أمير العمري
لقطة من فيلم " انس بغداد "
بقلم أمير العمري
* مؤلف كتاب "سينما الهلاك: اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية
اذ يشارك في مهرجان" سينما باريس " مجموعة من الافلام المتميزة من ضمنها فيلم " الفيلم المفقود" للبناني جورجي خليل، وفيلم" حلم جزائري " لجان بيير ليدو من مواليد الجزائر، وفيلم" انس بغداد " للمخرج العراقي سمير من مواليد سويسرا، وهو ابن عائلة عراقية هاجرت الي هناك ضمن العائلات العراقية التي لا تعد ولا تحصي التي هربت بجلدها من نظام صدام حسين الديكتاتوري وجلاديه وانضمت الي مواكب المهاجرين والنازحين واللاجئين من كل ارض بحثا عن ملجأ وملاذ..
فيلم " حلم جزائري " انتاج مشترك.فرنسي بلجيكي جزائري. مدة العرض110 دقيقة اخراج جان بيير ليدو من مواليد تلمسان-الجزائر عام 1947 يحكي عن حلم الجزائر في الحرية الذي تحقق اجل بفضل حرب الاستقلال التي خاضها جيش التحرير الجزائري صحيح،و لكن بمساعدة كل القوي الثورية التي وقفت الي جانبه وساندته ايضا، ومن ضمنها قوي الكتاب والمثقفين الفرنسيين الذين دافعوا عن حق الجزائر في الحرية والاستقلال وطرد المستعمر الفرنسي الاجنبي، وكان الصحفي الفرنسي هنري اليج الذي يحكي لنا الفيلم قصته احد اوائل الصحفيين الذين فضحوا اساليب التعذيب البشعة التي كانت قوات الاحتلال الفرنسي تمارسها في الجزائر وذلك في كتابه " المسألة " الذي صدر اثناء الحرب، وبطلب من المخرج يعود هنري اليج الي البلاد التي استقبلته عام 1939 لكي يلتقي باصدقائه القدامي اثناء فترة الاحتلال، ومعا يسترجعون ذكريات الماضي، ويستمتعون بحلاوة ذلك الحلم - حلمهم وحلم الملايين من الجزائريين- الذي تحقق، ويعتبر الفيلم وثيقة بصرية مهمة لذاكرة وتاريخ الجزائر واحتفاء بقضية الالتزام في الادب كسلاح ضد البربرية والحروب الاستعمارية، ومع النضال والحرية..
فيلم" الحلم المفقود".لبناني. لجورجي خليل يحكي عن رحلة المخرج الي اليمن للبحث عن فيلمه الروائي الاول وكان ارسله ليعرض هناك للمشاركة في احتفالات الوحدة، لكنه اختفي فجأة، فيشد جورجي الترحال الي اليمن ويبحث هناك عن فيلمه الضائع ويعرض اثناء بحثه للعلاقة التي تربط بين الناس والسينما واوضاع الحياة ووضعية المخرج السينمائي في بلادنا..
انس بغداد
غير ان اهم تلك الافلام قاطبة في نظرنا هو فيلم " انس بغداد" سويسري..مدة العرض112 دقيقة اخراج سمير الذي نرشحه للمشاهدة عن جدارة، فهو درس في السينما ودرس في المونتاج ونموذج
للسينما التسجيلية التي نطمح الي صنعها في بلادنا رغم كل العقبات والمعوقات وبيروقراطية الاجهزة والادارات المستكينة المهيمنة، اذ يعرض الفيلم اولا للصورة النمطية للعرب في افلام هوليوود التي صورتهم كلصوص وارهابيين عبر اكثر من مائة سنة في تاريخها، ويقدم لنا مقتطفات من عدة افلام مثل " ابن الشيخ" و" الخروج" و" اكاذيب حقيقية" وفي الفيلم الاخير يظهر الممثل الامريكي شفازنجير في صورة البطل الاميركي المخلص الذي لايقهر ويقضي بضرباته وعضلاته علي افراد عصابة من الارهابيين العرب ويخلص العالم من شرورهم.
ثم يعرض ايضا لصورة اليهودي ذو الانف المعقوف في افلام هوليوود، ويبين كيف ان البطل اليهودي المخلص في فيلم " الخروج " لاوتو برمينجر، ارتأت هوليوود ان يكون ابيضا اشقرا وبعينيين زرقاوين ولم تجد افضل من الممثل النجم بول نيومان لتجسيده، ولم يخطر علي بالها ان يكون يهوديا لوحت الشمس وجهه من الشرق الاوسط ويعيش في مصر او العراق او فلسطين اوتونس والمغرب مثل مئات الالوف من اليهود الذين عاشوا في سلام وتفاهم ووئام مع اخوانهم العرب مسلمين ومسيحيين في البلد الواحد، هناك في تلك المنطقة من العالم ومنذ قديم الازل..
فيلم " انسي بغداد " يفضح ويدين صهيونية اسرائيل الدولة اليهودية، والتمييز العنصري بين اليهود ويكشف لنا من خلال رحلة بل " اوديسة " رائعة مع اربعة اشخاص من اليهود العراقيين العرب الذين هاجروا او فروا لاسباب سياسية الي اسرائيل مع عائلاتهم، يكشف عن تناقضات المجتمع الصهيوني الاسرائيلي العنصري من خلال شهاداتهم وذكرياتهم، ومن ضمن هؤلاء الكاتب الروائي الاسرائلي سمير نقاش الذي يكتب باللغة العربية ونوقشت عدة اطروحات اكاديمية عن اعماله في جامعات مصر والعراق والاردن وايطاليا وانجلترا وامريكا، والكاتب سامي ميخائيل عضو الحزب الشيوعي العراقي في الخمسينيات الذي روع بذلك التمييز بين اليهود المزراحيم القادمين من بلدان الشرق الاوسط وبين اليهود البيض القادمين من امريكا واوروبا حتي انه فكر في الهجرة الي فرنسا..
كما يقدم الفيلم شهادة بالغة العنف ضد المجتمع الاسرائيلي علي لسان البروفيسور ايلا شحات التي تحاضر في علم الاجتماع في جامعة نيويورك، وتحكي في الفيلم كيف هاجرت مع اسرتها من العراق الي اسرائيل وكيف عانت في طفولتها في المدارس من السخرية والتمييز، وكانت قدمت دراسة مهمة في الجامعة عن صورة اليهود المزراحيم في السينما الاسرائيلية وكشفت عن الصورة النمطية المزرية التي قدمتها السينما عنهم، واساليب التمييز التي تمارس ضدهم ويعرض الفيلم جزءا من برنامج تليفزيوني في اسرائيل استضاف ايلا، يكشف عن جرأتها في الافصاح عن عنصرية وقمع المجتمع الاسرائيلي لليهود القادمين من العالم العربي، حتي انها اتهمت بالخيانة العظمي،واضطرت بعد ان قرفت من الحياة في كنف ذلك المجتمع العنصري، ان تهاجر الي امريكا وتتجنس بالجنسية الامريكية وتعيش هناك..
فيلم" انسي بغداد " لسمير الذي هو ايضا قطعة من ذاكرتنا، نرشحه للحصول علي جائزة مسابقة السينما التسجيلية في المهرجان، لانه يقدم بحثا في الهوية والتاريخ، ويناقش اشكاليات اندماج المهاجرين ايا كانوا في المجتمعات الجديدة ان في اسرائيل اوفي فرنسااوفي استراليا، وهو يفضح نفاق اسرائيل الدولة الصهيونية التي تتشدق بالديمقراطية ومجتمع اليوتوبيا والمساواة الذي توفره للمهاجرين القادمين من انحاء العالم(أي عالم ؟) في ما تمارس يوميا ابشع انواع القتل ضد الفلسطينيين، ويدين سياسات التمييز التي تمارسها، واذ يعبرالفيلم عن كافة هذه القضايا بالصورة القوية الموحية، من خلال شهادات واقعية ومونتاج محكم يهتم بالتفاصيل، يجعلنا علي الرغم من طول الفيلم لانشعر ابدا بالملل بل نطلب المزيد..
ويعرض فيلم" انس بغداد " يومي الثلاثاء 8 يوليو في الثامنة والنصف مساء، والاربعاء 9 يوليو في السادسة والربع مساء في قاعة " فوروم دي زيماج " في حي الهال مترو: لي هال شاتيليه
لاتدع فرصة مشاهدة" انس بغداد" تفتك اذن، ومبروك علي باريس مهرجانها السينمائي الجديد الوليد.
-------
عن المثقفين المصريين والسينما والصهيونية والتطبيع
بقلم أمير العمري
*
لاشك أن هناك حساسية خاصة لدى قطاع كبير من المثقفين المصريين من كلمة "إسرائيلي" تلحق بكتاب أو بصحيفة أوبشخص أو بمخرج سينمائي أو بفيلم، أو بأي شئ على الإطلاق
والسبب مفهوم تماما في ضوء الصراع الممتد منذ عشرات السنين مع عدو صهيوني استباح لنفسه كل اشكال الكذب والتضليل والعدوان والتوسع والاستيلاء وتزييف الحقائق والتاريخ.
والسبب أيضا مفهوم في إطار رغبة هذا العدو (الإسرائيلي الصهيوني) في كسر إرادتنا ودفعنا دفعا إلى القبول به – كما هو- وبالتطبيع معه في كل مناحي الحياة.
وعندما نقول (الإسرائيلي الصهيوني) فنحن نقصد تحديدا كل فكرة أو شخص أو عمل يتبنى الأيدلوجية الصهيونية ويبرر كل ما ارتكبه الصهاينة من أعمال عنف وتصفية مادية لشعب في سبيل احلال شراذم قادمة من أطراف الأرض المختلفة على أرضه.
العداء هنا إذن ينصب على المبدأ والهدف والفكرة والسلوك (الصهيوني) الذي يقوم على أيديولوجية استئصالية عنصرية صارمة، وليس على أي شئ (إسرائيلي). وسوف أتجرأ وأقول أن هذا الذي يوصف أحيانا بالإسرائيلي، قد يكون أكثر قربا منا ومن قضايانا، واشد معاداة للصهيونية من كثير من الذين يعتبرون أنفسهم "عربا" ومدافعين عن "المقدسات" و"الثوابت" وغير ذلك.
أقول هذا وأعرف مقدما ما يمكن أن يثيره علي هذا من لعنات بل واتهامات، من جانب قطاع "فاشي" جاهز تكون واشتد عوده خلال السنوات العشرين الأخيرة من خلال حلف أعمى، لا يقل عنصرية وبشاعة عن الصهيونية، بين فصيلين من فصائل التخلف والتدهور في بلادنا.
إنس بغداد
قبل 4 سنوات، كان لي شرف المشاركة في "اكتشاف" فيلم شديد الأهمية للمخرج السويسري العراقي الأصل سمير جمال الدين في مهرجان لوكارنو السينمائي عندما كنت عضوا في لجنة تحكيم أفلام أسبوع النقاد مع ناقدين من المانيا وسويسرا.
هذا الفيلم وهو بعنوان "إنس بغداد: يهود عرب.. الشبكة العراقية" وهو تسجيلي طويل (حوالي ساعتان) يكشف الكثير مما خفى عن اليهود العراقيين وما جرى لهم والعوامل التي دفعتهم إلى الهجرة إلى اسرائيل، ومنها قيام عناصر المخابرات الاسرائيلية بتغذية العنف ضدهم في العراق بل وتفجير قنابل في المعابد اليهودية والمدارس، وأيضا تواطؤ نظام نوري السعيد مع الصهيونية لإبعادهم قسرا وغير ذلك.
وكان الفيلم يدور أساسا حول عدد من الشخصيات من الإسرائيليين ذوي الأصول العراقية مثل الكاتب المعروف سمير نقاش (الذي لا يكتب أعماله سوى بالعربية) والكاتب سامي ميخائيل، والناقدة والكاتبة المعروفة إيلا شوحات.
وقد نجحت في تلك السنة في إقناع زميلي الناقدين في لجنة التحكيم بمنح الفيلم جائزتنا. وسرعان ما ذاع صيت هذا الفيلم وذهب إلى عدد كبير من المهرجانات. وبعد عودتي إلى مصر نظمت عرضا للفيلم في جمعية نقاد السينما المصريين وقت رئاستي لها في صيف 2002، كان هو العرض الثاني للفيلم في العالم بعد لوكارنو مباشرة، ثم عرضته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في اطار الأسبوع الثقافي الذي تقدم فيه عدد كبير من الاساتذة بأوراق ومداخلات تبحث في إسرائيل من الداخل ومستقبل الصراع العربي الاسرائيلي. وناقشت الفيلم مع عدد كبير من طلاب الجامعة الذين أبدوا اهتماما كبيرا بالفيلم، وتأثروا كثيرا للصور التي عرضها ليهود من العراقيين الذين هم أكثر وطنية وحبا لبلدهم الأصلي من بعض العرب، وقد عبروا في الفيلم من خلال استعادة الذكريات والأحلام، والغوص في كتاباتهم عن هذه المشاعر، وكشفوا بجرأة وحسم، بشاعة الصهيونية الأمر الذي جعل سمير نقاش يقول إن إسرائيل لا تستخرج من الإنسان إلا كل ما هو بشع ومدمر.
وقد بلغ حماسي لهذا الفيلم المتميز في كل جوانبه الفكرية والفنية، إلى حد رغبتي في عرضه في افتتاح مهرجان الإسماعيلية السينمائي ذلك العام حتى بعد أن كنت قد تركت إدارته وانقطعت علاقتي به تماما، فأرسلت نسخة الفيديو التي حصلت عليها من مخرجه سمير إلى الأستاذ صلاح مرعي الذي كان (واظن أنه لا يزال كذلك) مرتبطا بمهرجان الإسماعيلية السينمائي المتخصص في الأفلام التسجيلية والقصيرة، على أن يتولى القائمون على أمر المهرجان استقدام النسخة السينمائية من الفيلم الكبير ودعوة مخرجه والاحتفاء به كما يليق وإدارة مناقشة مثمرة حول الفيلم.
لكنني تلقيت من الأستاذ صلاح مرعي ما يفيد أن الفيلم طويل أكثر من اللازم وبالتالي لن يمكن عرضه في المهرجان، بل ربما يكتفون بعرض نسخة الفيديو عرضا محدودا!
وما حدث أن الفيلم، كما أشرت، مضى يشق طريقه إلى عدد من المهرجانات الدولية ويحصل على الجوائز، ويعرض عروضا عامة في عدد من العواصم الأوروبية وغيرها. وفي العام التالي 2003 عرض بالفعل في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة في مهرجان الإسماعيلية السينمائي كما عرفت من قراءة أخبار ذلك المهرجان، وحصل كما كنت اتوقع على الجائزة الكبرى للمهرجان، وهو تكريم يستحقه.
ولم أسمع أن أحدا من المثقفين أو النقاد والصحفيين المصريين الذين شاهدوا الفيلم في عروضه الثلاثة في مصر – في جمعية النقاد أو في جامعة القاهرة أو مهرجان الاسماعيلية – اعترض على الفيلم أو هاجمه أو تقدم بشكوى ضده إلى وزير الثقافة بدعوى أنه فيلم إسرائيلي (أي معاد بالضرورة) ويتعين منع عرضه ومحاسبة من أتى به.
ولم أعرف أن أحدا على الإطلاق اعترض على حصول الفيلم على الجائزة الكبرى لمهرجان تقيمه وزارة الثقافة وأظن أن الوزير نفسه – فاروق حسني – هو الذي وزع جوائزه في تلك السنة.
عقدة الذنب
ولكن لأننا عشنا قبل فترة قصيرة مأساة التدمير الإسرائيلي للبنية التحتية في لبنان وقتل مئات الأشخاص وتدمير منازلهم، والعدوان الفاجر على كل القيم والأعراف كما تمثل في الحرب ضد مقاتلي حزب الله وضد الشعب اللبناني كله، ثارت مجددا الروح الوطنية والقومية واستيقظت مرة أخرى "عقدة الإحساس بالذنب" المستقر لدى الكثير من المثقفين المصريين منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وما أعقبها من افتتاح سفارة إسرائيلية في مصر ورفع العلم الإسرائيلي في وسط القاهرة.
هذه العقدة بكل أسف تغذي تصرفات ومواقف الكثير من المثقفين، وخصوصا الصحفيين التقدميين أو المعتبرين كذلك والذين أكن لهم شخصيا الكثير من الود والاحترام، وتدفعهم دوما إلى محاولة تأكيد رفضهم لأي شكل من أشكال التطبيع، وإعلان تبرؤهم من أي شئ قد تشتم منه شبهة فتح الباب أمام أي شئ "إسرائيلي"، والوصول إلى الاستبعاد التام والقاطع والنهائي – دون حتى أدنى فرصة لمحاولة الفهم- لإمكانية أن يكون ذلك "الشئ" الإسرائيلي معاديا للصهوينية مثلنا تماما بل وربما أكثر من بعضنا.
والأمر المخزي والمحير أيضا أن يلجأ البعض – كما حدث بالفعل – إلى أسلوب تحريض السلطة ضد قطاع آخر من المثقفين يحاول أن يجتهد في هذا المجال، والمطالبة بالمنع والمحاسبة كما حدث أخيرا، بل وكما هو الحال في كل مرة تثور فيها الروح الوطنية انفعالا بحدث سياسي أو رغبة في أن يؤكد البعض منا لأنفسهم على نقائهم ورفضهم ومناهضتهم لشتى أشكال التطبيع، حتى لو لم تكن هذه أصلا هي القضية، وحتى إذا كان معنى ذلك تحريض سلطة هي التي فتحت الباب امام إسرائيل وأمام سفارتها، وهي التي تتبادل المراسم معها وتوقع المعاهدات الاقتصادية والأمنية وتتبادل معها المعلومات ، وغير ذلك.
فما مغزى الشكوى إلى وزير الثقافة هنا والإشادة بدوره واستجابته للمنع والحظر و"التصدي" للخطر الصهيوني الكاسح الذي يهدد الأمة بمناسبة عرض فيلم؟!
المغزى المباشر، دون أن يستدعي الأمر توفر عبقرية ما أو ذكاء خاص، هو أن السيد الوزير منشق على حكومته ورئيسه، وأنه اصبح فجأة صاحب وزارة ثقافة "قطاع خاص" أو دولة داخل الدولة، أو أنه، وهو المدافع المبرر لكل سياسات حكومته (ولا يمكنه أصلا غير ذلك!) قد أصبح مناضلا ضد الصهيونية وانضم إلى حزب معارض يعتبر – بكل اسف – أن كتابا مثل "برتوكولات حكماء صهيون" يعد أساسا أيديولوجيا صلبا وأصيلا، وأنه يصلح أن نعتمد عليه لخدمة قضايانا الوطنية، رغم سمعته السيئة في كل أرجاء العالم باعتباره أكثر الكتب عنصرية في التاريخ.
لقد كانت المواقف الصلبة المعادية للصهيونية لرجال مثل نعوم شومسكي واسرائيل شاحاك وموريس جاكوبي وأفي مغربي وتوم سيجيف وألفريد ليلنتال وماكسيم رودنسون، وهم من اليهود، هي التي كشفت وفضحت مواقف الحركة الصهيونية من خلال التحليل والنقد والمواقف الصلبة التي لا تعرف المساومة. وقد اتهم هؤلاء من قبل الأبواق الصهيونية بالتهمة المضحكة الشهيرة، أي بأنهم من اليهود "الكارهين لأنفسهم"!
وقد وقع 400 مثقف اسرائيلي أخيرا على بيان جاء فيه أن "إسرائيل تنفذ جرائم حرب واسعة، تهدم دولة، وتحول أكثر من نصف مليون شخص إلى لاجئين. قرى كاملة دمرت، عشرات الوف العائلات هجّرت، مئات القتلى وآلاف الجرحى من المواطنين. كل التبريرات لن تقدر على تنظيف هذه الجرائم. خطف الجنديين، المعاناة، القتل وهدم الأماكن المأهولة في شمال البلاد لا تستطيع التغطية على الأعمال البربرية التي تنفذها إسرائيل، في ما تتواصل المذابح في غزة. يجب ايقاف هذه الجرائم حالاً".
فما معنى هذا؟ أليس معناه أن هناك تحولا يحدث وإن ببطء داخل الكيان الصهيوني؟ ألا يمكننا أن نحول هؤلاء الـ 400 مثقف في اسرائيل إلى 4 آلاف وأربعين ألفا، أم سنظل نغلق الباب على أنفسنا ونرفض الانصات لأي صوت يهودي منصف يأتي من داخل اسرائيل أو من خارجها؟
وما مغزى أن يوقع 40 سينمائيا إسرائيليا، منهم سيمون بيتون واموس جيتاي وأفي مغربي، بيانا يدين السياسة الاسرائيلية بدرجة أقوى كثيرا من ادانة معظم الحكومات العربية لها خلال الحرب اللبنانية الأخيرة!
أظن أنه يتعين الآن على كل المثقفين المصريين أن يحددوا موقفهم بوضوح لا لبس فيه: هل هم معادون للصهيونية كأيدولوجية عنصرية معادية للإنسان والتاريخ ولوجود إسرائيل الصهيونية، أم معادون لكل يهودي أو كل إنسان يعيش على أرض فلسطين التي يسمى جزء منها الآن بإسرائيل، ولكل شئ يأتي منها أو ينسب إليها ومنهم أيضا فلسطينيون يحملون رغما عنهم، الجنسية الإسرائيلية؟
وهل المطلوب بالفعل القضاء على كل اليهود الذين يعيشون داخل إسرائيل، أم تحويل اسرائيل إلى دولة علمانية ديمقراطية لكل من اليهود والفلسطينيين المسيحيين والمسلمين، دون أي تميز أو تفرقة، ولنسمها عندئذ فلسطين أو اسرائيل.. لا يهم؟
إذا كانت الإجابة أن لا فرق بيم اليهود والاسرائيليين والصهاينة، وانهم جميعهم أعداء للاسلام ولامة العرب، وأن بروتوكولات حكماء صهيون (المرجع الفكري المتهافت لفصيل كبير من اشباه المثقفين في بلادنا) يقر بأنهم ضالعون في مؤامرة سرية على العالم منذ فجر التاريخ، فلن يصبح هناك أي مجال لأي مناقشة حقيقية بهدف تحقيق خطوة واحدة إلى الأمام.
وسيبقى التاريخ يعيد نفسه دوما.. ولكن على شكل مهزلة كبرى بالطبع
لاشك أن هناك حساسية خاصة لدى قطاع كبير من المثقفين المصريين من كلمة "إسرائيلي" تلحق بكتاب أو بصحيفة أوبشخص أو بمخرج سينمائي أو بفيلم، أو بأي شئ على الإطلاق
والسبب مفهوم تماما في ضوء الصراع الممتد منذ عشرات السنين مع عدو صهيوني استباح لنفسه كل اشكال الكذب والتضليل والعدوان والتوسع والاستيلاء وتزييف الحقائق والتاريخ.
والسبب أيضا مفهوم في إطار رغبة هذا العدو (الإسرائيلي الصهيوني) في كسر إرادتنا ودفعنا دفعا إلى القبول به – كما هو- وبالتطبيع معه في كل مناحي الحياة.
وعندما نقول (الإسرائيلي الصهيوني) فنحن نقصد تحديدا كل فكرة أو شخص أو عمل يتبنى الأيدلوجية الصهيونية ويبرر كل ما ارتكبه الصهاينة من أعمال عنف وتصفية مادية لشعب في سبيل احلال شراذم قادمة من أطراف الأرض المختلفة على أرضه.
العداء هنا إذن ينصب على المبدأ والهدف والفكرة والسلوك (الصهيوني) الذي يقوم على أيديولوجية استئصالية عنصرية صارمة، وليس على أي شئ (إسرائيلي). وسوف أتجرأ وأقول أن هذا الذي يوصف أحيانا بالإسرائيلي، قد يكون أكثر قربا منا ومن قضايانا، واشد معاداة للصهيونية من كثير من الذين يعتبرون أنفسهم "عربا" ومدافعين عن "المقدسات" و"الثوابت" وغير ذلك.
أقول هذا وأعرف مقدما ما يمكن أن يثيره علي هذا من لعنات بل واتهامات، من جانب قطاع "فاشي" جاهز تكون واشتد عوده خلال السنوات العشرين الأخيرة من خلال حلف أعمى، لا يقل عنصرية وبشاعة عن الصهيونية، بين فصيلين من فصائل التخلف والتدهور في بلادنا.
إنس بغداد
قبل 4 سنوات، كان لي شرف المشاركة في "اكتشاف" فيلم شديد الأهمية للمخرج السويسري العراقي الأصل سمير جمال الدين في مهرجان لوكارنو السينمائي عندما كنت عضوا في لجنة تحكيم أفلام أسبوع النقاد مع ناقدين من المانيا وسويسرا.
هذا الفيلم وهو بعنوان "إنس بغداد: يهود عرب.. الشبكة العراقية" وهو تسجيلي طويل (حوالي ساعتان) يكشف الكثير مما خفى عن اليهود العراقيين وما جرى لهم والعوامل التي دفعتهم إلى الهجرة إلى اسرائيل، ومنها قيام عناصر المخابرات الاسرائيلية بتغذية العنف ضدهم في العراق بل وتفجير قنابل في المعابد اليهودية والمدارس، وأيضا تواطؤ نظام نوري السعيد مع الصهيونية لإبعادهم قسرا وغير ذلك.
وكان الفيلم يدور أساسا حول عدد من الشخصيات من الإسرائيليين ذوي الأصول العراقية مثل الكاتب المعروف سمير نقاش (الذي لا يكتب أعماله سوى بالعربية) والكاتب سامي ميخائيل، والناقدة والكاتبة المعروفة إيلا شوحات.
وقد نجحت في تلك السنة في إقناع زميلي الناقدين في لجنة التحكيم بمنح الفيلم جائزتنا. وسرعان ما ذاع صيت هذا الفيلم وذهب إلى عدد كبير من المهرجانات. وبعد عودتي إلى مصر نظمت عرضا للفيلم في جمعية نقاد السينما المصريين وقت رئاستي لها في صيف 2002، كان هو العرض الثاني للفيلم في العالم بعد لوكارنو مباشرة، ثم عرضته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في اطار الأسبوع الثقافي الذي تقدم فيه عدد كبير من الاساتذة بأوراق ومداخلات تبحث في إسرائيل من الداخل ومستقبل الصراع العربي الاسرائيلي. وناقشت الفيلم مع عدد كبير من طلاب الجامعة الذين أبدوا اهتماما كبيرا بالفيلم، وتأثروا كثيرا للصور التي عرضها ليهود من العراقيين الذين هم أكثر وطنية وحبا لبلدهم الأصلي من بعض العرب، وقد عبروا في الفيلم من خلال استعادة الذكريات والأحلام، والغوص في كتاباتهم عن هذه المشاعر، وكشفوا بجرأة وحسم، بشاعة الصهيونية الأمر الذي جعل سمير نقاش يقول إن إسرائيل لا تستخرج من الإنسان إلا كل ما هو بشع ومدمر.
وقد بلغ حماسي لهذا الفيلم المتميز في كل جوانبه الفكرية والفنية، إلى حد رغبتي في عرضه في افتتاح مهرجان الإسماعيلية السينمائي ذلك العام حتى بعد أن كنت قد تركت إدارته وانقطعت علاقتي به تماما، فأرسلت نسخة الفيديو التي حصلت عليها من مخرجه سمير إلى الأستاذ صلاح مرعي الذي كان (واظن أنه لا يزال كذلك) مرتبطا بمهرجان الإسماعيلية السينمائي المتخصص في الأفلام التسجيلية والقصيرة، على أن يتولى القائمون على أمر المهرجان استقدام النسخة السينمائية من الفيلم الكبير ودعوة مخرجه والاحتفاء به كما يليق وإدارة مناقشة مثمرة حول الفيلم.
لكنني تلقيت من الأستاذ صلاح مرعي ما يفيد أن الفيلم طويل أكثر من اللازم وبالتالي لن يمكن عرضه في المهرجان، بل ربما يكتفون بعرض نسخة الفيديو عرضا محدودا!
وما حدث أن الفيلم، كما أشرت، مضى يشق طريقه إلى عدد من المهرجانات الدولية ويحصل على الجوائز، ويعرض عروضا عامة في عدد من العواصم الأوروبية وغيرها. وفي العام التالي 2003 عرض بالفعل في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة في مهرجان الإسماعيلية السينمائي كما عرفت من قراءة أخبار ذلك المهرجان، وحصل كما كنت اتوقع على الجائزة الكبرى للمهرجان، وهو تكريم يستحقه.
ولم أسمع أن أحدا من المثقفين أو النقاد والصحفيين المصريين الذين شاهدوا الفيلم في عروضه الثلاثة في مصر – في جمعية النقاد أو في جامعة القاهرة أو مهرجان الاسماعيلية – اعترض على الفيلم أو هاجمه أو تقدم بشكوى ضده إلى وزير الثقافة بدعوى أنه فيلم إسرائيلي (أي معاد بالضرورة) ويتعين منع عرضه ومحاسبة من أتى به.
ولم أعرف أن أحدا على الإطلاق اعترض على حصول الفيلم على الجائزة الكبرى لمهرجان تقيمه وزارة الثقافة وأظن أن الوزير نفسه – فاروق حسني – هو الذي وزع جوائزه في تلك السنة.
عقدة الذنب
ولكن لأننا عشنا قبل فترة قصيرة مأساة التدمير الإسرائيلي للبنية التحتية في لبنان وقتل مئات الأشخاص وتدمير منازلهم، والعدوان الفاجر على كل القيم والأعراف كما تمثل في الحرب ضد مقاتلي حزب الله وضد الشعب اللبناني كله، ثارت مجددا الروح الوطنية والقومية واستيقظت مرة أخرى "عقدة الإحساس بالذنب" المستقر لدى الكثير من المثقفين المصريين منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وما أعقبها من افتتاح سفارة إسرائيلية في مصر ورفع العلم الإسرائيلي في وسط القاهرة.
هذه العقدة بكل أسف تغذي تصرفات ومواقف الكثير من المثقفين، وخصوصا الصحفيين التقدميين أو المعتبرين كذلك والذين أكن لهم شخصيا الكثير من الود والاحترام، وتدفعهم دوما إلى محاولة تأكيد رفضهم لأي شكل من أشكال التطبيع، وإعلان تبرؤهم من أي شئ قد تشتم منه شبهة فتح الباب أمام أي شئ "إسرائيلي"، والوصول إلى الاستبعاد التام والقاطع والنهائي – دون حتى أدنى فرصة لمحاولة الفهم- لإمكانية أن يكون ذلك "الشئ" الإسرائيلي معاديا للصهوينية مثلنا تماما بل وربما أكثر من بعضنا.
والأمر المخزي والمحير أيضا أن يلجأ البعض – كما حدث بالفعل – إلى أسلوب تحريض السلطة ضد قطاع آخر من المثقفين يحاول أن يجتهد في هذا المجال، والمطالبة بالمنع والمحاسبة كما حدث أخيرا، بل وكما هو الحال في كل مرة تثور فيها الروح الوطنية انفعالا بحدث سياسي أو رغبة في أن يؤكد البعض منا لأنفسهم على نقائهم ورفضهم ومناهضتهم لشتى أشكال التطبيع، حتى لو لم تكن هذه أصلا هي القضية، وحتى إذا كان معنى ذلك تحريض سلطة هي التي فتحت الباب امام إسرائيل وأمام سفارتها، وهي التي تتبادل المراسم معها وتوقع المعاهدات الاقتصادية والأمنية وتتبادل معها المعلومات ، وغير ذلك.
فما مغزى الشكوى إلى وزير الثقافة هنا والإشادة بدوره واستجابته للمنع والحظر و"التصدي" للخطر الصهيوني الكاسح الذي يهدد الأمة بمناسبة عرض فيلم؟!
المغزى المباشر، دون أن يستدعي الأمر توفر عبقرية ما أو ذكاء خاص، هو أن السيد الوزير منشق على حكومته ورئيسه، وأنه اصبح فجأة صاحب وزارة ثقافة "قطاع خاص" أو دولة داخل الدولة، أو أنه، وهو المدافع المبرر لكل سياسات حكومته (ولا يمكنه أصلا غير ذلك!) قد أصبح مناضلا ضد الصهيونية وانضم إلى حزب معارض يعتبر – بكل اسف – أن كتابا مثل "برتوكولات حكماء صهيون" يعد أساسا أيديولوجيا صلبا وأصيلا، وأنه يصلح أن نعتمد عليه لخدمة قضايانا الوطنية، رغم سمعته السيئة في كل أرجاء العالم باعتباره أكثر الكتب عنصرية في التاريخ.
لقد كانت المواقف الصلبة المعادية للصهيونية لرجال مثل نعوم شومسكي واسرائيل شاحاك وموريس جاكوبي وأفي مغربي وتوم سيجيف وألفريد ليلنتال وماكسيم رودنسون، وهم من اليهود، هي التي كشفت وفضحت مواقف الحركة الصهيونية من خلال التحليل والنقد والمواقف الصلبة التي لا تعرف المساومة. وقد اتهم هؤلاء من قبل الأبواق الصهيونية بالتهمة المضحكة الشهيرة، أي بأنهم من اليهود "الكارهين لأنفسهم"!
وقد وقع 400 مثقف اسرائيلي أخيرا على بيان جاء فيه أن "إسرائيل تنفذ جرائم حرب واسعة، تهدم دولة، وتحول أكثر من نصف مليون شخص إلى لاجئين. قرى كاملة دمرت، عشرات الوف العائلات هجّرت، مئات القتلى وآلاف الجرحى من المواطنين. كل التبريرات لن تقدر على تنظيف هذه الجرائم. خطف الجنديين، المعاناة، القتل وهدم الأماكن المأهولة في شمال البلاد لا تستطيع التغطية على الأعمال البربرية التي تنفذها إسرائيل، في ما تتواصل المذابح في غزة. يجب ايقاف هذه الجرائم حالاً".
فما معنى هذا؟ أليس معناه أن هناك تحولا يحدث وإن ببطء داخل الكيان الصهيوني؟ ألا يمكننا أن نحول هؤلاء الـ 400 مثقف في اسرائيل إلى 4 آلاف وأربعين ألفا، أم سنظل نغلق الباب على أنفسنا ونرفض الانصات لأي صوت يهودي منصف يأتي من داخل اسرائيل أو من خارجها؟
وما مغزى أن يوقع 40 سينمائيا إسرائيليا، منهم سيمون بيتون واموس جيتاي وأفي مغربي، بيانا يدين السياسة الاسرائيلية بدرجة أقوى كثيرا من ادانة معظم الحكومات العربية لها خلال الحرب اللبنانية الأخيرة!
أظن أنه يتعين الآن على كل المثقفين المصريين أن يحددوا موقفهم بوضوح لا لبس فيه: هل هم معادون للصهيونية كأيدولوجية عنصرية معادية للإنسان والتاريخ ولوجود إسرائيل الصهيونية، أم معادون لكل يهودي أو كل إنسان يعيش على أرض فلسطين التي يسمى جزء منها الآن بإسرائيل، ولكل شئ يأتي منها أو ينسب إليها ومنهم أيضا فلسطينيون يحملون رغما عنهم، الجنسية الإسرائيلية؟
وهل المطلوب بالفعل القضاء على كل اليهود الذين يعيشون داخل إسرائيل، أم تحويل اسرائيل إلى دولة علمانية ديمقراطية لكل من اليهود والفلسطينيين المسيحيين والمسلمين، دون أي تميز أو تفرقة، ولنسمها عندئذ فلسطين أو اسرائيل.. لا يهم؟
إذا كانت الإجابة أن لا فرق بيم اليهود والاسرائيليين والصهاينة، وانهم جميعهم أعداء للاسلام ولامة العرب، وأن بروتوكولات حكماء صهيون (المرجع الفكري المتهافت لفصيل كبير من اشباه المثقفين في بلادنا) يقر بأنهم ضالعون في مؤامرة سرية على العالم منذ فجر التاريخ، فلن يصبح هناك أي مجال لأي مناقشة حقيقية بهدف تحقيق خطوة واحدة إلى الأمام.
وسيبقى التاريخ يعيد نفسه دوما.. ولكن على شكل مهزلة كبرى بالطبع
أمير العمري
* مؤلف كتاب "سينما الهلاك: اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية
*
وعن " ايلاف " بتاريخ الاثنين 30 يوليو 2003
في مهرجان "سينما باريس" الدولي الاول
بغداد.. والفيلم المفقود.. والحلم الجزائري الذي تحقق
بقلم صلاح هاشم
باريس- إيلاف من صلاح هاشم: من اهم التظاهرات السينمائية التي سوف تشهدها العاصمة باريس مع مطلع شهر يوليو مهرجان" سينما باريس" الدولي الاول، الذي يعقد في الفترة من 2 الي 14 يوليو، وتعرض افلامه في العديد من القاعات الباريسية وفي "فوروم دي زيماج"، بسعر موحد ومخفض 4 يورو لتذكرة الدخول، بحيث يتيح للمتفرج زائرا كان ام مقيما، ان يشاهد مجموعة كبيرة من الافلام الفرنسية والعالمية
المتميزة المشاركة في هذا المهرجان- الذي يعقد مسابقتين للافلام الروائية والافلام التسجيلية، ويوزع عليها عددا كبيرا من الجوائز، ويترأسه المخرج الفرنسي الكبير كوستا جافراس - وقبل ان تخرج هذه الافلام في ما بعد للعرض التجاري..
مهرجان" سينما باريس" الذي تشرف علي تنظيمه محافظة العاصمة، يضرب عصفورين بحجر، فهو من جهة يمنح العاصمة المهرجان السينمائي الذي تستحقه، ويليق حقا بقدرها ووزنها الثقافي، ومكانتها علي خريطة السينما ومهرجاناتها في العالم، بعدما كانت قرية صغيرة للصيادين اسمها " كان " في اقصي الجنوب، خطفت بمهرجانها السينمائي الذي يعقد هناك منذ56 سنة اضواء الشهرة والمجد من العاصمة، علي الرغم من كونها باريس، وحتي مع غياب ذلك المهرجان السينمائي في الماضي، كانت ومازالت بسبب عدد الافلام الفرنسية والعالمية التي تعرض هنا كل اسبوع،تعتبر بمثابة " شاشة لشاشات العالم "، وعاصمة متألقة للسينما العالمية من دون منازع..
ومن جهة اخري، انضمت تظاهرة " اللقاءات الدولية للسينما في باريس " التي كانت تقام في " فوروم دي زيماج" الي المهرجان السينمائي الوليد، وسوف تعقد من الآن فصاعدا في اطاره، لتصبح محورا من محاوره السينمائية المتعددة، ومن ضمنها" ورش" الافلام العملية، التي تدعو المتخصصين الي القاء محاضرات مجانية في فنون السينما كفن كتابة السيناريو، وتكون الدعوة عامة للجمهور المتعطش الي الثقافة السينمائية، الحريص علي معرفة الطريقة التي تتطور بها السينما في العالم..
لذلك يصبح مهرجان باريس للسينما في دورته الاولي اكثر من مهرجان.يصبح عدة مهرجانات سينمائية في مهرجان واحد، و"جامعة مفتوحة" علي فنون وانجازات السينما واضافاتها، لا في فرنسا وحدها بل في انحاء العالم، وهي فرصة لاتعوض، وبخاصة في موسم الصيف والاجازات، للخروج والفسحة، ومتابعة افلام المهرجان، وتحصيل المعارف السينمائية الجديدة، والتعرف علي الطريقة التي تتناول بها السينما المشاكل والقضايا التي تهمنا نحن العرب، وترتبط بذاكرتنا وهويتنا..
حلم الجزائر
وعن " ايلاف " بتاريخ الاثنين 30 يوليو 2003
في مهرجان "سينما باريس" الدولي الاول
بغداد.. والفيلم المفقود.. والحلم الجزائري الذي تحقق
بقلم صلاح هاشم
باريس- إيلاف من صلاح هاشم: من اهم التظاهرات السينمائية التي سوف تشهدها العاصمة باريس مع مطلع شهر يوليو مهرجان" سينما باريس" الدولي الاول، الذي يعقد في الفترة من 2 الي 14 يوليو، وتعرض افلامه في العديد من القاعات الباريسية وفي "فوروم دي زيماج"، بسعر موحد ومخفض 4 يورو لتذكرة الدخول، بحيث يتيح للمتفرج زائرا كان ام مقيما، ان يشاهد مجموعة كبيرة من الافلام الفرنسية والعالمية
المتميزة المشاركة في هذا المهرجان- الذي يعقد مسابقتين للافلام الروائية والافلام التسجيلية، ويوزع عليها عددا كبيرا من الجوائز، ويترأسه المخرج الفرنسي الكبير كوستا جافراس - وقبل ان تخرج هذه الافلام في ما بعد للعرض التجاري..
مهرجان" سينما باريس" الذي تشرف علي تنظيمه محافظة العاصمة، يضرب عصفورين بحجر، فهو من جهة يمنح العاصمة المهرجان السينمائي الذي تستحقه، ويليق حقا بقدرها ووزنها الثقافي، ومكانتها علي خريطة السينما ومهرجاناتها في العالم، بعدما كانت قرية صغيرة للصيادين اسمها " كان " في اقصي الجنوب، خطفت بمهرجانها السينمائي الذي يعقد هناك منذ56 سنة اضواء الشهرة والمجد من العاصمة، علي الرغم من كونها باريس، وحتي مع غياب ذلك المهرجان السينمائي في الماضي، كانت ومازالت بسبب عدد الافلام الفرنسية والعالمية التي تعرض هنا كل اسبوع،تعتبر بمثابة " شاشة لشاشات العالم "، وعاصمة متألقة للسينما العالمية من دون منازع..
ومن جهة اخري، انضمت تظاهرة " اللقاءات الدولية للسينما في باريس " التي كانت تقام في " فوروم دي زيماج" الي المهرجان السينمائي الوليد، وسوف تعقد من الآن فصاعدا في اطاره، لتصبح محورا من محاوره السينمائية المتعددة، ومن ضمنها" ورش" الافلام العملية، التي تدعو المتخصصين الي القاء محاضرات مجانية في فنون السينما كفن كتابة السيناريو، وتكون الدعوة عامة للجمهور المتعطش الي الثقافة السينمائية، الحريص علي معرفة الطريقة التي تتطور بها السينما في العالم..
لذلك يصبح مهرجان باريس للسينما في دورته الاولي اكثر من مهرجان.يصبح عدة مهرجانات سينمائية في مهرجان واحد، و"جامعة مفتوحة" علي فنون وانجازات السينما واضافاتها، لا في فرنسا وحدها بل في انحاء العالم، وهي فرصة لاتعوض، وبخاصة في موسم الصيف والاجازات، للخروج والفسحة، ومتابعة افلام المهرجان، وتحصيل المعارف السينمائية الجديدة، والتعرف علي الطريقة التي تتناول بها السينما المشاكل والقضايا التي تهمنا نحن العرب، وترتبط بذاكرتنا وهويتنا..
حلم الجزائر
اذ يشارك في مهرجان" سينما باريس " مجموعة من الافلام المتميزة من ضمنها فيلم " الفيلم المفقود" للبناني جورجي خليل، وفيلم" حلم جزائري " لجان بيير ليدو من مواليد الجزائر، وفيلم" انس بغداد " للمخرج العراقي سمير من مواليد سويسرا، وهو ابن عائلة عراقية هاجرت الي هناك ضمن العائلات العراقية التي لا تعد ولا تحصي التي هربت بجلدها من نظام صدام حسين الديكتاتوري وجلاديه وانضمت الي مواكب المهاجرين والنازحين واللاجئين من كل ارض بحثا عن ملجأ وملاذ..
فيلم " حلم جزائري " انتاج مشترك.فرنسي بلجيكي جزائري. مدة العرض110 دقيقة اخراج جان بيير ليدو من مواليد تلمسان-الجزائر عام 1947 يحكي عن حلم الجزائر في الحرية الذي تحقق اجل بفضل حرب الاستقلال التي خاضها جيش التحرير الجزائري صحيح،و لكن بمساعدة كل القوي الثورية التي وقفت الي جانبه وساندته ايضا، ومن ضمنها قوي الكتاب والمثقفين الفرنسيين الذين دافعوا عن حق الجزائر في الحرية والاستقلال وطرد المستعمر الفرنسي الاجنبي، وكان الصحفي الفرنسي هنري اليج الذي يحكي لنا الفيلم قصته احد اوائل الصحفيين الذين فضحوا اساليب التعذيب البشعة التي كانت قوات الاحتلال الفرنسي تمارسها في الجزائر وذلك في كتابه " المسألة " الذي صدر اثناء الحرب، وبطلب من المخرج يعود هنري اليج الي البلاد التي استقبلته عام 1939 لكي يلتقي باصدقائه القدامي اثناء فترة الاحتلال، ومعا يسترجعون ذكريات الماضي، ويستمتعون بحلاوة ذلك الحلم - حلمهم وحلم الملايين من الجزائريين- الذي تحقق، ويعتبر الفيلم وثيقة بصرية مهمة لذاكرة وتاريخ الجزائر واحتفاء بقضية الالتزام في الادب كسلاح ضد البربرية والحروب الاستعمارية، ومع النضال والحرية..
فيلم" الحلم المفقود".لبناني. لجورجي خليل يحكي عن رحلة المخرج الي اليمن للبحث عن فيلمه الروائي الاول وكان ارسله ليعرض هناك للمشاركة في احتفالات الوحدة، لكنه اختفي فجأة، فيشد جورجي الترحال الي اليمن ويبحث هناك عن فيلمه الضائع ويعرض اثناء بحثه للعلاقة التي تربط بين الناس والسينما واوضاع الحياة ووضعية المخرج السينمائي في بلادنا..
انس بغداد
غير ان اهم تلك الافلام قاطبة في نظرنا هو فيلم " انس بغداد" سويسري..مدة العرض112 دقيقة اخراج سمير الذي نرشحه للمشاهدة عن جدارة، فهو درس في السينما ودرس في المونتاج ونموذج
للسينما التسجيلية التي نطمح الي صنعها في بلادنا رغم كل العقبات والمعوقات وبيروقراطية الاجهزة والادارات المستكينة المهيمنة، اذ يعرض الفيلم اولا للصورة النمطية للعرب في افلام هوليوود التي صورتهم كلصوص وارهابيين عبر اكثر من مائة سنة في تاريخها، ويقدم لنا مقتطفات من عدة افلام مثل " ابن الشيخ" و" الخروج" و" اكاذيب حقيقية" وفي الفيلم الاخير يظهر الممثل الامريكي شفازنجير في صورة البطل الاميركي المخلص الذي لايقهر ويقضي بضرباته وعضلاته علي افراد عصابة من الارهابيين العرب ويخلص العالم من شرورهم.
ثم يعرض ايضا لصورة اليهودي ذو الانف المعقوف في افلام هوليوود، ويبين كيف ان البطل اليهودي المخلص في فيلم " الخروج " لاوتو برمينجر، ارتأت هوليوود ان يكون ابيضا اشقرا وبعينيين زرقاوين ولم تجد افضل من الممثل النجم بول نيومان لتجسيده، ولم يخطر علي بالها ان يكون يهوديا لوحت الشمس وجهه من الشرق الاوسط ويعيش في مصر او العراق او فلسطين اوتونس والمغرب مثل مئات الالوف من اليهود الذين عاشوا في سلام وتفاهم ووئام مع اخوانهم العرب مسلمين ومسيحيين في البلد الواحد، هناك في تلك المنطقة من العالم ومنذ قديم الازل..
فيلم " انسي بغداد " يفضح ويدين صهيونية اسرائيل الدولة اليهودية، والتمييز العنصري بين اليهود ويكشف لنا من خلال رحلة بل " اوديسة " رائعة مع اربعة اشخاص من اليهود العراقيين العرب الذين هاجروا او فروا لاسباب سياسية الي اسرائيل مع عائلاتهم، يكشف عن تناقضات المجتمع الصهيوني الاسرائيلي العنصري من خلال شهاداتهم وذكرياتهم، ومن ضمن هؤلاء الكاتب الروائي الاسرائلي سمير نقاش الذي يكتب باللغة العربية ونوقشت عدة اطروحات اكاديمية عن اعماله في جامعات مصر والعراق والاردن وايطاليا وانجلترا وامريكا، والكاتب سامي ميخائيل عضو الحزب الشيوعي العراقي في الخمسينيات الذي روع بذلك التمييز بين اليهود المزراحيم القادمين من بلدان الشرق الاوسط وبين اليهود البيض القادمين من امريكا واوروبا حتي انه فكر في الهجرة الي فرنسا..
كما يقدم الفيلم شهادة بالغة العنف ضد المجتمع الاسرائيلي علي لسان البروفيسور ايلا شحات التي تحاضر في علم الاجتماع في جامعة نيويورك، وتحكي في الفيلم كيف هاجرت مع اسرتها من العراق الي اسرائيل وكيف عانت في طفولتها في المدارس من السخرية والتمييز، وكانت قدمت دراسة مهمة في الجامعة عن صورة اليهود المزراحيم في السينما الاسرائيلية وكشفت عن الصورة النمطية المزرية التي قدمتها السينما عنهم، واساليب التمييز التي تمارس ضدهم ويعرض الفيلم جزءا من برنامج تليفزيوني في اسرائيل استضاف ايلا، يكشف عن جرأتها في الافصاح عن عنصرية وقمع المجتمع الاسرائيلي لليهود القادمين من العالم العربي، حتي انها اتهمت بالخيانة العظمي،واضطرت بعد ان قرفت من الحياة في كنف ذلك المجتمع العنصري، ان تهاجر الي امريكا وتتجنس بالجنسية الامريكية وتعيش هناك..
فيلم" انسي بغداد " لسمير الذي هو ايضا قطعة من ذاكرتنا، نرشحه للحصول علي جائزة مسابقة السينما التسجيلية في المهرجان، لانه يقدم بحثا في الهوية والتاريخ، ويناقش اشكاليات اندماج المهاجرين ايا كانوا في المجتمعات الجديدة ان في اسرائيل اوفي فرنسااوفي استراليا، وهو يفضح نفاق اسرائيل الدولة الصهيونية التي تتشدق بالديمقراطية ومجتمع اليوتوبيا والمساواة الذي توفره للمهاجرين القادمين من انحاء العالم(أي عالم ؟) في ما تمارس يوميا ابشع انواع القتل ضد الفلسطينيين، ويدين سياسات التمييز التي تمارسها، واذ يعبرالفيلم عن كافة هذه القضايا بالصورة القوية الموحية، من خلال شهادات واقعية ومونتاج محكم يهتم بالتفاصيل، يجعلنا علي الرغم من طول الفيلم لانشعر ابدا بالملل بل نطلب المزيد..
ويعرض فيلم" انس بغداد " يومي الثلاثاء 8 يوليو في الثامنة والنصف مساء، والاربعاء 9 يوليو في السادسة والربع مساء في قاعة " فوروم دي زيماج " في حي الهال مترو: لي هال شاتيليه
لاتدع فرصة مشاهدة" انس بغداد" تفتك اذن، ومبروك علي باريس مهرجانها السينمائي الجديد الوليد.
-------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق