الثلاثاء، نوفمبر 13، 2018

حصاد مهرجان " الشاشات الوثائقية " 22 في باريس. " أمل " محمد صيام و " حداثة " السينما المعاصرة بقلم صلاح هاشم

ملصق مهرجان الشاشات الوثائقية


أمل محمد صيام. أمل جمال تمثل شخصيتها بحميمية فائقة وشباب متمرد جامح في الفيلم

لقطة من فيلم باروكو غامض لليونانية ايفانجيليا كريانوتي

لقطة من فيلم " أمل " لمحمد صيام الحائز على ذهبية مهرجان قرطاج " التانيت الذهبي "لأحسن فيلم وثائقي طويل في مسابقة المهرجان

FESTIVAL
LES ECRANS DOCUMENTAIRES

حصاد مهرجان " الشاشات الوثائقية " 22 في باريس
في الفترة من 7 الى 13 نوفمبر 2018

 " أمل " محمد صيام و "حداثة السينما" الوثائقية المعاصرة

بقلم



صلاح هاشم

الى أي حد إستطاعت الأفلام الوثائقية الجديدة القادمة من أنحاء العالم، من لبنان وفلسطين ومصر وغيرها،والتي شاهدتها حديثا في مهرجان " الشاشات الوثائقية " 22 في باريس، أن تعكس إتجاهات الفكرالمعاصر للسينما الوثائقية،وتعرض لأبرز تياراته " الحداثية " الجديدة، وهي تجدد في " النوع " الوثائقي، وتطوره، وتتقدم به خطوة.. الى الأمام,,؟
عرض المهرجان من تنظيم جمعية سينمائية صغيرة في ضاحية أركوى كاشان في باريس في دورته 22 أكثر من 60  فيلما وثائقيا، توزعت على عدة محاور في المهرجان,,

 محور المسابقة، بمشاركة 8 أفلام، ومحور" السينما هي وطني " لتكريم بعض السينمائيين الكبار من أمثال الفرنسي " كريس ماركر " أحد أبرز المخرجين التسجيليين في العالم، ومحور" العرض الأول " الذي تعرض فيه بعض الأفلام الوثائقية الجديدة التي لم تخرج بعد للعرض التجاري..

 وكان من بين تلك الأفلام التي عرضت في المحور الثالث،وأثارت إنتباهنا بشكل خاص فيلم AMAL وثائقي طويل 83 دقيقة لمخرج مصري شاب إسمه محمد صيام، ظل يصور فيلمه لفترة تزيد على 7 سنوات،ويتميز الفيلم بـ " حميميته " الفائقة التي تشكل في رأيي أحد إتجاهات " حداثة " MODERNITY السينما الوثائقية المعاصرة، والتي تتوزع كما فهمتها وهضمتها من خلال مشاهداتي في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية، وبما في ذلك الأفلام التي عرضها المهرجان أيضا..

وتتوزع على 3 محاور..

محور أو تيار" الحميمية"، كما أحب أن أطلق عليه،الذي يهتم في السينما الوثائقية الجديدة بالانسان، ويغوص أكثر في سيكولوجيا " الداخل "،فيعرض لما هو أشبه بـ " السيرة الذاتية " لشخص أو مواطن ما، لكن على خلفية سياسية واجتماعية ، تجعل من الفيلم، في كليته الشمولية، أكثر من تأمل في ألم شخص، أو أنثي،أو " نوع "،
 بل تأمل في أكثر من ذلك، تأمل في ألم شعب بأكمله، سرقت منه ثورته، وأطاحت بحلمه في التغيير..

ويبرز في هذا المحورالحميمي فيلم" أمل" لمحمد صيام عن جدارة،ويصبح مثيرا للشجن والجدل، وأكثر منه فيلم يصبح " أداة تفكير " تتحقق معه وظيفة السينما الأساسية، لأنه يقدم من خلال الحميمية والألفة التي تجعلنا نتماهىمع بطلته،كشف حساب لما حدث في مصر، منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 ولحد الآن، و الأحداث الكبرى التي عصفت بالبلاد، ويشرح ومن دون أن يقصد كيف أكلت الثورة أولادها، وهويطرح سؤال " الهوية "..بدقة وأناة وصبر..

ومحور " الفيلم كتجربة شعورية وحسية" ويهتم أصحاب هذا التيار أن يتحول الفيلم كله الى" دفقة شعورية وجمالية كبيرة" تهزنا وتذهب الى ما هو أبعد وأقوي من قصة الفيلم وموضوعه وحبكته، ويبرز في هذا الإطار، ويمثل هذا التيار الحسي هنا ضمن الأفلام التي عرضها المهرجان في دورته 22 فيلم " بوروكو غامض "الرائع للمخرجة اليونانية إيفنجيليا كرانيوتي





 التي سحرتنا بفيلمها OBSCURO BARROCO الذي  يبحث في " هوية " الثقافة البرازيلية المتعددة الاثنيات والأعراق والثقافات ومدينة ريو دي جانيرو والغابة الاستوائية الامازونية، ويترك الكلام لفنانة برازيلية مثلية إمراة في جسد رجل تحكي ن علاقتها بجسدها والمدينة البرازيلية العملاقة، ويلتقط امتدادات فن الباروك الذي نشأ في البرتغال وهو يزرعنا في قلب كرنفال ريو دي جانيرو الصاخب، ليكون الفيلم في شموليته الفنية، أشبه مايكون بطقس روحاني ، بشريط صوت رائع، يجعلنا نغوص في داخل تلك الثقافة البرازيلية التي تلطشنا  في ماوراء القناع الخارجي بعنفوانها وسحرها
 وحسنا فعل المهرجان عندما دعا إيفانجيليا للقاء خاص مع الجمهور تحكي فيه عن تجربتها وتعددمواهبها الابداعية، حيث تشتغل على عدة فنون السينما والفيديو والفوتوغرافيا في أن ..
ومحور "دعنا ننسي " الواقع" ونحلم بـ " عالم افتراضي "، دعونا نصور واقعا افتراضيا ونجعله ممكنا

فلسطين بلد من الكلمات في فيلم ماتييس بوب، كيف تتخيل فلسطين التي لم ترها قط من قبل في حياتك ؟

ونصور الجنة التي نحلم بها، فماذا لو تحررت  فلسطين مثلا،و سمح لنا نحن سكان معسكر شاتيلا في لبنان من اللاجئين بالعودة الى وطننا، كيف ستكون فلسطين هذه إذن التي لم نرها قط في حياتنا؟
 وهذا ما يأتي على لسان الشباب الفلسطيني الذي ولد في الغربة وداخل المعسكر في فيلم "وطننا بلد من كلام " OURS IS A COUNTRY OF WORDS" للمخرج الفرنسي ماتياس بوب ، وهذا التيارهو دعوة لتحرير الخيال في السيما الوثائقية ، والتخلص إن صح التعبير صح التعبير من قيود الجاذبية الأرضية..


لقطة من فيلم " أمل " لمحمد صيام الحائز على جائزة " التانيت الذهبي " قي مهرجان قرطاج

يبرز فيلم AMAM" أمل " على مستوى تيار " الحميمية " ببساطته ومصداقيته، وتميزه الفني، حين يروح يحكي لنا ببراءة، حكاية بنت مصرية غريبة وعفريتة وذكية ،ومتمردة وثورية، ولايتعدى عمرها الـ 13 ربيعا ، ومع ذلك فهي تتصرف بحريتها,,

 فتدخن مثل الكبار البالغين، وتشارك في الاعتصامات و المظاهرات، وتلعب الكرة مع الصبيان في الشارع، وتتعرض للضرب وشد شعرها، وجرجرتها من قبل الشرطة في قلب المظاهرات، ولايعلم أحد لماذا تتصرف بحريتها كما لوكانت غلاما أو صبي، هكذا يراها الفكر السلطوي الرجولي المتخلف، حيث لايليق بفتاة في مثل عمرها وجنس النساء عموما أن يتصرفن بحرية في مجتمعات خلقت للرجال والهيمنة الذكورية ..
..

 لكن أمل تأسرنا بشقاوتها، وخفة دمها،وتوحشها الفطري، وثورتهاعلى أوضاع الخضوع والخنوع، وبمرور الوقت، ونحن نتابع أحدث الفيلم،نرى أمل تكبر حتى تصير شابة عمرها 21 سنة، و تدخل أمل ونحن نتابعها سنة وراء سنة،تدخل عملية تحول، وتصبح بكيمياء الفن المدهش، وبراعة المخرج محمد صيام، رمزا للحرية، والرغبة في التغيير..
تنحاز أمل في الفيلم الى " وصية " الأب الذي يمثل في الفيلم تيار الحرية، حيث يعي الأب أيضا في الفيلم أن أمل سوف تستفيد مستقبلا من الأفلام التي يصنعها لها الأب في عيد ميلادها وتبرز هنا  قيمة " السينما في حياتنا، حين تحافظ تلك الأفلام لأمل على تاريخها وذاكرتها وتحميهما من الضياع ، وهل يمكن أن أن يستشرف المرء المستقبل، إلا من خلال بعث الماضي في كل لحظة والتعلم من دروسه ؟..

في حين تمثل أم أمل " في الفيلم " التيار المحافظ الرجعي،الذي يخاف من مشاركة ابنائه في المظاهرات،بل ولايريد، فليس من مصلحته طبقيا تغيير الأوضاع،واعلان التمرد والحرب على الظلم والفساد وجبروت السلطة، وتشجيع الشباب على أوضاع البلد المتردية، بعد أكثر من ثلاثين سنة من حكم الرئيس مبارك البوليسي العسكري الاستبدادي,
فيلم " أمل " يقدم نموذجا وثائقيا متقدما للسينما الوثائقية في علاقتها بالتاريخ والذاكرة، حين يجعل من التحديق في مصيربنت مصرية شابة، فرصة ثمينة، حتى لو لم تكن تخطر على صاحب الفيلم المخرج ذاته، وبوعي منه أو بدون وعي، لتقديم كشف حساب، ربما يجده البعض صادما ومريرا، لثورة 25 يناير المصرية، لكن يقينا هو كشف حساب متأمل وذكي، ولاتنقصه " المصداقية "والتميز والإجادة،


المخرج المصري محمد صيام مخرج فيلم " أمل "

 كشف حساب يحافظ على ذاكرتنا وتلك الفضائل العظيمة التي يفاخر بها الإنسان من الاندثار والضياع، وهو يقربنا أكثر من إنسانيتنا..

فيلم " أمل " الذي منعت السلطات والرقابة عرضه في بلده مصر، شارك في مهرجان " الشاشات " الوثائقية 22 في الفترة من 7 الى 13 نوفمبر، وحضر مخرج الفيلم  محمد صيام المهرجان قادما من تونس،ليبلغنا بالنبأ السعيد ، الا وهو فوز فيلمه بجائزة " التانيت الذهبي "لأحسن فيلم وثائقي في مسابقة مهرجان قرطاج الأخير،والتي استحقها فيلمه، لكل تلك الأسباب التي ذكرناها أنفا، وجعلته  من أفضل انتاجات السينما الوثائقية في الخمس سنوات الأخيرة في مصر،
ويستحق بتميزه الفكري والفني المشاهدة وعن جدارة،
 فترقبوه..




صلاح هاشم








ليست هناك تعليقات: