الخميس، أبريل 26، 2012




لماذا سيكون الحضور المصري في مهرجان كان 65

 الأكثر تميزا؟

الأربعاء 25 إبريل 2012 14:59:00




                                                      
  صلاح هاشم - باريس



سوف يكون الحضور السينمائي العربي في الدورة القادمة (من 16 الى 27 مايو) من مهرجان "كان" متميزا والتي يحتفل فيها المهرجان أيضا بعيد ميلاده الخامس والستين.
ولا يقاس هذا الحضورالعربي يقينا بالكم والعدد، بل يقاس بالـ "كيف" الفني وخصبه وتنوعه في أقسام المهرجان الرسمي من جهة، والتظاهرات الجانبية المصاحبة مثل مسابقة الفيلم القصير، أو الموازية مثل تظاهرة "إسبوع النقاد" أو "نصف شهر المخرجين" من جهة أخرى.
ويبرز ذلك الحضور العربي من خلال مشاركات لأفلام من المغرب ولبنان وسوريا، ومشاركة المنتجة المصرية ماريان خوري في لجنة تحكيم مسابقة تظاهرة "إسبوع النقاد"، لكنه يشمخ بصفة خاصة في المهرجان من خلال الحضور السينمائي المصري أولا، ومن خلال اختيار فيلم "بعد الموقعة" للمخرج المصري المتميز يسري نصر الله للمشاركة في مسابقة المهرجان الرسمية، ويبرز ذلك "الحضور السينمائي المصري" بصفة خاصة في الدورة 65 لعدة أسباب.
 أولها أو من ضمنها، كونه يشارك بفيلم يسري في المسابقة الرسمية التي تعتبر "بؤرة" المهرجان، و في مركز القلب تماما، إذ تستقطب اليها كل الأضواء، وتسحب الاهتمام الأكبر لافلامها وصناع افلامها، ونجومها من قبل وفود "الاعلام العالمي" المتواجد في المهرجان وارسالياته. انها " بوابة " كان الكبرى، وقاعدة انطلاق الى النجومية والشهرة والمجد، وتستطيع أن تحول - بقدرة قادر- اي ممثل في اي من الافلام المشاركة في المسابقة حتى لو كان يمثل لأول مرة في حياته وغير محترف، تحوله الى نجم سينمائي في غمضة عين.

ولدوا في "كان"

ولذلك مازال بعض نجوم السينما مثل الامريكي جاك نيكلسون يعتبرون ان مشاركتهم بافلام في بعض تظاهرات المهرجان كانت سببا لاطلاق شهرتهم، ويحب نيكلسون بالذات في هذا الصدد أن يذكّر دوما  أنه "ولد في "كان "وانه أيقن أنه قد صار ممثلا عالميا فقط في المهرجان، حين عرض له فيلم "الراكب السهل" Easy Rider في إحدى التظاهرات الجانبية، فنيكلسون لم يضطلع بالبطولة المطلقة في الفيلم، لكنه مثل في مشهدين أو ثلاثة، لكنها كانت كفيلة بجذب الانظار اليه ، والاعتراف بحضوره كممثل واكتشاف موهبته.
إضافة الى أن المسابقة تحقق دعاية للفيلم المشارك الذي وقع عليه الاختيار، والبلد الذي ينتمي اليه الفيلم، والمخرج صانع الفيلم، وهي  دعاية لايمكن أن تقدر بثروة، ولا أظن أن جيل جاكوب رئيس المهرجان كان مغاليا في كلامه عندما قال مرة بأن الدعاية التي يحققها المهرجان لأي فيلم مشارك في المسابقة على وجه الخصوص وخلال فترة الـ 12 يوما (فترة انعقاد المهرجان) توفر على منتج الفيلم العمل - للدعاية للفيلم- لمدة 3 سنوات على الأقل، ورحلات سفر مكوكية مع الفيلم والدوران به في المهرجانات السينمائية العالمية ومحاولة بيعه في سوق الافلام التي تقام هنا وهناك على هامشها والمصروفات والنفقات التي يتحملها، ولذلك عندما تبلغ إدارة المهرجان منتجا ما بأن فيلمه قد وقع عليه الإختيار للمشاركة في المسابقة، من بين أكثر من 1500 فيلما تقدمت للمهرجان، فإنه يشعر في ذات اللحظة وكأن ثروة ضخمة قد هبطت عليه من السماء فجأة.. أو كأنه ربح ورقة يانصيب بمليون يورو في غمضة عين.
وسوف يكون هذا الحضور السينمائي المصري الأكثر تميزا في ساحة المهرجان ليس بالمشاركة "المصرية" في المسابقة الرسمية للمهرجان وحدها، بل بسبب آخر في رأينا الا وهو "الموضوع" المثير للفضول الذي يناقشه الفيلم المشارك ذاته، والاشكاليات التي يطرحها: أي "ثورة 25 يناير" المصرية التي استقطبت أنظار واهتمام العالم، وعرض لها فيلم في دورة " كان " الفائتة، وسوف يستمر الاهتمام بها دوليا في رأينا لفترة عقود.

   مصر، كيف حالك والألم ؟

 فالفيلم "بعد الموقعة" الذي لم نشاهده بعد، هو يقينا مثير للفضول بطبيعته، ويجعلنا نتساءل "بعد الموقعة" ماذا بعد؟ .. ونستطيع أن نستقرأ من خلال عنوانه فقط أنه ربما سيسأل عن مصر، وكيف حالها مع الألم وخيبة الأمل ومشاعرالاحباط وأمراض الكآبة التي انتابت واصابت كل المصريين، بعد ان انتهت "معركة الثورة" ثورة 25 يناير 2011 بالاستيلاء عليها من قبل العسكر واعادة تدوير وإنتاج نظام مبارك من جديد، وكأن الثورة لم تكن، وكأنك يابو زيد ما غزيت.
بل ان تميز الحضور السينمائي المصري سيكشف عن نفسه ايضا من خلال طبيعة الفيلم ذاته، وحضور "التفكير" المعاصر في السينما في الفيلم، وظهوره في شموليته أوكليته الفنية TOTALITEو"نسيج " الفيلم العام، انطلاقا من قناعاتنا بأن للفيلم عقلا مفكرا وليس مجرد طبخة أو "بضاعة" استهلاكية، بل "أداة  تفكير" وتأمل في واقع مشاكلنا الحياتية، بل وأداة تفكير أيضا في فن السينما ذاته، من أجل تحديثه وتطويره، بابتكارات "الخلق الفني" المدهشة، واختراع النظرة.
 ولأن القيمة الاساسية في السينما هي الحث على التفكير، في وقت ترفع فيه يافطة "ممنوع التفكير" على سوبر ماركت السينما وفي كل مكان في مصر، مع تجريم الحب. وقد يكون المخرج يسري نصر الله في الوقت الحاضر ومن واقع رؤيتنا لكل أعماله هو المخرج المصري الأكثر تميزا في المشهد السينمائي المصري، لأنه كما يظهر جليا لايكتفي في جل أعماله بـ " تصوير سيناريو" فقط لكي يصنع فيلما كما في معظم أعمال السينما التجارية المصرية التافهة الرثة التي هلكتنا، وعجلة انتاج الافلام والمسلسلات الهابطة المعادة المكررة التي لاتتوقف عن الدوران (هل هي مؤامرة أم ماذا، ومن المستفيد منها بالفعل ؟) التي أجهزت على البقية المتبقية من العقل المصري المفكر، ودفنته في التراب،حتي صرنا مسخا في بلادنا، وتغربنا داخل مجتمعاتنا.

 "بعد الموقعة" وسينما يسري نصر الله

بل يفكر نصر الله في كل لقطة ومجموع اللقطات التي تشكل مشاهد الفيلم و "يفكر" في الفيلم وهو يصنعه، ويشتغل عليه، ولأنه صاحب ثقافة سينمائية كبيرة وعجن السينما وخبزها بالبلدي ويجيد عدة لغات، ومطلع على انتاجات السينما العالمية من خلال حضوره ومشاركاته في المهرجانات السينمائية العالمية، لذلك تبدو أفلامه المصرية أقرب الى "الاستاندار" او المستوى السينمائي العالمي، إذ يهرب نصر الله من الانماط السردية التقليدية التجارية، ونماذجها الهابطة المنحطة في السينما المصرية "العقيمة".
 ويدلف بفيلمه الجديد الى سكة الحداثة، عبر "سينما المؤلف" التي يصنعها والتر ساليس في البرازيل، وبيلغ سيلان في تركيا، وعبد اللطيف كشيش في فرنسا، وفاتح أكين في ألمانيا، وجيم جارموش في امريكا، مع اختلاف درجات التكوين وطبيعة المجتمعات التي شبوا فيها ونضجوا، ثم راحوا من بعدها يعكسونها ويصورونها في أفلامهم لصنع "صورة" تشبهها.
ولولا أن تلك "الصورة" الأصيلة حتما في فيلم "بعد الموقعة" ليسري نصر الله قد ظهرت بشكل بارز وناضج ولافت للنظر في مرآة الفن، وحازت اعجاب المشرفين على اختيار أفلام المسابقة لأكبر وأشهر مهرجان سينمائي في العالم، وهم حفنة من عتاة النقاد السينمائيين، ونحن نثق تماما في أذواقهم وكفاءاتهم لما كانوا اختاروا هذا الفيلم  المصري الجميل الواعد للمشاركة في مسابقة تدخلها وياللهول حفنة من جبابرة المخرجين وأشهرهم في العالم من أمثال الفرنسي آلان رينيه والإيراني عباس كيارستمي والبريطاني كين لوش وغيرهم.

ليست هناك تعليقات: