمانية ولفيف من صانعي الأفلام ومن الأكاديميين والصحافيين وكذلك مندوبي وكالات الأنباء العربية والدولية، إضافة الى ممثلي السفارات العربية.وكان من بين الضيوف الأستاذة هيلينا رانج (Helene Rang) وكيلة رئيس الهيئة الإدارية لمؤسسة الشرق الألمانية ورئيسة جمعية الشرق الأوسط ، الأستاذ جوتفريد كوفنرGottfried Köfner ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لجنة الأمم المتحدة (UNHCR) إضافة لحضور حشد كبير من الشخصيات من الجمعيات والمؤسسات العربية والألمانية.
افتتح أيمن مبارك عضو الهيئة الادراية لمؤسسة ابن رشد للفكر الحر حفل تكريم الأستاذ نوري بوزيد بشكر الجميع على حضورهم. وقدم كلمة الترحيب لمؤسسة ابن رشد للفكر الحر تلتها السيدة د. عبير بشناق (بالألمانية) والسيد سامي ابراهيم (بالعربية). عبرت مؤسسة ابن رشد في كلمتها عن فخرها بنيل المبدع التونسي نوري بوزيد لجائزتها هذا العام. ووجهت الشكر للمخرج والمنتج الألماني فريدر شلايش لتلبيته دعوة المؤسسة لتكريم الفائز.وكذلك وجهت التحية لأعضاء لجنة تحكيم جائزة هذا العام التي تألفت من السيدة ماجدة واصف (من مصر) مديرة قسم السينما بمعهد العالم العربي بباريس، الصحافي والناقد السينمائي نديم جرجورة (من لبنان)، الناقد والمؤرخ السينمائي سمير فريد مستشار مكتبة الإسكندرية للسينما (من مصر)، الدكتور خميس الخياطي باحث وناقد ومعد برامج أفلام وثائقية (من تونس) وكذلك الصحافي والناقد السينمائي الفلسطيني بشار ابراهيم (من سوريا) . ونوهت إلى وصول 32 ترشيحاً لجائزة هذا العام . هنأت المؤسسة نوري بوزيد على صلابته وعناده في إيصال أفكاره طوال كل هذه السنوات ، وفي الأخير شكرت المؤسسة كل من تعاون وحضر حفل تسليم الجائزة.


أفتتح المخرج والمنتج الألماني فريدر شلايشFieder Schlaich كلمته بأنه لم يكن قد سمع عن جائزة ابن رشد قبل الاتصال به ونوه أن حرية الفكر بالنسبة له تعتبر من البديهيات ولكن تكلفتها غالية تكلف الحياة في أماكن مختلفة من العالم . وعبر عن فرحته بنيل بوزيد للجائزة وكذلك بحضور بوزيد شخصياً لمواكبه العرض الأول لفيلمه (آخر فيلم) الأحد في برلين.
قدم ِشلايش لمحة عن حياة نوري بوزيد وعن أفلامه التي في مضمونها تنتقد الأنظمة الأبوية أو السجن السياسي أو الدعارة أو حرب الخليج أو تشغيل الأطفال وأعتبر بأن نوري بوزيد لم يخضع مواضيعه لأي استغلال ، يتعامل ويعمل دائماً بحب استطلاع وبأنها تشغله سنوات عديدة ليخلص في النهاية لإخراجها للنور بعد أن يغوص عميقاً بنفسية شخصياته، يتحدى ويستفز نفسه وجمهوره. استعرض شلايش الصعوبات المادية وحال الحصار التي تتعرض لها الأفلام القيمة وقدم للمعيقات التي واجهت فيلم (آخر فيلم) إن من خلال وقف تمويله أو بمنعه من العرض وانتقد عدم عرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي (البرليناله ) واعتبر أن الحفاظ على النجاح يحتاج بدون شك إلى روح كفاحية مميزة وهذا ما يتميز به نوري بوزيد والذي لا يختبئ خلف أعماله ولكنه يُظهر لنا نواقص مجتمعاتنا في كل فيلم يُخرجه. وقال بأن بوزيد لم يكلّ أبداً ولم يسقط في إغراء إنتاج أفلام تصور الشرق على أنه العالم الجميل الغريب exotique وتعدُ بالتسويق الرائج. أعتبر شلايش أن بوزيد يُعد بالتزامه السينمائي الجاد والحازم من كبار مخرجي الأفلام العالميين ويمشي في خطى من يُعتبرون المثل الأعلى مثل Pasolini بازوليني، جودارد Godard وشاهين.
وأضاف شلايش بأن جائزة ابن رشد هي جائزة للفكر الحر ولكن السؤال الذي يراوده إلى أين يمكن أن تقودنا حريتنا في ألمانيا وفي أوروبا ، عندما لا يكون هناك مجال لعرض أفلام مميزة مثل " الفيلم الأخير"Making of على شاشات التلفاز العامة أو عندما يمنع عرض فيلم سياسي في مهرجان سينمائي بادعاء أن هذا فيلم تقليدي في بنيته!
وشدد على ضرورة أن يتحمل كل واحد منا ويعير انتباهاً أكثر للمضامين على أن يكون ذلك مصحوباً بالفضول القادر على قراءة ما بين السطور. إن تبادل الخبرة بين مخرجي الأفلام العرب والألمان يجب أن يكون أوثق. وهذا لا يحدث عن طريق الكلمات الرنانة إنما عن طريق المساعدات المالية التي تدعم الإنتاج وهنا أعتبر شلايش أن الدور الذي يقوم به المركز البروتستنتي لإنتاج أفلام الدول النامية Evangelisches Zentrum für entwicklungsbezogene Filmarbeit) - وصاحبها برند فولبرت Bernd Wolpert - يعتبر استثناء كبيراً حيث دعم حتى الآن ثلاثة أفلام لنوري بوزيد.
ختم شلايش كلمته بقوله "قبل عشرين سنة بالضبط سؤل بوزيد في مقابلة صحفية لماذا يُنتج الأفلام؟ فأجاب "إن السينما تسمح لي بوضع مرآة أمام أعين المجتمع ببطء وحذر حتى يتعرّف على وجهه الحقيقي. وفي التعرّف على صورتنا الحقيقية نعترف بهزائمنا". إنني أشكر باسمي وباسم هذا الحضور نوري بوزيد لمحافظته على هذا الموقف الملتزم والصارم."



أستهل نوري بوزيد كلمته بقوله أنه خلال أكثر من عشرين سـنة بذل قصارى جهده لكي يقترب من الشخصيات التي يرسمها .. وذهب به الحال إلى الالتجاء إلى عالم داخلي واختيار العزلة لكي يلتقي بهم ويسـكن داخلهم ... وأردف بأنه أصبح واحداً منهم وأصبحوا جزءاً منه وبأنه كان يتوقع دون عناء إن مصيره سـيكون شبيهاً بمصيرهم الذي رسـمه .. "مصير شخصياتي هو الفشل والانهيار والهزيمة لأنها لا تملك لها سـوى تمردها الخفي وانطلاقتها نحو المجهول التي تفوق جهودها .... ومكافأتها الوحيـدة هي وعيها بالجرح ، بالداء... وتعلمها المعاناة والصراع ... فهي لم يكن لها الحظ أن تتوج بل هي منسية، مهمشة.. تخومية في غالب الأحيان ، تهز بهـدوء أو بثورة ما يحيط بها من توازن غير مستقر وترفض بشكل غريزي نظام الأشياء من حولها حتى تجد راحتها في تقويضه. وأعتبر بوزيد بأنه "خلافا لكل شـخوصي ها أنذا أُتوَّج." وتابع بوزيد ليقول أن مرآته تعكس وتعاكس.. وكأن صورها غير لائقة، غير مشرفة. التشبه بها مضنٍ متعبٌ، مؤلمٌ، غير مريح.. لم نتعود أن نفتخر به، بل نتنكر له وننكره.. ولا أحـد ينكر تعدد الهزائم التي عاشها جيله وتعددَ المآسي الجماعية، من فلسطين للبنان، للجزائر، للسودان، للعراق...
"كنت ممن عاشوا شبابهم في هزيمة حزيران/يونيه 67 بألم لا مثيل له، قهر كاد يرمي بي في فراغ بلا قرار. إذ أفقنا أيتاماً خائبين مخدوعين، قاصرين، وغير قادرين على العيش تحت سلطة الأب ولا دونه.. صبيةً جاهلين النضج، رجالاً من رماد حرقوا قرباناً على عتبة الصمت القاتل،... انتحاريين قبل الأوان، فاقدين كل ارتباط أميين.."
وتابع بأنه مر وهو في غَمرة تمردِ المراهقة.بتجربةٍ عميقة علمته ما لا يمكن أن يتعلمه دونها:أكثرَ من 5 سنواتٍ سجناً من أجل حرية الفكر.. تعلم أثناءها الكلام بحرية.. تعلم تدنيس المقدسات بكل أنواعها.. وبسرعةٍ مذهلة. وجد نفسه يؤسس عالماً داخلياً خاصاً وشخصياً كملجأ وحيد ليتفرغ فيه لبناء شخصياته الخيالية، حاملةً هموماً صعبة التأسيس وسهلةَ التشخيص. ومنذ ذلك الحين لم يقدر على التخلص من هذا العالم الداخلي، وأصبح يسخر له وقتاً طويلاً على حساب أشياء أخرى.
واستطرد بأنه كان علية أن يخلقَ حياءً جديداً في إحساس مرهف حتى يتمكن من الحديث عن كل شيء، عن أشياء لم نعتد الحديث عنها.. كيف يحكي في 85 عن اغتصاب الأطفال، إذا لم يتمكن من تحقيق قطيعة معرفية مستهزئاً في تمكنه من قلب القيم المعمول بها، محارباً البنية العائلية الأبوية، مستهزئاً بالرجولة،.. رافضاً العصبيةَ الجهوية،.. مدعياً المحبةَ اللامحدودةَ للمنهزمين، المنسيينَ،.. المسكوتَ عنهم.. وحدد قائلاً "كنت نقيضَ المقولات "استر ما ستر لله"، و"إذا ابتليتم يالمعاصي فاسـتتروا"، و " تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
وأردف بأنه وجـد نفسه من حيثُ لا يشعر في حالةٍ ثانيةٍ، وكأنه في عالم آخر. وبدأ تمرده يكشـف حالته الذاتية.. واضعاً تحت المجهر عيوبه وجروحه وآلالامه المباشرة أو غير المباشرة.. هذا التمزق المشحون بلغ جلَّ أفلامه فأتت ساخنة، حارة،.. مسكونة بالهواجس العنيفة نفسيا.
وقال بأن أفلامه نعتت بسينما العراء والتعرية. وبأنه كان مبتهجاً لسببين: الأول هو أن في ذلك محاربةً للرقابة في حضارةٍ عرفت ألفَ ليلةٍ وليلة. والسبب الثاني أنه فهم من التعرية تعريةَ الواقع، تعريةَ المجتمع، تعريةَ المخفيّ والمسكوتَ عنه، تعرية الجسد الذي ما هو إلا تجسيدٌ لتعريةِ المجتمع. لأن الجسد في أفلامه وسيناريوهاته مركب حامل كل الآلام والجروح والتناقضات.. والخصال بأنواعها أيضا...
وتابع بأنه تعلم أن لا ينسى، وأن السينما أداةٌ عجيبةٌ لتسجيل الذاكرة التي نحتاج إليها في كل لحظةٍ، حتى ولو كانت علاقته بهذه الذاكرة علاقةَ عنفٍ ومحاسبةٍ ومراجعةٍ وصراع، حتميةٍ قاتلةٍ تجعل منه صغيراً آخذاً من صغره شيئاً من العظمة..
ووجه التحية لمؤسسة ابن رشد قائلاً:" إني أحييكم على تكريمكم السينما والارتقاء بها. وأعتبرها مبادرة هامة إلى أقصى الحدود لأنها تمس الجماهير الواسعة لتبلغَ الفكرَ الجديدَ، الفكرَ الحرّ. شكراً وألفً شكر !"
وختم كلمته بالعودة إلى السينما وليقول بإن علينا أن نبنيَ في كل أعمالنا الروائية إحساساً جديداً، وأن نتجاوزَ البكاء على العائلةِ الأبويةِ والقيم الإقطاعيةِ البالية.. علينا أن نخلُق حياءً جديداً يؤسس لعلاقات جديدة بين الرجل والمرأة منذ الطفولة، ويعطي للجميع حقَّهم في الإحساس، والمهمّشين منهم بخاصة، حتى لا يصبح كل المجتمع مهمّشا. وهذا يتطلّب حريةَ تعبيرٍ كاملةً وشاملةً بلا حدود...

انتهى حفل تقديم الجائزة بتقديم الشاي والحلويات وبمشاركة جمهور الحضور في الحديث مع السيد نوري بوزيد .

نوري بوزيد.بطاقة
ولد النوري بوزيد سنة 1945 في مدينة " صفاقس" عاصمة جنوب الجمهورية التونسية، تابع دراسته الابتدائية والثانوية بصفاقس، تحصل على البكالوريا سنة 1966، درس السينما بالمعهد العالي لفنون السينما ببروكسل/بلجيكيا Institut National Superieur des Arts du Spectacle (INSAS) وذلك من سنة 1968 إلى سنة 1972 على إثر ذلك انجز شريط لختم الدروس (مدة الشريط 27 دقيقة) «DUEL».
اشتغل النوري بوزيد كمساعد مخرج مع ثلّة من المخرجين التونسيين والأجانب مثل المخرج "عبد اللطيف بن عمار"، "ماكس بيكاس" و " رضا الباهي" و" دافيد هيمنقس" و" ستيفن سبيلبارق" و " فيليب كلار" و "باسكال كومبانيلي".
سجن النوري بوزيد من سنة 1973 إلى غاية سنة 1979 وذلك لانتمائه إلى تنظيم «GEAST»: تجمع " آفاق" للدراسات والعمل الاشتراكي بتونس.
أسس سنة 1994 معهد سينما حيث يدرس حاليا، كما درّس السينما الإخراج والسيناريو بكلية الآداب "بمنوبة" وفي معهد السينما بـ "قمرت". في سنة 1992 حصل على وسام "الفارس" للفنون والآداب بفرنسا.

كتب نوري بوزيد سيناريو أشرطة تونسية عديدة وهي:
ليلة السنوات العشر لإبراهيم باباي سنة 1989 ( مشاركة)
حلفاوين لفريد بوغدير سنة 1989
سلطان المدينة للمنصف ذويب سنة 1990 (مشاركة في المكاتبة)
صمت القصور لمفيدة التلاتلي سنة 1992
جواز سفر لمحمد يحي سنة 1994
موسم الرجال لمفيدة التلاتلي سنة 1997
باب العرش للمختار العجيمي سنة 1999
عودة شهرزاد لمفيدة التلاتلي سنة 2000
عيون أمي لمفيدة التلاتلي سنة 2003.

إلى جانب الإخراج فقد كتب النوري بوزيد جميع سيناريوهات وحوارات أشرطته.
" ريح السد" شريط طويل سنة 1986
"صفائح ذهب"، شريط طويل سنة 1989
"وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح" وهو شريط قصير من الفيلم الجماعي "حرب الخليج وبعد" سنة 1990.
"بيزناس" شريط طويل سنة 1992
"لذّات" شريط وثائقي سنة 1994
"بنت فاميليا" شريط طويل سنة 1996
"عرائس الطين" شريط طويل سنة 2001
"آخر فيلم" شريط طويل سنة 2006.

حصل النوري بوزيد أثناء مسيرته السينمائية على جوائز هامة عديدة وقد منحته تلك الجوائز مهرجانات دولية متعددة.
كما يكتب النوري بوزيد الشعر بالعامية التونسية وقد نشرت له بعض الدواوين مثل "البحارة" والعديد من كلمات الأغاني في الأفلام.

ليست هناك تعليقات: