الثلاثاء، فبراير 27، 2018

عندما كانت مصر ترتدي الميني جيب بقلم يسري حسين في مختارات سينما إيزيس



مختارات سينما إيزيس



عندما كانت مصر ترتدي الميني جيب

بقلم

يسري حسين



تنويه

الكاتب المصري المتميز يسري حسين يكتب من لندن عن هوية مصر عندما كانت ترتدي الميني جيب.. وكانت لها " الريادة ".. وسبق " التقدم " ، ثم عندما خلعته وارتدت النقاب ، وفقدت بالتالي ريادتها، وهبطت الى مستنقع الجهل والتخلف،و " الاختفاء " التدريجي " تحت التراب. رصد ثاقب ومؤثر للتحولات الاجتماعية في مصر على خلفية تاريخية ، وطموح كبير وأصيل، في أن تعود الى مصر ذاكرتها المفقودة وتتجاوز محنتها
..
صلاح هاشم
مؤسس ومحرر سينما إيزيس


***



كانت مصر وهي ترتدي الميني جيب في الستينيات أكثر رقيا وتقوي ونظافة وحضارة من مصر الراهنة في ظل النقاب الأسود المخيف الذي يدافع عنه ياسر برهامي بشراسة لأصراره على اعتقال المدنية المصرية وإجهاض مسيرة من الرقي والتحضر استمرت عقب ثورة ١٩ ،التي استردت الروح الوطنية من قيود الأستبداد في ظل دستور وجامعة وحياة جديدة ،تتمثل في تحرير النساء من عبودية ارتبطت بوجود الوطن نفسه أسيرا لأستعمار وقصر استبدادي.
وكانت هدى شعراوي ألقت بحجابها في الشارع خلال الثورة ،لأنه رمز العبودية التي فرضها المستعمر وأعوانه من المصريين ،ورجعية غارقة في الظلام. وعندما سرق الإخوان ثورة مصر الأخيرة تجرأ السلفيون الأشرار للطعن في هدى شعراوي رمز حرية المرأة المصرية.
كانت الستينيات مساحة قوة المجتمع ،مع بناء المصانع والجامعات وارتفاع نسبة تعليم الفتيات،وظهور مرأة جديدة عبرت عنها رواية إحسان عبد القدوس (أنا حرة) عاكسة للثقة والأمل في مصر غير مقيدة بأستعمار أو رجعية وتخلف.
المرأة الجديدة المتعلمة والمثقفة ظهرتعلى شاشة التلفزيون عبر جيل ليلى رستم وسلوى حجازي وأماني ناشد ،لم يكن محجبات ولا يتخفبن خلفه وإنما متحررات بالعلم والثقافة ويتبهاين بحرية سمحت بالمساواة والرجل مثل المرأة في الحقوق والواجبات وأنها ليست عورة وصوتها ليس كذلك بدليل أن مصر تستمع لأم كلثوم التي كرمها الملك فاروق وعبد الناصر واتفق الملكيون والجمهوريون على حب تلك المطربة وصوت مصرالمتألق بالثقة والحب.
النكسة العسكرية جاءت بالهزيمة وانكسار الروح ،فوثب دعاة التخلف إلى الإعلام والصحافة ،وعندما جاء السادات إلى الحكم وعارضه اليسار اتجه بكل قوة الدولة نحو يمين عفن متخلف روج للهزيمة واستثمارها لبث الشعور بالهوان وضرورة التخفي،ومع انتصار أكتوبر أطلق السادات قوى الشر والإخوان وسلفية غارقة في ماضي دورن أدراك روح العصر. وقد توقف التصنيع وساد الكساد وإصبح هم الدولة تنشيط جماعات العنف الجهادي وتولت اجهزة السلطة تمويل جماعات أبو الفتوح بالجامعة للقضاء على النشاط الطلابي من فنون وثقافة والسماح فقط لحضور الشيخ الغزالي للجامعة للهجوم على عصر عبد الناصر ونهضة مصر وفرض الحجاب والنقاب وتمرير ثقافة لا علاقة لها بالدِّين وإنما هدفها تكبيل الروح الوطنية وسجنها وسحب الثقة منها.
أعتمد هذا النشاط على كتاب سيد قطب( معالم في الطريق) وجوهره أن مصر كافرة ولابد لتأهيلها للإسلام برفض الدولة القائمة ومعاداة الجيش. وصل قمة هذا الحشد في أغتيال السادات ومحاولة قيام بانقلاب بالهجوم على مديرية أمن أسيوط الذي قاده عاصم عبد الماجد.
لم تلتفت دولة مبارك المترهلة لخطر تغيير مصر من دولة مدنية إلى إخرى تمهد الدينية ،وعندما صعد الإخوان للسلطة بدأت خطوات إعلان تلك الدولة،وكان مؤتمر التضامن مع سوريا بروفة تلك الدولة السلفية غير أن الشعب ثار لوجود كيان لايزال يحافظ على مصر كما عرفناها بغناء أم كلثوم وحرية أجيال من النساء ورجال يرتبطون بالعلم والمدنية والمنفتح على العصر.
كان شارع فؤاد إنجاز عصر الديمقراطية المصرية التي خرجت من معطف ثورة١٩بالمتاجر الراقية والمقاهي الجميلة ودور السينم والمسارح وصالات الملاهي المعبرة عن حرية السلوك وانفتاحه.
خلا ل تجولي في الشارع الذي كان ينبض بدور السينما والمحال الراقية،وجدت أثر الهزيمة التي لاتزال تعتقل الروح المصرية ، فقد أختفى رجال ونساء المدنية الحديثة وحل بدلا منهم سكان الريف بملابسهم وعاداتهم وسلوكهم الخشن الذي لم تمسه المدنية ،كما أن ثقافة الصحراء الوهابية ظاهرا للعيان في حجاب ونقاب ليس من إفراز العقيدة المصرية وإنما لبيئة اأخرى احتلت مصر يشهد على ذلك بنك فيصل الإسلامي الذي أحتل مكان ( شيكوريل) كما أن محلات ( الأمريكين) أصبحت مقاهي ريفية بعد الأستيلاء عليها من رأسمال قادم من صحراء الوهابية إلى مصر محمد علي والخديو إسماعيل.
استسلمت مصر المهزومة بالسادات إلى هذه الموجة التي غيرتها وسلبت منها وهجها الذي شاهده جيلنا وعاش في ظلاله وتربى على إبداعه.
أدرك إن الطبقات الثرية تبني مدنها بعيدا عن قاهرة الفقراء الأن ، لكن هناك واجب وطني لأحياء منطقة وسط البلد وأهم خطوة تحرير جروبي من ملكية الإخوان وفتح دور السينما المغلقة ومنع النقاب من دخول تلك المنطقة اذ مكانه العشوائيات لأنه قادم منها وليس من صلب نبض المدينة الرائعة التي لاتزال روحها تنبض برغم التراب ومخلفات الجهل وسنوات حكم السادات ومبارك وكارثة الإخوان التي خرجت من انكسارنا وشعورنا بالهزيمة ، وقد ثرنا على الإخوان وإمامنا مهمة ازالة آثار عدوانهم وعودة دولتنا المدنية وجوهرة التاج في قلبها منطقة وسط البلد التي تربيت فيها وشهدت جولاتي في مقاهيها ومسارحها وصالات الفن ودور السينما التي صنعت البهجة في حياتي.

ليست هناك تعليقات: