الجمعة، مارس 16، 2018

تطوراساليب وفكر السينما الوثائقية المعاصرة بقلم صلاح هاشم ( 1 من 3 )



تطور أساليب وفكر السينما الوثائقية المعاصرة 
( 1 من 3 )


بقلم
 صلاح هاشم


مقدمة :

ماهي أبرز اتجاهات أساليب وفكر السينما الوثاقية المعاصرة ؟
قبل الاجابة في هذا البحث السينمائي عن الاجابة ومن واقع مشاهداتي ومتابعاتي للفيلم الوثائقي في المهرجانات التي تعقد لهذا النوع في فرنسا، تعال نلقي  نظرة على احد أهم مهرجانات هذا النوع  في العالم بل وسيد المهرجانات الوثائقية في العالم وأعني به مهرجان سينما الواقع في باريس الذي  يعقد دورته القادمة الأربعين في مركز جورج بومبيدو - الذي يعتبر الآن أحد أهم المزارات السياحية في عاصمة النور بل لقد صار يستقطب اليه - وبمعماره المميز- من الزوار أكثر من متحف اللوفر بل ويتفوق عليه



تطور فكر وأساليب السينما الوثائقية المعاصرة

( 1 من 3 )

اطلالة على مهرجان سينما الواقع في باريس


سيد المهرجانات يطفيء 40 شمعة في دورته الجديدة
 ويقدم كشف حساب لثورة مايو 68 في فرنسا والهند وفلسطين
المهرجان يعرض أكثر من 150 فيلما تم اختيارها من بين 30000 فيلم من 135 دولة



مهرجان " سينما الواقع  -CINEMA DU REEL - من تنظيم  المكتبة العامة في مركز جورج بوبيدو الثقافي في باريس، الذي يحتفل بمرور أربعين عاما على تاسيسه والذي تعقد دورته الجديدة في " بوبورغ "الصرح الثقافي الفرنسي الكبير في وسط عاصمة النور- في الفترة من 23 مارس الى 1 ابريل، هو " سيد مهرجانات السينما التسجيلية في العالم " ومن دون جدال..





  
إذ ينظم المهرجان أربع مسابقات للأفلام الوثائقية( المسابقة الدولية،مسابقة الفيلم القصير ، المسابقة الفرنسية ، ومسابقة أول فيلم "، ويعرض منذ أكثر من أربعين عاما لانتاجات السينما الوثائقية في العالم – أكثر من 140 فيلما كل سنة - ليكون بمثابة رحلة سنوية في قلب  مشاكل عصرنا، وتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية بكوراثها وتلوثها وحروبها، وهو يسلط في ذات الوقت - حين يكشف عن مواهبها السينمائية الجديدة-  يسلط الضوء على تطور أساليب وفكر السينما الوثائقية في العالم..

  ثورة 68 في فرنسا وتأثيراتها في فلسطين

حيث أن القيمة الكبري لمهرجان سينما الواقع في باريس - الذي أتابع وأكتب عن أعماله منذ أكثر من ثلاثين عاما- تكمن في انفتاحه ومنذ تأسيسه على كافة أشكال الفيلم الوثائقي،- لايهم كم يستغرق عرض الفيلم، ولايهم ما هو موضوعه - ، ومن دون تمييز ين فيلم تم تصويرة بالهاتف، أو فيلم تم تصويره بكاميرا ديجيتال رقمية أو فيلم صور بكاميرا سينمائية وباستخدام شرائط الفيلم الخام" البيليكول "، كما يمكن لمخرج الفيلم أن يناقش في عمله اي قضية، ويحكي عن أي موضوع حميمي أو هم مجتمعي..





 ولذا نجد أن الأفلام الوثائقية التي يعرض لها مهرجان سينما الواقع في مسابقاته الأربعة تكون اقرب الى أفلام " سينما المؤلف" التي تكشف من خلال التقيب والبحث والتفتيش في واقع ما ، شخصي أو مجتمعي، عن " رؤية " و " موقف " من العالم، وبذلك تحقق للسينما وظيفتها الأساسية كونها " أداة " للتأمل والتفكير أساسا في واقعنا، وليست مجرد وسيلة للترفيه ،أو بضاعة تجارية في ورق سوليفان، للاستهلاك السريع، مثل شطائر الهامبورجر.. فحسب..

كما يحسب للمهرجان من خلال خياراته،اهتمامه ومنذ تأسيسه، بالأفلام التي تعالج موضوعات " التاريخ " و " الهوية " و " الذاكرة " و " التراث "وتتواصل معها من خلال طرح واقع ما، ولعل أحد أبرز محاور المهرجان في الدورة الجديدة، محور بعنوان " من أجل سنة 68 أخرى " لمناقشة الانجازات التي حققتها ثورة مايو 68 – ثورة الطلبة -  في فرنسا من خلال استعادة" ريتروسبكتيف " لمشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية التي صنعت عن تلك الثورة من جديد، وتقديم " كشف حساب لها..

 كشف حساب لاينظر فقط الى الثورة على اعتبار أنها أحد الأحداث الفرنسية التاريخية  الكبرى التي عاشتها البلاد،ويجب الاحتفال بها كل سنة، بشكل طقسي، بل ينظر اليها ك ـ " طاقة إبداعية " تفجرت على كافة الأصعدة،وامتدت تأثيراتها الى خارج فرنسا،الى الهند وأمريكا وفلسطين وغيرها، ويعرض المهرجان للأفلام التسجيلية التي تكشف عن ذلك، من خلال أكثر من 150 فيلما تم اختيارها من بين ثلاثين ألف فيلم، وصلت الى ادارة المهرجان من أكثر من 135 دولة من أنحاء العالم 

         الحلم تحت مظلة الرأسمالية

وتتوزع فعاليات وأفلام وأنشطة الدورة الأربعين - بالاضافة الى مسابقات المهرجان- بمشاركة عربية لبنانية واحدة بفيلم " أقارب متوحشون " 65 دقيقة للفنانة التشكيلية والمخرجة جومانا مانا من لبنان  في مسابقة " أول فيلم " – تتوزع على عدة محاور:

 محورالمسابقة الدولية :

هي أبرز محور في كل دورة وقد سبق لأفلام عربية الفوز بجائزة من جوائزها مثل فيلم " 5 كاميرات محطمة"  لعماد برنات من فلسطين، ويمكن من خلال عرض أسماء بعض أفلام المسابقة معرفة القضايا التي تطرحها مثل فيلم للفرنسية صوفي برونو –يستغرق عرضه 63 دقيقة – وعنوانه " الحلم تحت مظلة الرأسمالية " وفيلم " كينشاسا ماكمبو " للمخرج ديودو حمادي من جمهورية الكنغو ويستغرق عرضه 74 دقيقة، وفيلم " سؤال أو سؤالين فقط "237 دقيقة للمخرجة كريستينا كونراد من الاورجواي.ويشارك في المسابقة الرسمية 11 فيلما من الصين وفرنسا واستراليا وامريكا ورومانيا والمكسيك وغيرها.

     شنسوكي أوجاوا وغابة القمع


محور التكريمات في الدورة 40 :
  
تكريم المخرج الياباني الكبير شنسوكي أوجاوا( من مواليد 1936 وتوفي في 1992 ) ومجموعة العمل " اوجاوا برو" التي اسسها، فقد حقق مع مجموعته مجموعة كبيرة من الأفلام التسجيلية التي توثق لليابان وأوضاعه بعد الحرب العالمية الثانية وكان لتلك الأفلام تأثيراتها في تطوير فكر وأساليب الفيلم الوثائقي في قارة آسيا كلها، وعكست الانقلابات التي شهدتها اليابان على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فترتي الستينيات والسبعينيات، كما طرحت العديد من التساؤلات المهمة بشأن نظرية الفيلم وطبيعة وهوية السينما السياسية الجماعية..
ويعرض المهرجان لبعض الأفلام من تنفيذ مجموعة" أوجاوا برو " صورت ثورة مايو 68 في اليابان التي الهبت خيال وفكر طلاب الجامعات اليابانية ، مثل فيلم " بحر الشباب " من انتاج عام 1966 وفيلم " غابة القمع " انتاج 1977

محور " بين بين " ..

يعرض بعض منشآت الفنانة التشكيلية تاسيتا دين ( من موالد 1965 ) التي تتنقل في اعمالها الفنية بين السينما وبين الفن المعاصر كفنانة تشكيلية- وسبق للمهرجان تقديم الفنان اللبناني أكرم زعتري الذي يجمع بين العمل في الفوتوغرافيا وفي حقل السينما في دورة المهرجان عام 2016 في هذا المحور.
وتناقش أعمال الفنانة تاسيتا دين  "حقيقة"اللحظة التي نعيشها الآن،وتطرح تساؤلات على " الزمن " و " النور " و " الذاكرة " وقد شاركت في تأسيس جماعة للحفظ على الأفلام التسجيلية التي صورت بشرائط سينما خام من مقاس 16 و35 مم، وليس بواسطة كاميرات الديجيتال الرقمية الحديثة، ويعرض المهرجان لمجموعة من أفلامها وأعمالها الفنية ويحتفي بحضورها الدورة 40 

كما ينظم المهرجان معرضا للفنان الأمريكي ليل آشتون هاريس ( من مواليد 1965 في نيويورك ) والمعروف انه يشتغل ومنذ أكثر من عشرين عاما على موضوع العلاقة بين ماهو " حميمي " و ماهو " سياسي " في أعماله الفنية ، سواء كانت أفلاما أو منشآت تشكيلية، ويجعلها مزيجا من التصوير والرسم والفيديو، والممارسة الفنية ذاتها وفنون العرض..


        خارج جدران بوبورغ :عروض في الضواحي والسجون




وينظم المهرجان عدة ندوات من ضمنها ندوة عن " المعطيات الجديدة" في السينما الوثائقية بمشاركة مخرجين ومنتجين وموزعين، كما يصدر في الدورة 40 التي تترأسها اندريا بيكار – ANDREA PICKARD  مديرة المهرجان الجديد، كتابا بعنوان " ماهو الواقع ؟ " ويجيب على السؤال في الكتاب مجموعة كبيرة ليس فقط من المخرجين بل الفنانين من كافة المدارس والاتجاهات..

ولعل الفضيلة الكبرى ربما لمهرجان سينما الواقع في باريس تكمن في انه مهرجان " متنقل " و " مسافر " مثل الحصان الشارد، لانه يعرض بعض افلامه خارج قاعات العرض في مركز جورج بومبيدو، ويجعلها هكذا تتنقل وتسافر بين القاعات السينمائية في ضواحي باريس- كما في قاعة " جان فيلار" في ضاحية اركوي، وجامعة السوربون الجديدة 3 وبعض سجون باريس، ويوسع بذلك من دوائر المهتمين بالفيلم التسجيلي وعشاقه بين الجمهور من مختلف الطوائف والمشارب والأعمار ولايكتفي بالجمهور الذي يستقطبه لقاعات العرض في المركز ، بل يحمل أفلامه ويحقق الوظيفة الأساسية لأي مهرجان ، أن لايكتفي بجمهور قاعة العرض في مقر المهرجان فقط ، بل يحمل أفلامه وينزل وأفلامه الى الناس، لتأسيس جمهور مختلف، وتربية " ذائقة " جديدة، تضع عين على انتاجات السينما التسجيلية الحديثة الفن ، وعين على هموم الواقع  الجديد  المعاش..


( يتبع .. )


 صلاح هاشم






ليست هناك تعليقات: