صلاح هاشم
مجلة مستقلة تأسست في اغسطس 2005 وتعني بفكر السينما المعاصرة EDITOR AND OWNER:SALAH HASHEM MOUSTAFA salahashem@yahoo.com
الأحد، ديسمبر 30، 2007
تامر عيسي.صور حب معكوسة
صلاح هاشم
خراطيش فرنسية.نظرة علي فيلم بقلم محمد سيد عبد الباقي
نظرة علي فيلم
خراطيش فرنسية
بقلم
محمد سيد عبد الباقي
كل واحد منا ربما يتذكر هذه اللحظة الأولى التى رأت فيها عيناه هذه الشاشة الكبيرة فى مبنى مشهور فى بلده ، ربما كان ممسكًا فى يد أبيه ، ولربما كانت يد حبيبته أو كان فى رفقة الأصحاب والرفاق .. هذه الشاشة التى لاتزل تشع كل صور الحياة بأداء فنانين وعظماء .. شاشة العرض أو السينما كما أريد أن أوجه الكلام .. نعم أوجه الكلام لك خصيصًا قبل أن أوجهه للسادة القراء ..
عزيزتى شكرًا لك فقد جددت فى الإحساس بالكون بداخلى ومن حولى .. شكرًا لك حقا لإتاحتك لنا الفرصة أن نرى الحياة من خلالك ونتعلم ونحب ، ونثور ونفرح ، ونبكى ونضحك ...
فكم من الأفلام شاهدنا ، ربما الكثير فى حياتنا .. فقد تربينا عليها ، ولطالما كان نجومها هم من علقوا فى أذهاننا فى كل مراحل عمرنا .. طفولتنا ، شبابنا ، وهرمنا .. ولكم من المشاعر توهجت عند رؤية أبطالنا وكم من دموعنا سالت عند فراقهم لدنيانا لتبقى أعمالهم ممتزجة فى دمانا..
ولكن رؤية الأبطال فى الأفلام وهم يقاتلون من أجل رسالة يحملونها ، ويجسدون الأبطال الآخرين ولا أسميهم الحقيقيون - فكل بطل فى نظرى - فهذا يستدعى قوة فى الأداء وموهبة وذكاء.. فهذا شىء مسلم به ، ولكن ما سحرنى حقًا من فترة قليلة هو انفعالى مع الفيلم الذى عرض فى مهرجان القاهرة السينمائى الحادى والثلاثون والذى استقبله المركز الفرنسى بالقاهرة فيلم (خراطيش فرنسية) درجة أننى كنت أموت عند موت ممثل كان يقاتل للدفاع عن وطنه وعن أهله وعائلته .. شرفه وعرضه .. بلده واسمه ، وكنت أحيا عند رؤية الطفل الصغير ممبتسمًا وهو يلعب الكرة مع رفاقه فى صحراء الجزائر رفاق بلدته من كل الأطفال ربما كان منهم الجزائرى والفرنسى فى آن واحد كل يلعب معرضًا ظهره عن هذه الأصوات المزعجة من رصاص وقنابل ، وكره وابتذال للذات الإنسانية .. وبعد أن حييت مرة أخرى فاجأنى المخرج بجعله بطولة الفيلم لهذا الطفل الصغير (على) الجزائرى ، ومعه أعز أصدقاء طفولته (نيكول) الفرنسى .. والذى جمعهما الحب وهذا الإحساس الذى أخاف أن يندثر.. إحساس أننا كلنا إنسان لا يفرقنا لون ولا لغة ، ولا حدود ولا عقيدة ..
وبغض النظر عن فنيات الفيلم وما يصحبه ذلك من نقد ورؤية ولجنة تحكيم إلى آخره فأنا لست بناقد ، ولكنى أريد أن أرسل هذه الرسالة إلى القراء ربما يشاركوننى رأيى .. لم يحدث لى من قبل أن أرجعتنى أحداث أى فيلم بكل تأثيراته الفنية إلى هذا الإحساس الغامض الذى افتقدناه – إحساس الطفولة – بهذه الدرحة الكبيرة ، لتنظر إلى دنياك من جديد وكأنك طفل صغير تربو على تلال الأرض العتيقة التى حملت على ظهرها غيرك من الأطفال الذين لن تعرف عددهم ، وكأن هؤلاء الناس الذين عرفتهم فى حياتك تعرفهم لأول مرة !!
وما زاد الإعجاب أكثرهو هذا الطفل (على) الذى كان يبكينا بصموده أمام الأحداث الدامية فى الجزائر بلد المليون شهيد .. ويضحكنا بمغامراته مع رفاقه .. طفل تربى على رؤية هؤلاء العسكر ، وسماع صوت رصاص رشاشاتهم وقنابل مدافعهم ودباباتهم .. وفى خضم هذه المعارك تراه يبيع الجرائد لكل الناس من العامة إلى ناظر محطة القطار إلى الغانيات فى النوادى الليلية إلى أصحاب المحلات حتى الرتبات العسكرية كان معروفًا عندهم وهو لم يزل غض صغير ..
يلف كل يوم على أهل البلدة موزعاً ما لديه من الجرائد ليكسب قوت يومه ليكفل أمه التى غاب عنها زوجها ليذهب ويبحث عنه فى أرجاء المدينة ليناديه وقت رؤيته له ملقى على أرضية الزنزانة تسيل منه الدماء جراء تعذيب قوات الاحتلال له مناديا : (بوى – بوى ) بهذه اللهجة الجزائرية ليأخذه هذا الجندى ويبكم فمه مخرجا إياه من مبنى الجيش الذى دخله موزعا جرائده حين رؤيته لأبيه .. ويا له من مشهد مروع عندما تمتزج دموع الهلع مع دموح الفرح ، هلع المنظر وفرح كون الأب لم يزل على قيد الحياة .. ويا لها من حياة !!!
يذهب إلى أمه وعلى وجهه مسحة تعجب مما رآه.. فقد طفق أن يمسك يد أبيه فى عربة الترحيلات لولا منع الجند له ، فهو لا يعلم .. أيعش أبوه أم ستناله رصاصة القوم ، وعلى أى حال فقد رآه وها هى الزوجة تستعد لاستقبال زوجها فتبلغ الجيران بالخبر السعيد !!
ولم تدم اللحظات طويلا فقد انقض الجند على بيت (على) ، ليسلبوا العرض من عقر الدار ، ويلهبوا النسل فى قلب النار ، وتدافع الأم عن ذريتها بعرض شرفها أمام أن لا تمس شعرة من حريم بيتها ويا لها من مبادلة قد عرضتها للموت ، فالجندى لا يريد إلا ما أرتأت إليه عيناه ، ومنته شهوته المبتذلة القاتلة .. إنك امرأة ليس مرغوب فيك .. لتغربى عنهم كى لا تكون جناياتان بدل واحدة .. هتك عرض وجريمة قتل !!
وتستمر المشاهد المروعة ، وتؤنسنا المشاهد الرائعة ، وفى كلتا الاثنتين ترى (على) ومعه كل الممثلين ، وكأنه محورهم اليومى والحياتى ، وكأن العلاقة بين على ونيكول لن تتأجج أبدًا ولن ينفصلان عن بعضهما مهما طالت أو قصرت مدة الاحتلال ، فالقلوب متآلفة على نغم الطفولة التى تسع العالم كله فى قلب طفل صغير
الطفل (على) ، أو أمو حمادة الذى ربما لن أتذكر اسمه غير أنه (على).. قد أخذت لبنا بأدائك العظيم ، وعيناك الصغيرتان التى تشد بلمعانها كل العقول لنفكر فى ماضينا ومستقبلنا ، وأما حاضرنا فلنحياه بالسلام ، لينمو على بذرته المستقبل المغيب .. ولكل بلد قد ذاق أهله مر العيش بسبب احتلال خارجى من قبل دولة أخرى ، أو احتلال داخلى من قبل حكومة مستبدة هاقد زال الاحتلال من الجزائر ومن صحراءها ، وإن لم يجد على صديقه نيكول فى يبته لإيابه مع أهله إلى فرنسا بعد طفولة قد ذاقوا حلوها بكرة نيكول البيضاء فها قد عادت الكرة إلى الأطفال مجددا ليلعبوا بها فى صحراء الجزائر..
ويا أهل الجزائر لكم أحببت نضالكم وعشقت سير أبطالكم ، فتحية من بلد شقيق مصر المحروسة وإلى كل طفل فى ربوع الأرض ليرحمك الله ويرحمنا بك ، ويحفظك كما حفظ على وإن كنت قد بدأت مقالتى بشكرى للسينما هذا الفن العظيم ، أريد أن أنهى بشكرين ، شكر لا أعرف لمن لعلى أم لمهدى شارف مخرج الفيلم أم للعمل كله وهو الأوقع الحقيقة ، شكرا جزيلا لكم على هذا العمل الرائع .. أما الشكر الثانى والذى لا يثنيه وجود شكرين قبليه وهو شكرى للصديق العم المصرى والباريسى الكبير الذى لفت نظرى لكل ما هو جميل فى حياتى ولا سيما السينما بكل لغاتها وأشكالها إلى ذلك الرجل الذى أكن له كل الاحترام والتقدير إليك سيدى صلاح هاشم وإلى مجلتك المخلصة للسينما سينما إيزيس ....
الجمعة، ديسمبر 28، 2007
المهرجانات السينمائية العربية في عين النقاد.سلامة عبد الحميد
اتهموها بالمظهرية والتباهي والبذخ وتجاهل المستوى الفني
نقاد وسينمائيون:
الحكومات مسئولة عن تدهور المهرجانات السينمائية العربية
الدعاية وانحياز الإعلام والصراع على النجوم والتوقيت أهم المشكلات
كتب: سلامه عبد الحميد
بينما تقاس الثقافة السينمائية للدول في العالم كله بعدد المهرجانات وقوتها وتأثيرها في الإنتاج السينمائي وجمهور السينما تبدو معظم المهرجانات العربية "مسخ" لا يمكن التعويل عليه في نمو الحركة السينمائية أو تطوير أدوات السينمائيين أو تفتيح مدارك الجمهور العربي الذي بات يتفهم شيئا فشيئا مدى تأثير السينما في حياته.
وفي حين تهتم كل دول العالم بالمهرجانات ودعمها لازال العرب يعتبرونها مجرد عروض "مظهرية" ودعائية فقط تضم نجوم الفن وحفلات السهر والرقص والشراب الباذخة التي تضم عروضا للأزياء العارية أو اتفاقات تجارية لا علاقة لها بالسينما على الإطلاق أو دعاية فجة غير مبررة لأشخاص أو أماكن أو حتى بلدان بالكامل بعيدا عن الدور الحقيقي للمهرجانات المتمثل في التقاء الثقافات والخبرات وتدعيم فن السينما نفسه.
وظهرت في المنطقة العربية مؤخرا العديد من المهرجانات بينها مهرجان الشرق الأوسط في أبو ظبي ومهرجان دبي السينمائي الدولي ومهرجان وهران للفيلم العربي ومهرجان بغداد السينمائي الدولي بينما يتم حاليا التجهيز لإطلاق مهرجانات أخرى بينها مهرجان صنعاء.
وشهدت السنوات الأخيرة حالة من التشتت والتضارب والتداخل بين المهرجانات العربية لكنها كانت أكثر وضوحا هذا العام الذي تشهد الشهور الثلاث الأخيرة منه انعقاد معظم تلك المهرجانات في تواريخ متتابعة وأحيانا متداخلة بدءا من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبوظبي الذي انطلقت فعاليات دورته الأولى مع ثاني أيام عيد الفطر الماضي، وبعد أيام من افتتاحه بدأ المهرجان الوطني التاسع للفيلم بمدينة طنجة المغربية، وفي الثاني من نوفمبر انطلقت فعاليات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان دمشق السينمائي الدولي حتي العاشر من الشهر نفسه، وفي نفس الوقت تقريبا اختتم مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية أعماله لينطلق مهرجان سينما المرأة في رام الله بالضفة الغربية في دورته الثالثة، وقبل أن ينتهي شهر نوفمبر افتتح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته الحادية والثلاثين، وقبل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بيوم واحد انطلق مهرجان مراكش السينمائي الدولي وبعد ثلاثة أيام من افتتاح مهرجان مهرجان ويومان من ختام مهرجان القاهرة افتتح في الإمارات مهرجان دبي السينمائي الدولي الرابع.
استطلعت في هذا التحقيق أراء عدد من نقاد السينما والعاملين فيها حول مستوى المهرجانات السينمائية العربية والمردود الثقافي منها وكانت البداية من استفتاء أجرته "شبكة السينما العربية" مؤخرا وانتهى إلى أن المهرجانات السينمائية العربية لا تسهم في تطوير صناعة الأفلام السينمائية العربية ولا تفتح لها أبواب أسواق جديدة خاصة في الوطن العربي نظرا لضعفها بشكل عام وعدم اهتمام القائمين عليها باتخاذ خطوات جادة في اطار التسويق أو الدعاية للأعمال العربية في الخارج أو الداخل.
وأكد 68 % من المشاركين في استفتاء الشبكة المتخصصة في تنمية الثقافة السينمائية أن المهرجانات العربية تستهدف فقط البريق الإعلامي وأضواء النجوم، ودلل المشاركون علي ذلك بالصراع الدائر بين مهرجانات القاهرة ودبي ومراكش علي النجوم العرب والأجانب دون الإهتمام بفتح الأسواق المحلية أمام السينما العربية بمختلف مدراسها وتياراتها كما لفتوا إلى أزمة التزامن بين المهرجانات الثلاث المستمرة منذ أعوام ثلاثة والتي تتجدد هذا العام رغم عقد اجتماع بين مسئولي تلك المهرجانات للتنسيق فيما بينها العام الماضي خلال انعقاد مهرجان مراكش.
في حين عبر 31 % من المشاركين عن اعتقادهم بأن المهرجانات تساهم بشكل ما في القاء الضوء علي السينما العربية بغض النظر عن عرضها في الصالات السينمائية من عدمه وإن كان التضارب بين مواعيد وفعاليات تلك المهرجانات يؤدي إلى حالة من التنافر بينها.
وقال الناقد أشرف البيومي المنسق العام "لشبكة السينما العربية" تعليقا على الإستفتاء إن أزمة ثقافية وفكرية خطيرة تسيطر على عقول منظمي المهرجانات العربية الذين لا يدرك معظمهم الدور المطلوب من تلك المهرجانات ويسعى إما لتلميع نفسه كرئيس أو منظم لمهرجان كبير شكلا وليس موضوعا أو إظهار بلده أو مدينته بشكل لا ينافسها فيه جيران لها.
وأضاف بيومي أن ما يجري حاليا من منافسة بين إماراتي دبي وأبو ظبي دليل واضح على أن اطلاق الإمارتين للمهرجانات ليس وراءه هدف سينمائي أو ثقافي وإنما الأمر يتلخص في التباهي والتأكيد على القدرة المالية والتنظيمية التي تمتلكها كل منهما دون وعي حقيقي بماهية المهرجانات السينمائية التي تحولت في أبو ظبي ودبي إلى كرنفالات وعروض أزياء دون أثر حقيقي للسينما أو الإبداع.
وأشار الناقد المصري إلى سطوة رأس المال المتحكمة في عقول منظمي المهرجانين الإماراتيين مؤكدا أن التمويل ليس العامل الأهم في نجاح أي مهرجان لكنه لم ينكر أهميته كأحد العوامل التي كانت سببا حسب قوله في قنبلة ألقاها الناقد المصري المعروف سمير فريد في الندوة الختامية لمهرجان أفلام المرأة الدولي الأول بإعلانه عدم تنظيم المهرجان في السنوات المقبلة بسبب عدم دعم أي جهة رسمية أو غير رسمية له وتكفل منظميه بالانفاق عليه من مالهم الخاص، مشيرا إلى استحالة عقد المهرجان مجددا بنفس الطريقة التي عقدت بها الدورة الاولى.
وقال الناقد المصري المقيم في لندن أمير العمري "إن المهرجانات السينمائية العربية ابتعدت عن رسالتها الأساسية في دعم السينما العربية والترويج للانتاج السينمائي العربي والمساهمة في فتح نوافذ توزيع جديدة أمامه في العالم الخارجي، واكتشاف سيناريوهات جديدة تدعمها وتساهم في انتاجها واثراء المشهد السينمائي الثقافي العربي عن طريق فتح أبواب التوزيع أمام السينما الأجنبية الجيدة وكسر احتكار الفيلم الأمريكي الردئ.
وأضاف العمري أن أحد الأسباب الرئيسية لطغيان ظاهرة تحول المهرجانات إلى الطابع السياحي الاستعراضي المظهري ما تقوم به الصحافة من "تطبيل وتزمير" لنجوم المهرجانات والتباري في نشر الغث والردئ عن المنافسة بين المهرجانات على النجوم دون المنافسة بين الأفلام على الرغم من الدعم الحكومي الباذخ لبعض تلك المهرجانات ومنها مهرجان مراكش الذي يعد أحد مهرجانات ألف ليلة وليلة وميزانيته تفوق 9 مليون دولار ويشرف عليه الملك شخصيا وتفتح أمامه خزائن المغرب والقصور الملكية.
أما مهرجان دبي السينمائي فميزانيته لا تقل عن ميزانية مراكش والدولة كلها تدعمه إلى أخر نفس وتستقدم الضيوف بعد أن تدفع لهم مبالغ فلكية وهدايا عظيمة، وكذلك يفعل مراكش، المقصود إذن قد يكون مهرجان القاهرة الذي يغدق أيضا على ضيوفه باستثناء أنه لا يقدم هدايا عينية ولا يدفع أموالا بل يكتفي برحلات في الأقصر والأهرامات والمتحف المصري وحفلات عشاء واستقبال عامرة.
وقال العمري، وهو أحد أبرز كتاب الموقع العربي لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، إن المشكلة تكمن في فكر وعقلية القائمين على تلك المهرجانات وبالتالي تضرب في عمق فلسفتها ورؤيتها للسينما والمهرجانات ما بين كونها صناعة أم تجارة أم ثقافة أم ظاهرة اعلانية أم "فهلوة وهمبكة"، وهذا الخلط هو السمة الرائجة فالأساس هو المظهرية والاحتفالية والدعاية لقدرة الدولة على الاحتفال والتظاهر واستقدام النجوم والتغزل في حب مصر أو المغرب أو سحر الامارات.
واتفق معه الناقد المصري المقيم في باريس صلاح هاشم –مندوب مهرجان الإسكندرية السينمائي في فرنسا- لكنه قدم وجهة نظر مغايرة حيث تسائل بداية "كيف نطلب من الجمهور أن يأخذ مهرجاناتنا السينمائية بجدية وهي احتفالات استعراضية للمهرجين والأراجوزات؟" مضيفا أن الدور الذي تلعبه المهرجانات السينمائية في دعم الانتاج السينمائي العربي بالنسبة له شخصيا يبدو ضروريا وغاية في الأهمية، خاصة تلك التي تهتم بالإنتاج السينمائي الجاد الذي يطرح صورة صادقة لمجتمعاتنا وحياتنا ومشاكلنا.
وأشار إلى أن المهرجانات السينمائية شاشات لاكتشاف وعرض التجارب والمحاولات الجديدة التي تقدم شيئا مغايرا لا تتاح له فرص في دور العرض التجارية التي تتحكم فيها قوانين السوق، لكن أي انتاج نعني وماهي ألياته ودوافعه ولمن يتوجه، وهل هو انتاج صاحب رسالة وتوجهات أم أنه مجرد عمليات احتيال في أغلبها تشويه لتراثنا ومجتمعاتنا فليست وظيفة المهرجانات أن تروج لذلك الهراء الذي يجري الآن تعميمه في سوق الفيلم العربي.
وأضاف أن المشكلة التي تواجه هذا النوع من المهرجانات بل وأغلب مهرجاناتنا العربية -الحكومية وغير الحكومية- هي الاصطدام بالمفهوم العامي الشائع عن السينما في بلادنا وهو كونها مجرد وسيلة للتسلية وقضاء أوقات الفراغ فحسب، حيث لم يترسخ الايمان بمفهوم السينما كسلاح ضد القهر والتخلف والظلم وانعدام مناخ الديمقراطية وحرية التعبير بعد، حتى ما كان موجودا بأشكال ما منه بدأ ينحسر مؤخرا في مواجهة معركة شرسة تشنها مفاهيم الاستهلاك الشائعة الذي توفره لجماهيرنا القنوات التلفزيونية.
وليس ذلك المفهوم السينمائي حسب قوله قاصرا على العامة فقط لكنه ممتد إلى الإدارات الثقافية في البلاد العربية التي تنظر إلى السينما علي أنها مهنة للمهرجين والأراجوزات، وإلا ماكان أساتذة كبار كالدكتور صبحي شفيق الذي يلقب بشيخ النقاد السينمائيين العرب وغيره أهملوا ولم يأخذ بأرائهم أو يستفاد من خبراتهم أو تستثمر كفاءاتهم.
والغريب في رأيه "أن هناك من يدعو للاحتفاء بتلك المهرجانات ويطالب بتمجيدها والركوع تحت أقدام أصحابها ويقول من نحن حتي نحكم عليها وليس في الامكان أبدع مما كان، لذا ستظل المهرجانات السينمائية العربية على حالها باعتبار أن أغلبها يخضع للإعلام الحكومي وتوجهاته وتنظم بواسطة الموظفين الذين تترك لهم الدولة كل المناصب.
وأوضح أنه لن تكون تلك المهرجانات التي لا يقتنع الجمهور بجدواها وأهميتها إلا مجرد حفلات تصرف عليها ميزانيات ضخمة بلا عائد سينمائي وفكري حقيقي إذ يكون الاهتمام منصبا علي الشكل والهيئة والمناظر في تلك المناسبات، أما في العمق فهذه المهرجانات لاتحقق أية فائدة تذكر إلا اللقاء بين السينمائيين علي المستوي الإنساني، وقد تدعوك إلى التعرف علي المدينة فلا تخدم إلا التوجه السياحي الذي يمكن الإشتغال عليه بوسائل أخرى لكنها لا تخدم مصلحة السينما كفن بشكل مباشر.
واختلف النجم المصري حسين فهمي الرئيس الأسبق لمهرجان القاهرة السينمائي مع الرأيين السابقين فيما يخص المظاهر الإحتفالية ودعوة النجم الكبار مؤكدا أن تلك المظاهر سمة لا يمكن أن تغيب عن المهرجانات الدولية التي تحرص جميعها على الإحتفاء بالنجوم الكبار إما باستضافتهم أو تكريمهم إلى جانب الإهتمام بالشكل المهرجاني الذي يحتم وجود مظاهر احتفالية تتمثل في الاضواء والديكورات والضيوف والفقرات الفنية والجولات السياحية والندوات الفنية والثقافية، مشيرا إلى أن المهرجانات العربية لم تخترع ذلك وإنما اقتبسته من تجارب مهرجانات السينما العالمية التي سبقتها.
ولفت فهمي إلى أن المهرجانات العربية ينقصها فقط الإهتمام بالمستوى الفني جنبا إلى جنب مع المظهرية والبذخ والحفاوة التي تسطو على جزء كبير من اهتمام منظمي تلك المهرجانات وجزء أكبر من ميزانياتها بينما يتضائل كثيرا محتوى الفعاليات الحقيقية المتمثلة في العروض والندوات والمؤتمرات التني يستتبعها نشاط إعلامي ونقدي يثري المهرجانات ويميز بينها.
وقال النجم الكبير إنه خرج من تجربته الشخصية مع مهرجان القاهرة السينمائي بيقين لا يتغير حول ضرورة فصل المهرجانات السينمائية بل وكل التظاهرات الفنية والثقافية عن المؤسسات الرسمية الحكومية وتركها للمؤسسات والجمعيات الأهلية الأقدر على تنظيمها، لكنه استدرك أن ذلك لا يمكن أن يتحقق في ظل احكام وزارات الثقافة والإعلام لسيطرتها على كل الأمور واحجام المؤسسات الإقتصادية ورجال الأعمال عن رعاية الفعاليات الثقافية والفنية مثلما يحدث في كل دول العالم.
وعلق الناقد التونسي الدكتور خالد شوكات رئيس مهرجان الفيلم العربي في روتردام قائلا: إنه لا يمكن فصل المهرجانات السينمائية في العالم العربي عن الواقع العام السائد، فإذا كان هذا الواقع مهترئا مليئا بمشاكل لا حصر لها فإن المهرجانات السينمائية لن تكون بمنأى عن تأثيراته السلبية مهما أجهد القائمون عليها أنفسهم لتقديم صورة جيدة عن أنشطتهم.
ولفت شوكات إلى دليل واضح على هذا الرأي متمثلا في العلاقات المتوترة بين المهرجانات العربية التي اعتبرها انعكاس صادق وحقيقي للعلاقات القائمة بين الدول العربية في ظل هيمنة الهيئات الرسمية على المهرجانات وعدم استقلالها عن الأجهزة البيروقراطية بما يجعلها باستمرار مناط صراعات ومماحكات ومهاترات لا صلة لها بالسينما كفن يجب أن يرتقي بالحس الإنساني ويجعله أكثر حبا وتسامحا ورقيا.
وأضاف أن هذا لا يجب أن يجعل المتابع متحاملا أو ظالما للمهرجانات العربية في المطلق، فالمطلوب الإكثار من هذه التظاهرات الثقافية ودعمها ماليا ومعنويا لا الدعوة إلى ايقافها أو التقليل من شأنها بذريعة المشاكل التي تعيشها، فخلافا لما يعتقد البعض فإن عدد المهرجانات السينمائية في العالم العربي قليل جدا قياسا بدول أخرى لا تكاد مدينة فيها تخلو من مهرجان للسينما كما هو حال فرنسا مثلا، واستطرد شوكات أن دولا عربية عديدة خالية من المهرجانات تماما ودول أخرى منها السعودية ليس بها قاعات عرض سينمائي بالأساس.
واختلف مع أراء أخرين فيما يخص التنافس بين المهرجانات السينمائية العربية وانتظام بعضها في مواعيد زمنية متماثلة أو متقاطعة معتبرا أنه لا يشكل أزمة لأن الجمهور المستهدف كبير وواسع ولا يمكن أن يكون محل تنافس، أما وسائل الإعلام العربية أو النجوم السينمائيين فيظلون عناصر مكملة وليست أساسية كما هو الحال بالنسبة للجمهور، حتى وإن سيطر بريق النجوم ظاهريا باعتبارهم وسيلة لجذب المشاهدين غير أن هذا لا يصدق دائما، وضرب مثالا بمهرجان روتردام الذي يشهد سنويا ثلاثمائة ألف زائر يحضرون العروض السينمائية والندوات رغم أنه لا يستضيف نجوما أما مهرجان القاهرة فيكاد يكون تظاهرة للنجوم بينما لا يبلغ عدد زوار القاعات عشرين ألفا.
أما بالنسبة لتشجيع الإنتاج السينمائي فقال شوكات إن المهرجانات السينمائية ليست هي المحفز الأول على الإنتاج في كل أنحاء العالم، فالسينمائيون ينتجون أولا للجمهور وليس للمناسبات على الرغم من أهميتها ففي الهند والولايات المتحدة يوجد نصف الانتاج السينمائي العالمي على الرغم من أن كلا البلدين لا يحتويان على مهرجانات هامة في حين لا يتجاوز الانتاج السينمائي الفرنسي ثلاثين فيلما روائيا طويلا بينما يوجد فيها أكثر مهرجانات العالم ذيوعا.
واتفق معه المخرج اليمني حميد عقبي مؤسس ورئيس مهرجان صنعاء السينمائي الدولي المقرر عقد أولى دوراته العام المقبل مؤكدا على ضرورة زيادة عدد المهرجانات السينمائية العربية بالنسبة لفن السينما العربي الذي لا تعرفه العديد من الدول إلا من خلال ما يعرض عليها من انتاجات أمريكية أو مصرية عبر شاشات التليفزيون بكل ما تضمه تلك الأعمال من تغريب أو قضايا مجتمعية لا تتناسب مع الواقع المحلي للدول المختلفة في ظل غياب القضايا القومية العربية عن السينما العربية.
وأضاف عقبي أن أحد أهم أزمات المجتمعات العربية القائمة التعامل مع الفن باعتباره من المحرمات رغم ما يمكن أن يقدمه للناس من خدمات ومفاهيم سياسية واجتماعية وثقافية، مشيرا إلى أن الميراث الخاص برفض الفن والفنانين تسبب في تأخر الكثير من الدول في مجال الفن بشكل عام والسينما على وجه الخصوص حيث لا تزال دول عربية بينها اليمن وعمان والإمارات والكويت وغيرها تحبو في هذا الدرب محاولة اللحاق بدول أخرى سبقتهم أبرزها مصر وسوريا ودول المغرب العربي.
واعتبر المخرج اليمني السينمائيين العرب مسئولين عن تطوير قدرات أشقائهم في الدول العربية ومساعدتهم على صنع السينما الخاصة بهم واطلاق مهرجانات على أرضهم بعد أن استفادو طويلا منهم كمشاهدين منحوا أعمالهم النجاح وحققوا لها الإيرادات دون أن يطالبوا بحقهم المشروع في ضرورة نقل تقنيات السينما إليهم ودون أن يلتفت الأخرون إلى أهمية التنافس في تحقيق نهضة فنية وثقافية عربية مرجوة.
بينما يؤكد الناقد السوري المقيم في باريس صلاح سرميني مبرمج مسابقة أفلام من الإمارات على تعدد أهداف المهرجانات السينمائية ما بين أهداف سينمائية وسياحية واقتصادية وترويجية من خلال العروض المكثفة والندوات واللقاءات والمؤتمرات والكتيبات والنشرات والجولات السياحية والسهرات والأجواء الاحتفالية باعتبارها قواسم مشتركة لكل مهرجان يطمح بأن يكون علامة فارقة في خريطة المهرجانات السينمائية وواجهة رسمية يطل من خلالها على السينمات الأخرى ويحتفي بإنتاجه المحلي.
ويضيف أن المهرجانات فرصة سنوية ينهل منها العاشق للسينما ما يشاء من الأفلام ويجد المتفرج الفضولي ما يبحث عنه ويحفز الآخرين على المشاهدة في صالات العروض السينمائية التي هجرها لحساب شاشات التلفزيون، مشيرا إلى أنه في أنحاء العالم لكل بلد مهرجانها الأكبر الذي تعتز به وتفتخر ومن الطبيعي أن تتوجه الأنظار نحو المهرجانات الكبرى بالذات بينما تدور الأخرى الأقل حجما في فلكها دون أن تصبح هامشية باعتبارها كلها تتفق في أهداف مشتركة منها تقديم الإنتاج السينمائي الأفضل والتعريف بسينمات مجهولة والكشف عن مواهب سينمائية واعدة ونشر الثقافة السينمائية وجذب الجمهور إلى الصالات.
ويشير سرميني إلى أن فرنسا وحدها تضم 500 مهرجان صغير ومتوسط وكبير عام ومتخصص وكل واحد منها يختلف عن الآخر في طبيعته وتوجهاته بينما دولة مثل مصر بريادتها وإنتاجها السينمائي الحافل وتأثيرها على سينمات الدول العربية الأخرى ينعقد على أرضها عدد قليل من المهرجانات السينمائية مقارنة بدورها ورغم ذلك لا تسلم تلك المهرجانات من الانتقادات اللاذعة التي تطالب بتقليلها أو وقفها أو توجيه المال الذي ينفق عليها لمجالات أخرى.
ويرى الناقد السوري أن الأكثر أهمية من هذا تلك التصريحات الإعلامية لبعض المسؤولين عن المهرجانات العربية نفسها, إذ يعتقد البعض منهم أحقية بلده في الحصول على كل الامتيازات, وهذا ما حدث قبل وبعد انعقاد الدورة الأولى لمهرجان دبي السينمائي عندما تقاطعت وتجاورت أيامه مع مهرجانين آخرين هما القاهرة ومراكش ونال بعض الفنانين المصريين الذين تركوا القاهرة وتوجهوا نحو دبي الكثير من الأقاويل والإشاعات والاتهامات التي وصلت حد الخيانة بحيث اختلط المعنى ما بين خيانة المهرجان والوطن.
الخميس، ديسمبر 27، 2007
تعقيب من محمد رضا علي رسالة العمري
تعقيبا علي رسالة امير العمري التي نشرتها ايزيس، ويقول محمد رضا في كلمته
كلمة الزميل أمير العمري التي بعث بها الى مدوّنة صلاح هاشم ونشرت عليه حول "الناقد السينمائي الكبير" تستحق الثناء. لقد وقف -أخيراً- واحد من أهل المهنة للتصدّي الى حالة من الفساد الثقافي العاصف. وهو إن لم يشأ الكشف عن إسمه فأن أسمه معروف لدى كل من يتابع الناقد الذي يكتب فيه الزميل "يكثر من إمتداح شيوخ الخليج لعلّهم يلقون له بلقمة" وكيف انتقل من :مؤسس لجنة مقاومة السينما الصهيونية ليصبح "صهيونياً ومدّاحاً لإسرائيل كما هو مدّاحاً للسلطة الفاسدة" حسبما كتب الزميل٠
أي ناقد يتحوّل من حب السينما والدعوة الى منهجها الثقافي والفني ليوظّف مهنته وإسمه في كتابات يستجدي فيها المصالح الماديّة يستحق أن يُواجه بالنقد بدوره. أما إعجاب الناقد بإسرائيل وديمقراطية إسرائيل والثقافة اليهودية فهو يدخل في صلب العمل لصالح تلك الجهة- أراد ذلك او لم يرد. الناقد الذي يجد في الدولة الإسرائيلية التي أقيمت على أرض مصادرة ولا تزال تقضم الأراضي وتقتلع الأشجار وتهدم البيوت وتقتل من تريد ، لا يرى الا بربع عين واحدة. ذلك الذي تعجبه ديمقراطية إسرائيل ويدعو للتماثل بها متناسياً أنها دولة عنصرية رقم واحد حسب المؤسسات السياسية والإجتماعية الغربية المحايدة إنما يضع نفسه في الجهة الخطأ ، ويعاين الأمور حسب أجندته الخاصة التي لن تجد بين النقاد والمثقفين العرب الا حفنة من المؤيّدين. كل ذلك لأجل؟ لاا أدري حقّاً. الزميل أمير العمري يربط ثناءاته ومدحه للسُلطة بحب ذلك الكاتب للمال والمركز. لقد قرأت له مدحاً في الطاقم الرئاسي والوزاري ومدحاً في إسرائيل- كل هذا ومصر والعالم العربي ينزف للجرح الفلسطيني الذي يحدثه أصدقاء "الناقد الكبير"٠
الثلاثاء، ديسمبر 18، 2007
رسالة من امير العمري
Amir Emary
السبت، ديسمبر 15، 2007
ايزنشتاين.سينما تتحدث ثورة بقلم محمود الغيطاني
سيرجي أيزنشتاين...سينما تتحدث ثورة
بقلم محمود الغيطاني
في العام 1925 خرج علينا المخرج الروسي "سيرجي أيزنشتاين"- أبو فن المونتاج السينمائي- بفيلمه الثوري، الأكثر شهرة في تاريخ السينما العالمية "المدرعة بوتمكين"، ولعل هذا الفيلم- بالرغم من أهميته القصوى ومكانته في تاريخ السينما العالمية- يكاد يكون- إن لم يكن الوحيد في ذلك- من أكثر الأفلام على الإطلاق منعا ومصادرة وتقطيعا لأوصاله في الكثير من دول العالم؛ نتيجة لحسه الثوري العالي الذي يحاول الإعلاء من قيمة الثورة المجردة، وحق الإنسان فيها ضد الظلم وسلب الحقوق، هذا فضلا عن تمجيده الكبير لثورة تشرين العظمى- الثورة الشيوعية البلشفية بقيادة فلاديمير لينين-، ولذلك (ضربت ألمانيا، جمهورية "فايمر" الرقم القياسي في فحص الفيلم، فقد ظل على طاولة الرقيب بين المنع والإجازة 8 أشهر، من آيار وحتى تشرين الأول عام 1926 ، وحتى حين عرض أخيرا اضطرت اللجنة إلى الانعقاد بسببه ثلاث مرات وأصدرت تعليمات بمنع الشباب من حضور العرض لأن مضمونه "ذو تأثير سيئ على عقولهم"، كما عرض الفيلم في فرنسا لأول مرة في 18 تشرين الثاني 1926 بباريس في قاعة أجّرتها بالمناسبة- ولعرض واحد بعد الظهر- جماعة "نادي السينما" ثم انتقل العرض في قاعات عديدة بفضل جماعة "أصدقاء سبارتكوس" التي نظمت عروضا خاصة، وقد دفعت هذه الجماعة ثمن حماسها، فقد صدر أمر قضائي عام 1928 بحل الجماعة وحظر نشاطها، وهكذا واجه الفيلم أخيرا مقاطعة كاملة في فرنسا من بينها قاعات العرض التقليدية، ولم يرفع الحظر عن "المدرعة بوتمكين" إلا في عام 1953 قبل عشر سنوات من السماح بعرضه على الجمهور العام في اليابان وسبع سنوات من ذلك في ايطاليا)1 ، ولعل مثل هذه الأمور جميعا تجعلنا نتساءل مندهشين، لم يتم فعل كل هذا القطع والمنع والمصادرة في حق فيلم لم يقدم سوى ثورة لمجموعة من البحارة على سطح إحدى السفن الحربية نتيجة سوء أحوالهم المعيشية والقهر الذي يواجهونه من قبل ضباط هذه السفينة؟
علّ الإجابة على مثل هذا التساؤل لا يمكن إدراكها إلا إذا عرفنا ظروف صناعة هذا الفيلم، والظروف التاريخية التي أحاطت به، يذكر أنه في عام 1905 قامت ثورة بسيطة- ولعلها كانت النواة الأولى لإشعال ثورة تشرين العظمى على القيصر في 1917 – كان روادها من العمال الذين ثاروا على ظلم الحكم القيصري وعدم إعطاء العمال كامل حقوقهم، وان كان السبب الرئيس لقيام تلك الثورة هو فصل عاملين من العمال فصلا تعسفيا مما أدى إلى إضراب بقية العمال مؤازرة لزميليهم، ولكن بعد شهر من الإضراب ومحاولة العمال التوجه إلى قصر القيصر "نيكولاس" كي يعرضون عليه مطالبهم- لاسيما وأنهم كانوا يظنون به دائما خيرا باعتباره الأب العطوف- فوجئوا بالجنود القوزاق يطلقون عليهم النيران ليقع منهم ألف قتيل وألفين من الجرحى مما أدى بهم إلى الثورة على القيصر نفسه وإقامة المتاريس والمطالبة بحقوقهم من خلال تلك الثورة، ولكن بدون استخدام القوة والسلاح؛ مما أدى في نهاية الأمر إلى القضاء عليهم جميعا من قبل الجنود القوزاق، ولعل هذه الثورة الهامة والعادلة للمطالبة بالحقوق كانت من أهم الثورات في روسيا والتي مهدت الطريق بحق لقيام ثورة تشرين العظمى 1917 ، ولعلها أيضا أفادت البلاشفة أيما إفادة بأن أعطتهم درسا هاما مفاده، أن الثورة والمطالبة بالحقوق لا يمكن أن يكون بالطريق السلمي؛ بل لابد من استخدام القوة لانتزاع الحقوق، ولذلك نقرأ هذه الجملة المنسوبة للينين في بداية فيلم "المدرعة بوتمكين"( الثورة هي الحرب، من كل الحروب المعروفة في التاريخ هي الوحيدة القانونية والشرعية والعادلة والعظيمة بحق... في روسيا أعلنت هذه الحرب وابتدأت).
أظن أنه حينما قامت ثورة 1905 لم يكن روادها من العمال المعدمين يعرفون أن هناك من سيخلد فعلهم الثوري بعد عشرين عاما من قيامها، بل وسيقلب الأمور والحقائق كي يجعل من الفشل الذريع- الذي لاقته تلك الثورة- نجاحا ساحقا منقطع النظير؛ كي يحاول دائما بث روح الثورة داخل نفوس مشاهديه، بل ولإيمانه الشديد وولاءه العميق لثورة تشرين العظمى التي نراه يقول عنها (أعطتني الثورة أثمن شيء في حياتي، لقد جعلت مني فنانا، ولو لم تقم الثورة لما كان من المفروض أن أحطم تقاليد الأسرة على الإطلاق، إذ كان من المفروض أن أصير مهندسا)، ولذلك وبهذه الروح الثائرة داخل "سيرجي أيزنشتاين" كان انطلاقه واهتمامه الأساسي حينما صنع فيلمه "المدرعة بوتمكين" 1925 منصبا على الحدث الفعلي والواقعي لثورة 1905 ؛ كي يستطيع من خلاله تمجيد تلك الروح الثورية، وبث روح الثورة داخل فيلمه ومن ثم نفوس مشاهديه- لا يستطيع أحد إنكار أن هذا الفيلم قد أثار داخل العديد من المشاهدين في جميع أنحاء العالم الرغبة المكبوتة في الثورة- ولقد كان من هؤلاء المشاهدين الكثير من مثقفي أوروبا الذين سارعوا بالانضمام إلى الحزب الشيوعي بعد مشاهدتهم لهذا الفيلم، بل لقد ظن الكثيرون من المشاهدين أن الفيلم فيه الكثير من التسجيلية محاولين في ذلك إخراجه من روائيته- ربما نتيجة صدقه وأمانته في التصوير وتقديم الكثير من الحقائق- حتى أننا رأينا المنتج البريطاني "جون جيرسون" وهو من أشهر منتجي الأفلام التسجيلية يقول (إن حركة الأفلام التسجيلية البريطانية ولدت من آخر بكرة لبوتمكين)، ولعل هذا الصدق وهذا التأثير قد ظل ممتدا حتى يومنا هذا لكل من يشاهد الفيلم، ولعلّي لا أستطيع نسيان اليوم الذي شاهدت فيه فيلم untouchables للمخرج "برايان دي بالما" حينما شاهدت مشهد سقوط عربة الطفل داخل محطة القطارات على الدرج، أذكر الآن أني يومها تجمدت أمام الشاشة ليرد أمام ذاكرتي نفس المشهد الذي صنعه "سيرجي أيزنشتاين" في فيلمه "المدرعة بوتمكين" وهو مشهد مذبحة سلالم الأوديسا حينما خرج جميع أهل الأوديسا لتحية البحارة الثائرين على ظهر المدرعة التي نحت باتجاه الشاطئ، والذين تخلصوا من ضباطهم الظالمين، لينهال عليهم الرصاص فجأة من الخلف نتيجة تلقي الجنود القوزاق أمرا بتفريقهم وإطلاق الرصاص عليهم، فنرى لقطة لامرأة شابة تضم يديها إلى صدرها والدم ينزف بغزارة عليها، ثم لقطة لعربة بها طفل رضيع تندفع بسرعة فوق درجات السلم، لعل هذه اللقطة البارعة كان لها من التأثير على العديد من المشاهدين حتى لقد تأثر بها "برايان دي بالما" بعد كل هذه السنوات.
ولعل ثورية "سيرجي أيزنشتاين" تبدو واضحة جلية منذ أول فيلم روائي طويل قام بتقديمه عام 1925 وهو فيلم "إضراب"، وبالرغم من كونه كان متأثرا كثيرا- من الناحية الفنية- بما قدمته المدرسة التعبيرية الألمانية في السينما، إلا أنه يكاد أن يكون الإرهاصات الأولى والمقدمة التي تنحى نحو صناعة فيلم "المدرعة بوتمكين"، حيث يتحدث الفيلم حول القمع العنيف الذي لاقاه إضراب عمال أحد المصانع عام 1912 ، ولعل هذا ما نحا بسينما "أيزنشتاين" بقوة تجاه التسجيلية، كما لاقى هذا الفيلم الكثير من الاهتمام خاصة من صنّاع الثورة وقائدها، كما نراه يقدم فيلمه "أكتوبر" 1928 الذي يتناول فيه المراحل الأولى من ثورة تشرين 1917 والاحتفاء بالعشرة أيام الأولى من هذه الثورة، ولكن بالرغم من سلامة نيته وإخلاصه الشديد للثورة نرى أن الثورة في المقابل لم ترض عن هذا الفيلم بالقدر الكافي؛ لأنه من وجهة نظرها لم يكن فيلما دعائيا بالقدر الذي أرادته، بمعنى أن فن السينما لابد أن يكون فنا شعبيا يفهمه الجميع أكثر من كونه فنا له قواعده المنهجية الخاصة، كذلك نرى تلك الروح الثورية الوثابة في جميع أفلام "سيرجي أيزنشتاين" الثائر دوما، فقدم لنا "خط الجنرال"، كذلك فيلم "أليكسندر نيفسكي" 1938 ، "ايفان الرهيب" 1941 ، وغيره من الأفلام التي كانت تنطلق دوما من تلك الساحرة- ثورة تشرين العظمى- كي تصب منتهية إليها في نهاية الأمر.
ولكن السؤال الهام الذي لابد من طرحه حين تأملنا لسينما "أيزنشتاين" هو، من الذي أفاد الآخر، ومن كان أكثر إخلاصا للآخر؟ "سيرجي أيزنشتاين" أم الثورة؟
علّ الإجابة على هذا السؤال تكمن في أن "سيرجي أيزنشتاين" بإخلاصه الشديد وإيمانه العميق بمبادئ ثورة تشرين العظمى 1917 ، بل ومن خلال تاريخه السينمائي كله الذي لا يتحدث سوى ثورة منذ أول فيلم له حتى نهايته، نقول أن هذا المخرج هو الذي أفاد الثورة أيما إفادة بسينماه التي تضج ثورة والتي خلدت ثورة البلاشفة في الأذهان حتى اليوم، بل وكان هو الأكثر إخلاصا لها على الإطلاق.
عن جريدة الأهالي العدد 1349
بتاريخ24أكتوبر 2007
1 أنظر المتابعة التي كتبها الناقد "جودت جالي" في جريدة المدى العراقية بعنوان "بعد الثورة بمئة عام وبعد الفيلم بثمانين عاما(المدرعة بوتمكين)"، ولكننا لم نستطع التوصل إلى تاريخ النشر أو رقم العدد الذي صدرت فيه الجريدة.
الثلاثاء، ديسمبر 11، 2007
مهرجان القاهرة 31 يوزع جوائزه
القاهرة.سينما ايزيس
ومنحت جائزة الهرم الفضي لمخرج الفيلم الباكستاني "بسم الله" شهيب منصور المخرج التلفزيوني الذي يخوض للمرة الأولى تجربة الإخراج السينمائي. وفازت بجائزة أفضل ممثلة مناصفة الروسية تتيانا لتوفا عن دورها في فيلم "رؤية كاملة" لفاليري بندكوفسكي والمكسيكية مارينا ماجرو سوتو عن دورها في فيلم "أوبرا". وقد فاز مخرج "أوبرا" خوان باتريشيو ريفرول بجائزة نجيب محفوظ لأفضل عمل أول، إضافة إلى جائزة الاتحاد الدولي للنقاد. وفاز بجائزة أفضل سيناريو الفيلم الهولندي "ضربات" للمؤلف ألبرت تير هيردت وهو مخرج الفيلم أيضا فيما فاز الفيلم التركي "في انتظار الجنة" لدرويش زايم بجائزة أفضل إبداع فني، كما منحت اللجنة شهادة تقدير خاصة للممثل الأميركي ماثيو بيرد عن دوره في فيلم "متى رأيت والدك آخر مرة". فاز الفيلم المغربي (في انتظار بازوليني) لداود أولاد سياد بجائزة مسابقة الافلام العربية التي تنافس فيها 13 فيلما من الجزائر والمغرب ولبنان وسوريا ومصر وتبلغ قيمتها 100 ألف جنيه مصري (نحو 18000 دولار). ومنحت لجنة التحكيم شهادتي تقدير لفليمي (سكر بنات) للبنانية نادين لبكي و (ألوان السما السبعة) للمصري سعد هنداوي. وتنافس 12 فيلما من المغرب وأرمينيا وألمانيا وكولومبيا وايطاليا واليابان والصين وسنغافورة وبريطانيا والولايات المتحدة في مسابقة أفلام الديجيتال الخاصة بالافلام المصورة بالاسلوب الرقمي حيث فاز بالجائزة الاولى وقدرها عشرة الاف دولار الفيلم الصيني (الفراشة الصغيرة) وفي المسابقة نفسها نال الفيلم البريطاني (الرجل الانجليزي) الجائزة الثانية وقدرها ستة الاف دولار
الخميس، ديسمبر 06، 2007
نوري بوزيد يحصل علي جائزة ابن رشد
افتتح أيمن مبارك عضو الهيئة الادراية لمؤسسة ابن رشد للفكر الحر حفل تكريم الأستاذ نوري بوزيد بشكر الجميع على حضورهم. وقدم كلمة الترحيب لمؤسسة ابن رشد للفكر الحر تلتها السيدة د. عبير بشناق (بالألمانية) والسيد سامي ابراهيم (بالعربية). عبرت مؤسسة ابن رشد في كلمتها عن فخرها بنيل المبدع التونسي نوري بوزيد لجائزتها هذا العام. ووجهت الشكر للمخرج والمنتج الألماني فريدر شلايش لتلبيته دعوة المؤسسة لتكريم الفائز.وكذلك وجهت التحية لأعضاء لجنة تحكيم جائزة هذا العام التي تألفت من السيدة ماجدة واصف (من مصر) مديرة قسم السينما بمعهد العالم العربي بباريس، الصحافي والناقد السينمائي نديم جرجورة (من لبنان)، الناقد والمؤرخ السينمائي سمير فريد مستشار مكتبة الإسكندرية للسينما (من مصر)، الدكتور خميس الخياطي باحث وناقد ومعد برامج أفلام وثائقية (من تونس) وكذلك الصحافي والناقد السينمائي الفلسطيني بشار ابراهيم (من سوريا) . ونوهت إلى وصول 32 ترشيحاً لجائزة هذا العام . هنأت المؤسسة نوري بوزيد على صلابته وعناده في إيصال أفكاره طوال كل هذه السنوات ، وفي الأخير شكرت المؤسسة كل من تعاون وحضر حفل تسليم الجائزة.
أفتتح المخرج والمنتج الألماني فريدر شلايشFieder Schlaich كلمته بأنه لم يكن قد سمع عن جائزة ابن رشد قبل الاتصال به ونوه أن حرية الفكر بالنسبة له تعتبر من البديهيات ولكن تكلفتها غالية تكلف الحياة في أماكن مختلفة من العالم . وعبر عن فرحته بنيل بوزيد للجائزة وكذلك بحضور بوزيد شخصياً لمواكبه العرض الأول لفيلمه (آخر فيلم) الأحد في برلين.
قدم ِشلايش لمحة عن حياة نوري بوزيد وعن أفلامه التي في مضمونها تنتقد الأنظمة الأبوية أو السجن السياسي أو الدعارة أو حرب الخليج أو تشغيل الأطفال وأعتبر بأن نوري بوزيد لم يخضع مواضيعه لأي استغلال ، يتعامل ويعمل دائماً بحب استطلاع وبأنها تشغله سنوات عديدة ليخلص في النهاية لإخراجها للنور بعد أن يغوص عميقاً بنفسية شخصياته، يتحدى ويستفز نفسه وجمهوره. استعرض شلايش الصعوبات المادية وحال الحصار التي تتعرض لها الأفلام القيمة وقدم للمعيقات التي واجهت فيلم (آخر فيلم) إن من خلال وقف تمويله أو بمنعه من العرض وانتقد عدم عرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي (البرليناله ) واعتبر أن الحفاظ على النجاح يحتاج بدون شك إلى روح كفاحية مميزة وهذا ما يتميز به نوري بوزيد والذي لا يختبئ خلف أعماله ولكنه يُظهر لنا نواقص مجتمعاتنا في كل فيلم يُخرجه. وقال بأن بوزيد لم يكلّ أبداً ولم يسقط في إغراء إنتاج أفلام تصور الشرق على أنه العالم الجميل الغريب exotique وتعدُ بالتسويق الرائج. أعتبر شلايش أن بوزيد يُعد بالتزامه السينمائي الجاد والحازم من كبار مخرجي الأفلام العالميين ويمشي في خطى من يُعتبرون المثل الأعلى مثل Pasolini بازوليني، جودارد Godard وشاهين.
وأضاف شلايش بأن جائزة ابن رشد هي جائزة للفكر الحر ولكن السؤال الذي يراوده إلى أين يمكن أن تقودنا حريتنا في ألمانيا وفي أوروبا ، عندما لا يكون هناك مجال لعرض أفلام مميزة مثل " الفيلم الأخير"Making of على شاشات التلفاز العامة أو عندما يمنع عرض فيلم سياسي في مهرجان سينمائي بادعاء أن هذا فيلم تقليدي في بنيته!
وشدد على ضرورة أن يتحمل كل واحد منا ويعير انتباهاً أكثر للمضامين على أن يكون ذلك مصحوباً بالفضول القادر على قراءة ما بين السطور. إن تبادل الخبرة بين مخرجي الأفلام العرب والألمان يجب أن يكون أوثق. وهذا لا يحدث عن طريق الكلمات الرنانة إنما عن طريق المساعدات المالية التي تدعم الإنتاج وهنا أعتبر شلايش أن الدور الذي يقوم به المركز البروتستنتي لإنتاج أفلام الدول النامية Evangelisches Zentrum für entwicklungsbezogene Filmarbeit) - وصاحبها برند فولبرت Bernd Wolpert - يعتبر استثناء كبيراً حيث دعم حتى الآن ثلاثة أفلام لنوري بوزيد.
ختم شلايش كلمته بقوله "قبل عشرين سنة بالضبط سؤل بوزيد في مقابلة صحفية لماذا يُنتج الأفلام؟ فأجاب "إن السينما تسمح لي بوضع مرآة أمام أعين المجتمع ببطء وحذر حتى يتعرّف على وجهه الحقيقي. وفي التعرّف على صورتنا الحقيقية نعترف بهزائمنا". إنني أشكر باسمي وباسم هذا الحضور نوري بوزيد لمحافظته على هذا الموقف الملتزم والصارم."
أستهل نوري بوزيد كلمته بقوله أنه خلال أكثر من عشرين سـنة بذل قصارى جهده لكي يقترب من الشخصيات التي يرسمها .. وذهب به الحال إلى الالتجاء إلى عالم داخلي واختيار العزلة لكي يلتقي بهم ويسـكن داخلهم ... وأردف بأنه أصبح واحداً منهم وأصبحوا جزءاً منه وبأنه كان يتوقع دون عناء إن مصيره سـيكون شبيهاً بمصيرهم الذي رسـمه .. "مصير شخصياتي هو الفشل والانهيار والهزيمة لأنها لا تملك لها سـوى تمردها الخفي وانطلاقتها نحو المجهول التي تفوق جهودها .... ومكافأتها الوحيـدة هي وعيها بالجرح ، بالداء... وتعلمها المعاناة والصراع ... فهي لم يكن لها الحظ أن تتوج بل هي منسية، مهمشة.. تخومية في غالب الأحيان ، تهز بهـدوء أو بثورة ما يحيط بها من توازن غير مستقر وترفض بشكل غريزي نظام الأشياء من حولها حتى تجد راحتها في تقويضه. وأعتبر بوزيد بأنه "خلافا لكل شـخوصي ها أنذا أُتوَّج." وتابع بوزيد ليقول أن مرآته تعكس وتعاكس.. وكأن صورها غير لائقة، غير مشرفة. التشبه بها مضنٍ متعبٌ، مؤلمٌ، غير مريح.. لم نتعود أن نفتخر به، بل نتنكر له وننكره.. ولا أحـد ينكر تعدد الهزائم التي عاشها جيله وتعددَ المآسي الجماعية، من فلسطين للبنان، للجزائر، للسودان، للعراق...
"كنت ممن عاشوا شبابهم في هزيمة حزيران/يونيه 67 بألم لا مثيل له، قهر كاد يرمي بي في فراغ بلا قرار. إذ أفقنا أيتاماً خائبين مخدوعين، قاصرين، وغير قادرين على العيش تحت سلطة الأب ولا دونه.. صبيةً جاهلين النضج، رجالاً من رماد حرقوا قرباناً على عتبة الصمت القاتل،... انتحاريين قبل الأوان، فاقدين كل ارتباط أميين.."
وتابع بأنه مر وهو في غَمرة تمردِ المراهقة.بتجربةٍ عميقة علمته ما لا يمكن أن يتعلمه دونها:أكثرَ من 5 سنواتٍ سجناً من أجل حرية الفكر.. تعلم أثناءها الكلام بحرية.. تعلم تدنيس المقدسات بكل أنواعها.. وبسرعةٍ مذهلة. وجد نفسه يؤسس عالماً داخلياً خاصاً وشخصياً كملجأ وحيد ليتفرغ فيه لبناء شخصياته الخيالية، حاملةً هموماً صعبة التأسيس وسهلةَ التشخيص. ومنذ ذلك الحين لم يقدر على التخلص من هذا العالم الداخلي، وأصبح يسخر له وقتاً طويلاً على حساب أشياء أخرى.
واستطرد بأنه كان علية أن يخلقَ حياءً جديداً في إحساس مرهف حتى يتمكن من الحديث عن كل شيء، عن أشياء لم نعتد الحديث عنها.. كيف يحكي في 85 عن اغتصاب الأطفال، إذا لم يتمكن من تحقيق قطيعة معرفية مستهزئاً في تمكنه من قلب القيم المعمول بها، محارباً البنية العائلية الأبوية، مستهزئاً بالرجولة،.. رافضاً العصبيةَ الجهوية،.. مدعياً المحبةَ اللامحدودةَ للمنهزمين، المنسيينَ،.. المسكوتَ عنهم.. وحدد قائلاً "كنت نقيضَ المقولات "استر ما ستر لله"، و"إذا ابتليتم يالمعاصي فاسـتتروا"، و " تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
وأردف بأنه وجـد نفسه من حيثُ لا يشعر في حالةٍ ثانيةٍ، وكأنه في عالم آخر. وبدأ تمرده يكشـف حالته الذاتية.. واضعاً تحت المجهر عيوبه وجروحه وآلالامه المباشرة أو غير المباشرة.. هذا التمزق المشحون بلغ جلَّ أفلامه فأتت ساخنة، حارة،.. مسكونة بالهواجس العنيفة نفسيا.
وقال بأن أفلامه نعتت بسينما العراء والتعرية. وبأنه كان مبتهجاً لسببين: الأول هو أن في ذلك محاربةً للرقابة في حضارةٍ عرفت ألفَ ليلةٍ وليلة. والسبب الثاني أنه فهم من التعرية تعريةَ الواقع، تعريةَ المجتمع، تعريةَ المخفيّ والمسكوتَ عنه، تعرية الجسد الذي ما هو إلا تجسيدٌ لتعريةِ المجتمع. لأن الجسد في أفلامه وسيناريوهاته مركب حامل كل الآلام والجروح والتناقضات.. والخصال بأنواعها أيضا...
وتابع بأنه تعلم أن لا ينسى، وأن السينما أداةٌ عجيبةٌ لتسجيل الذاكرة التي نحتاج إليها في كل لحظةٍ، حتى ولو كانت علاقته بهذه الذاكرة علاقةَ عنفٍ ومحاسبةٍ ومراجعةٍ وصراع، حتميةٍ قاتلةٍ تجعل منه صغيراً آخذاً من صغره شيئاً من العظمة..
ووجه التحية لمؤسسة ابن رشد قائلاً:" إني أحييكم على تكريمكم السينما والارتقاء بها. وأعتبرها مبادرة هامة إلى أقصى الحدود لأنها تمس الجماهير الواسعة لتبلغَ الفكرَ الجديدَ، الفكرَ الحرّ. شكراً وألفً شكر !"
وختم كلمته بالعودة إلى السينما وليقول بإن علينا أن نبنيَ في كل أعمالنا الروائية إحساساً جديداً، وأن نتجاوزَ البكاء على العائلةِ الأبويةِ والقيم الإقطاعيةِ البالية.. علينا أن نخلُق حياءً جديداً يؤسس لعلاقات جديدة بين الرجل والمرأة منذ الطفولة، ويعطي للجميع حقَّهم في الإحساس، والمهمّشين منهم بخاصة، حتى لا يصبح كل المجتمع مهمّشا. وهذا يتطلّب حريةَ تعبيرٍ كاملةً وشاملةً بلا حدود...
انتهى حفل تقديم الجائزة بتقديم الشاي والحلويات وبمشاركة جمهور الحضور في الحديث مع السيد نوري بوزيد .
نوري بوزيد.بطاقة
ولد النوري بوزيد سنة 1945 في مدينة " صفاقس" عاصمة جنوب الجمهورية التونسية، تابع دراسته الابتدائية والثانوية بصفاقس، تحصل على البكالوريا سنة 1966، درس السينما بالمعهد العالي لفنون السينما ببروكسل/بلجيكيا Institut National Superieur des Arts du Spectacle (INSAS) وذلك من سنة 1968 إلى سنة 1972 على إثر ذلك انجز شريط لختم الدروس (مدة الشريط 27 دقيقة) «DUEL».
اشتغل النوري بوزيد كمساعد مخرج مع ثلّة من المخرجين التونسيين والأجانب مثل المخرج "عبد اللطيف بن عمار"، "ماكس بيكاس" و " رضا الباهي" و" دافيد هيمنقس" و" ستيفن سبيلبارق" و " فيليب كلار" و "باسكال كومبانيلي".
سجن النوري بوزيد من سنة 1973 إلى غاية سنة 1979 وذلك لانتمائه إلى تنظيم «GEAST»: تجمع " آفاق" للدراسات والعمل الاشتراكي بتونس.
أسس سنة 1994 معهد سينما حيث يدرس حاليا، كما درّس السينما الإخراج والسيناريو بكلية الآداب "بمنوبة" وفي معهد السينما بـ "قمرت". في سنة 1992 حصل على وسام "الفارس" للفنون والآداب بفرنسا.
كتب نوري بوزيد سيناريو أشرطة تونسية عديدة وهي:
ليلة السنوات العشر لإبراهيم باباي سنة 1989 ( مشاركة)
حلفاوين لفريد بوغدير سنة 1989
سلطان المدينة للمنصف ذويب سنة 1990 (مشاركة في المكاتبة)
صمت القصور لمفيدة التلاتلي سنة 1992
جواز سفر لمحمد يحي سنة 1994
موسم الرجال لمفيدة التلاتلي سنة 1997
باب العرش للمختار العجيمي سنة 1999
عودة شهرزاد لمفيدة التلاتلي سنة 2000
عيون أمي لمفيدة التلاتلي سنة 2003.
إلى جانب الإخراج فقد كتب النوري بوزيد جميع سيناريوهات وحوارات أشرطته.
" ريح السد" شريط طويل سنة 1986
"صفائح ذهب"، شريط طويل سنة 1989
"وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح" وهو شريط قصير من الفيلم الجماعي "حرب الخليج وبعد" سنة 1990.
"بيزناس" شريط طويل سنة 1992
"لذّات" شريط وثائقي سنة 1994
"بنت فاميليا" شريط طويل سنة 1996
"عرائس الطين" شريط طويل سنة 2001
"آخر فيلم" شريط طويل سنة 2006.
حصل النوري بوزيد أثناء مسيرته السينمائية على جوائز هامة عديدة وقد منحته تلك الجوائز مهرجانات دولية متعددة.
كما يكتب النوري بوزيد الشعر بالعامية التونسية وقد نشرت له بعض الدواوين مثل "البحارة" والعديد من كلمات الأغاني في الأفلام.