الأربعاء، نوفمبر 07، 2007

لبنان تحت القصف في مونبلييه 29.صلاح هاشم

ندي ابو فرحات في دور زينة أم كريم التي تبحث في لبنان "تحت القصف" عن ابنها



جورج خبار في دور سائق التاكسي.موهبة كشف عنها الفيلم


تحت القصف ينحاز الي كل الابرياء في لبنان الذين راحو ضحايا للحرب المدمرة

القبس في مهرجان 'مونبلييه' السينمائي 29
لبنان 'تحت القصف' يولد مثل العنقاء من جديد
مونبلييه 'فرنسا' ـ صلاح هاشم


من أهم وأبرز الأفلام الروائية العربية التي عرضها مهرجان مونبلييه السينمائي 29 في مسابقته الرسمية، فيلم 'تحت القصف' اللبناني لفيليب عرقتنجي ـ فيلمه الروائي الثاني ـ الذي يقدم بانوراما مؤثرة للدمار الذي لحق لبنان بعد الغزو الاسرائيلي في يوليو واغسطس 2006، وكان الجمهور استقبل الفيلم بحفاوة بالغة عندما عرض في المهرجان ـ بحضور مخرجه ـ، واستقطب اليه اضافة الى الفرنسيين عددا كبيرا من ابناء الجالية العربية، ومن ضمنهم لبنانيون مهاجرون الى مدينة مونبلييه في اقصى الجنوب منذ أكثر من ربع قرن، وقد لمس 'تحت القصف' قلوبنا جميعا، اذ يتوغل الفيلم عميقا في جرح لبنان، ويجعلنا نعيش توترا متصاعدا أثناء الرحلة التي نقطعها مع بطلته.حين تعود أم لبنانية تعمل في الإمارات للبحث عن ابنها كريم الذي أودعته أختها في لبنان حتى يتربى في كنفها، بعيدا عن المشاكل والخناقات اليومية بينها وبين زوجها، فالأب مشغول بتجارته، ويهمه كسب زبون كما تقول الام في الفيلم أكثر من إنقاذ ابنه، في حين تسارع الأم الى العودة الى لبنان في اليوم التالي على انسحاب القوات الاسرائيلية، وهزيمتها وفضيحتها في الحرب، ونزول القوات الاوروبية.وتتعرف الأم زينة على سائق (طوني) يقبل أن يوصلها الى الجنوب وخلال الرحلة يقدم عرقتنجي شهادات على مآسي الحرب وأهوالها، وينجح في أن يشدنا الي قصة فيلمه كما لوكنا نتابع أحداث فيلم بوليسي مشوق، ويصبح السؤال الذي نطرحه على أنفسنا: ترى هل ستعثر الأم في النهاية على ابنها حيا سليما، ام مدفونا هو وخالته تحت الانقاض، لكي ينضما الى ضحايا تلك الحرب بالآلاف؟غير أن عرقتنجي يؤسس ايضا ومنذ أول لقطة في الفيلم الى علاقة تفاهم وصداقة ومحبة، تنشأ وتتطور بين زينة الام اللبنانية المسلمة الملهوفة على ابنها، وبين طوني سائق التاكسي اللبناني المسيحي، ويرسم بدقة وبراعة من خلال المواقف التي يتعرضان لها، 'التحولات' التي تطرأ على شخصيتيهما، حتى انهما يصبحان في النهاية كيانا لبنانيا واحدا متحابا في الفيلم، كيان يسمو بقدرة اهله على تجاوز دمار وخراب الحرب، لكي يولد مثل العنقاء 'تحت القصف'، وينهض من جديد. وتشمخ سيدة صاحبة محطة بنزين في الفيلم، حين تقول على لسان كل اللبنانيين إن المحطة مثل كل تلك البيوتات الآمنة التي تهدمت على رؤوس اصحابها في لبنان، سوف يعاد بناؤها من جديد، وتعود يقينا أحسن من الأول.. اي بأفضل مما كانت عليه.أعجبنا فيلم 'تحت القصف' لأنه بالاضافة الى ما سبق، يؤسس لعمل روائي ابداعي من خلال التوثيق للواقع العياني المباشر وأحداثه فهو يصور الواقع كما لوكان يصنع فيلما وثائقيا، لكنه يدخل في ذلك الفيلم تلك القصة 'الأم التي تبحث عن ابنها' ويطور من أحداثها بما يتلاءم ويتوافق مع الظروف التي يفرضها الواقع ذاته ومتغيراتها، ولا ينتظر ان تستقر الأوضاع لكي يصنع فيلمه، وقد نجح عرقتنجي مخرج فيلم 'بوسطة' في محاولته السينمائية هذه، ليصنع فيلما روائيا جديدا ومغايرا، يمزج بين التسجيلي والروائي، ويأخذ من التسجيلي ليضيف الى الروائي، كما في أفلام الايراني عباس كيارستمي وبعض أفلام الألماني فيم فندرز ويشدنا اليه بقوة موضوعه، و كذلك ببراعة مخرجه في رسم 'المنظر الطبيعي' في قرى الجنوب اللبناني الساحر، بجباله وخضرته وسمائه، ليصبح 'شخصية' مؤثرة، بتأملها وحضورها في الفيلم، كما كشف 'تحت القصف' أيضا عن موهبة جديدة في التمثيل، من خلال الوجه الجديد جورج خباز الذي يقوم بدور سائق التاكسي، ونجاح ندى ابو فرحات في تمثيل دور زينة أم كريم بأداء قوي ومقنع، وبخاصة في مشهد المقبرة وهي تبكي ملتاعة على اختها التي استشهدت في الحرب، وتشمخ بتمثيلها.وعلى الرغم من تحفظاتنا على ايقاع الفيلم، وبعض الترهل احيانا في السرد، واستسلام عرقتنجي لمرض التعليق والشرح الذي نعتبره داء السينما العربية الثرثارة، في حين ان الافلام تصنع في لحظات 'الصمت' بين مشهد وآخر، واقحام بعض المواقف من دون مبرر في الفيلم، كما في مشهد الجنس غير الضروري بالمرة في الفندق.يحسب ل 'تحت القصف' الذي يستحق المشاهدة عن جدارة، أنه كان سباقا في التوثيق لذاكرة الحرب الآن، بفيلم روائي لبناني جميل وبسيط وانساني، ليقدم صورة للبنان تشبهنا، وقدرة أهله على المقاومة والصمود، وتعاطفهم وتراحمهم وحبهم وعشقهم لوطنهم وترابه. والجميل ايضا ان 'تحت القصف' يعرض لعذابات اللبنانيين المغتربين عن لبنان، والمشاكل التي تنجم عن الغربة، مثل مشكلة ضياع الهوية، فاللبناني المغترب العائد من امريكا مثلا، يكتشف بعد فترة انه ليس اميركيا وليس ايضا لبنانيا، بينما اللبناني الحقيقي هومثل ذلك المزارع اللبناني الطيب في الجنوب، الذي يلتقي به طوني وزينة في رحلتهما للبحث عن كريم، وحين يطلب توصيله ويصعد الى السيارة، يمد اليهما ببعض ثمارالتين من خير الأرض التي يفلحها، فهذا هو اللبناني الحقيقي الأصيل الذي يعيش في وطنه ويزرع أرضه، ولا يرضى عن لبنان بديلا ولا يسأل (بضم الياء) أبدا عن ماذا تكون هويته.. تحية الى عرقتنجي 'بوسطة' على فيلمه الجميل 'تحت القصف' الذي يمثل اضافة الى السينما اللبنانية الجديدة في أعمال جوانا وجورج حجي 'يوم آخر' ونادين لبكي 'سكر بنات' وميشال كمون 'فلافل' التي تطرح صورة تشبهنا. صورة تشبه ألمنا وعذاباتنا وهموم وتناقضات مجتمعاتنا العربية تحت شمس ذلك المتوسط الكبير الذي سوف نعود لاحقا الى أفلامه، من خلال الدورة 29 لمهرجان مونبلييه السينمائي، لنحكي عنها، لأنه كما يقول الشاعر الفرنسي الكبير فاليري، لا حلم يشبه حلم السينما


جوائز السيناريو

أعلنت لجنة تحكيم 'مسابقة السيناريو' في مهرجان مونبلييه السينمائي الدورة 29عن جوائزها، وكشفت عن فوز مخرجين عرب، جميعهم سبق له اخراج فيلم قصير على الأقل. وكانت اللجنة المشكلة من 5 محترفين والتي شارك فيها المخرج الجزائري بلقاسم حجاج 'ماشاهو' استمعت على مدار يومين الى المخرجين المشاركين في المسابقة '13 مخرج' وكرست لكل مخرج نصف ساعة فقط، ليحكي فيها عن فيلمه، ويجيب عن أسئلتها واستفساراتها، كما لوكان يدافع عن أطروحة جامعية اكاديمية، لنيل شهادة الدكتوراه.حصل المخرج اللبناني كلود الخال على جائزة السيناريو المقدمة من المركز القومي للسينما في فرنسا وقيمتها 7 آلاف يورو بسيناريو فيلمه 'وداعا ياحبي'.وفاز الممثل والمخرج التونسي لطفي عاشور بجائزة السيناريو المقدمة من منظمة الفرانكفونية العالمية وقيمتها 7 آلاف يورو، بسيناريو فيلم 'تونس بلوز أو حلم نوح'.كما حصلت المخرجة المصرية ماجي مرجان على جائزة 'طاحونة أنديه' التي تخول لها الإقامة لفترة 3 أشهر في فرنسا للاشتغال على سيناريو فيلمها الجديد الذي تقدمت به للمسابقة، وهو بعنوان 'ليلى وأنا'، ويحكي من خلال قصة ممثلة شابة في مصر اليوم عن علاقتها بالمطربة الممثلة الفنانة الكبيرة ليلى مراد، وكيف اختارت ليلى في لحظة في حياتها ان تتخلى عن ديانتها اليهودية وتترك أهلها، لكي تتزوج بمسلم (الفنان أنور وجدي

عرقتنجي: فيلمي ينحازالى كل الأبرياء

لقد اجتاحتني حرب لبنان ـ يقول المخرج اللبناني فيليب عرقتنجي في حوارنا معه في المهرجان الدورة 29 ل 'القبس' ـ اجتاحتني كما يجتاحك إعصار تسونامي) مدمر رهيب، وكان لابد من عمل شيء فورا وعلى عجل. بدأت أسرائيل تقصف جنوب لبنان يوم 12 يوليو 2006، واختمرت في ذهني فكرة الفيلم يوم 14 يوليو، وبدأت بالفعل تصوير مشاهد الفيلم الاولى يوم 21 يوليو. ثم اني سارعت بأخذ السفينة الحربية المسافرة الى فرنسا، وعرضت الامر هناك على بعض شركات الانتاج الفرنسية 'قناة آرتيه ووكالة كابا' التي وافقت على تمويل انتاج الفيلم، فعدت الى لبنان على السفينة الحربية ذاتها، وشرعت أكمل تصوير الفيلم.وكنت ـ يضيف عرقتنجي ـ اكتب السيناريو بما يتلاءم مع الاحداث في الخارج. كان الواقع الخارجي هو الذي يفرض قصة الفيلم و'حبكته' والطريقة التي تتطور بها الاحداث، فلم تكن لدي رغبة في أن أحمل 'عالمي الفردي الخاص'، وأضعه في الفيلم.لم تكن القضية كتابة سيناريو أو صنع فيلم جديد بالمرة، بل كانت قضيتي الكشف عما يعيشه لبنان وأهله، في ظل ظروف الحرب الجديدة، وكيف يتعاملون معها، كما أني لم أرد أن أنحاز في الفيلم الى طرف أو معسكر في لبنان، بل أردت ـ وكان جل همي ـ أن يكون الفيلم منحازا فقط الى كل هؤلاء 'الأبرياء' في لبنان، الذين راحوا ضحايا لتلك الحرب المدمرة، والكشف عما تعرضوا له من خراب مادي وجسماني ونفساني وروحاني أيضا بسببها




عن جريدة " القبس " الكويتية

ليست هناك تعليقات: