الناقد صلاح هاشم على اليسار مع المخرج الامريكي الكبير سيدني لوميه
يرى أن التلفزيون
سرطان العصر ووباء العرب
الناقد صلاح هاشم :
وظيفة السينما أن
تقف ضد الظلم
أجرى الحوار: وارد بدر سالم
تصوير : علاء عبد المنعم
عن : مجلة " المرأة اليوم " العدد 219 السبت 14
مايو 2005
يكاد النقد السينمائي ينحصر
على عدد قليل من الكتاب العرب، وصلاح هاشم أحد هؤلاء القلة الذين يمارسون النقد
السينمائي على نحو فاعل، ولم يكن هذا الناقد عابرا على هذا اللون، إنما جاء إليه
من أوسع أبواب الأدب الحديث، إذ درس الأدب الانجليزي، وكتب القصة القصيرة وله منها
مجموعة قصصية " الحصان الأبيض "، وله كتاب في أدب الرحلات، كما أنه رأس
تحرير مجلة " الفيديو العربي" ويحضر الآن لإصدار مجلة " كراسات
السينما " وأخرج فيلما وحيدا بعنوان " كلام العيون " وشارك مؤخرا
في لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة أفلام الإمارات، وفي هذا الحوار يتناول معضلات النقد
السينمائي الى جوار معضلات السينما العربية .
·
كتبت القصة القصيرة ودرست الأدب الانجليزي، ثم اتجهت الى
كتابة النقد السينمائي حتى عرفت به على حساب الكتابة الأدبية ..فلماذا إنحزت الى
النقد السينمائي ؟
-
الكتابة عن السينما والترجمة عنها كانتا من اهتماماتي
منذ أن بدأت أكتب القصة القصيرة التي كانت جزءا من مناخ الستينيات في مصر،
والاهتمام بالسينما كان أساسا من طبيعة جيل الستيني بسبب ظهور الحداثة السينمائية
وسينما الموجة الجديدة في فرنسا، والأفلام التشيكية الجديدة التي خلقت جميعها نوعا
من التوهج الثقافي الذي أخذ يتفاعل مع كتابات هذا الجيل، كما ان " نادي سينما
القاهرة " الذي تأسس في سينما قصر
النيل قدم افلاما افلاما نوعية أثرى بها الأدباء، وكانت تلك التيارات السينمائية
تؤثر على كتابات ذلك الجيل لأنها جاءت بأساليب في فن السرد، واستفدنا كثيرا من تلك
التقنيات الحديثة التي وظفت في الكتابة القصصية، ومازلت أذكر الأفلام العظيمة التي
تركت تأثيراتها بشكل أو بآخر على جيل أدبي كامل كفيلم " روميو وجولييت "
– للمخرج الايطالي الكبير زفاريللي ، وفيلم " أمريكا أمريكا ابتسامة الأناضول
" للمخرج الأمريكي الكبير إليا كازان، وفيلم " 400 ضربة " للمخرج
الفرنسي الكبير فرانسوا تروفو وفيلم " على آخر نفس " لجان لوك جودار،
وفيلم " الصحراء الحمراء " للايطالي لنطونيوني، وهذه الأفلام الشوامخ
وغيرها وجهت الانتباه الى أهميتها التقنية وأسلوبها الحديث، ولابد أن أذكر هنا أن
جيلنا كان ينشر في جريدة " المساء " تحت إشراف الأستاذ عبد الفتاح الجمل
الذي كان يعشق السينما، وفتح أبواب الكتابة النقدية السينمائية لنا ..
·
ولكنك كنت في تلك الفترة تكتب القصة القصيرة وتدرس
الأدب، ولم يعرف لك نشاط سينمائي ..
-
كنت كاتب قصة قصيرة، وكنت قريبا من روح الشعر وأدرس أصول
الدراما كما درست الرواية على يد د. فاطمة موسى ودرست الأدب الانجليزي حبا في
شكشبير، فاللغة مفتاح للتعرف على الحضارات الأخرى، وهي سلاحي في معرفة الآخر،
وكانت مساهماتي السينمائية آنذاك من خلال ترجمة بعض الدراسات التي تهتم بفن
السينما خصوصا المونتاج، وكنت أنشر ترجماتي في مجلة " السينما " التي
كان يرأس تحريرها الأستاذ سعد الدين وهبة، وفي نفس تلك الفترة كنا نتابع ونقرأ
كتابات رءوف توفيق الناقد المصري الكبير في مجلة
"صباح الخير" ، وكل ما يكتب في مجلة " الكاتب "
الشهيرة التي كان يترأس تحريرها الأستاذ
أحمد عباس صالح، كنا نريد أن نتعلم ونجرب فهي فترة توهج حقة، وبهذا الاحتكاك،
وعندما كنت أدرس في الجامعة نشرت لي أول دراسة أدبية بعنوان " مقدمة في فلسفة
وأدب نيكوس كازانتزاكيس " نشرت في
عدد شهر اغسطس من مجلة " الكاتب " عام 1968 وكنت معجبا بذلك الأديب
اليوناني الكبير، وأنا من القلائل الذين قدموه الى العالم العربي، أما عن موضوع
السينما في تلك الفترة فلم تكن السينما الهوليوودية ذات حضور مهم، بعكس السينما
الأوروبية التي كانت تقدم أفلاما جادة وجديدة على صعيد كل شييء، وهي الفترة التي
شهدت فيها ظهور " الرواية الجديدة " التي قادها آلان روب جرييه وناتالي
ساروت وصاموئيل بيكيت ويونسكو، وأريد أن أخلص الى أن تلك الفترة كانت غنية جدا
ثقافيا وسياسيا وكان وقتها يتأسس مشروع جديد شهد انهيار النظام الناصري لظروف
معروفة وفي هذا الجو نشأت ..
·
هل كتاباتك النقدية محددة بمنهج معين .. ؟
لاتوجد كتابة غير منحازة،
وكتاباتي تنحاز الى الوجه الإنساني والى الكرامة الإنسانية، فالسينما ليست لهوا
وتسلية، إنما هي أداة تفكير وتأمل في واقع مجتمعاتنا الإنسانية ومشاكلها ..
·
ما المهم في
السينما الآن .. ؟
ثمة مقولة للمخرج الهولندي
الكبير جوريس إيفانز .." ليس المهم أن يكون النهر طويلا أو عميقا لكن المهم
معرفة إن كانت الأسماك فيه.. سعيدة " ..المهم في السينما البشر الذين نصورهم
وماهى التساؤلات التي يطرحونها على أنفسهم ومجتمعاتهم، وكيف يفلسفون حياتهم ؟
السينما هي أن نفكر ونسأل لا
كما يطرحه التلفزيون من فقاعات
التلفزيون هو سرطان العصر
ووباء هذه المنطقة من العالم. السينما الهوليوودية تصنع الوهم، هذا الوهم اسمه وهم
الفرجة ، وهم الاستعراض، السينما فن الابهار البصري، والسينما الهوليوودية عبارة
عن طبل وزمر، وزفة..
·
وماهو البديل
لكل ذلك .. ؟
تأسيس ثقافة سينمائية حقيقية،
وإيجاد مناخ ثقافي حضاري نتساءل فيه من نحن ؟ ماذا أنجزنا ؟ ماذا حققنا ؟ ماذا
أضفنا ؟
ماتزال السينما عندنا فنا
مهانا، علينا أن نعرف تراثنا وتاريخنا وندرس العلاقات المضيئة في ذواتنا،ونطرح المزيد
من الأسئلة، علينا أن نعرف تاريخنا حتى نتعلم
السينما ليست صناعة وحرفة
فحسب، بل هي فن، وعلينا أن نعرف ماهي أبجدية هذا الفن، السينما تؤلف الكلام
وتخترعه من خلال صورة + صورة
السينما تصنع في لحظات الصمت
بين لقطة وأخرى، بين لقطة مع وأخرى ضد ، الشييء واللاشييء..
·
هل نتوقف عند السينما العربية الآن بضوء هذا الفهم
النقدي ؟
أحب السينما التي أجد فيه
استكشافا وقراءة للواقع، وظيفة السينما الأساسية أن تقف ضد الظلم في العالم، ليس
من شأن السينما أن ترفع شعارات، لكنها يجب أن ترفع من مستوى حياة الروح والتأمل
الفلسفي في الواقع الذي نعيشه ..
·
هل الفيلم
السياسي معني بهذا الطرح .. ؟
اي
فيلم هو سياسي بالنتيجة، وأي فيلم يحارب الظلم ويحترم الانسان هو فيلم سياسي،
والفيلم الذي يحكي عن زعيم سياسي أو رئيس، ليس بالضرورة أن يكون فيلما سياسيا،
الفيلم السياسي هو الفيلم الذي يحكي عن تناقضات مجتمعاتنا الانسانية ..في قلب
العملية الاجتماعية..
·
ماهي أبرز إشكاليات السينما العربية في رأيك ؟
خذ
السينما المصرية على سبيل المثال هناك مشروع لتخريبها من خلال هيمنة المؤسسات
المصرية عليها انتاجا وتوزيعا، والسلطة عندما تتدخل لاتترك اي هامش لصناعة
سينمائية حقيقية، لأنها لاتطرح التساؤلات
الأساسية تساؤلات اللحظة الراهنة وتساؤلات الواقع، كما ان السلطة تصادر المبادرات
الفردية وتشتري الضمائر، لذلك ارى أن الثقافة لايصنعها إلا المبدعون ولا تصنعها
الدولة أو الجهاز السياسي
وهنا
لابد أن أطرح نقطة مهمة تتعلق بأرشيفنا السينمائي، فهل ياترى من المعقول يكون
لدينا ستة آلاف فيلم جميعها غير مؤرشفة ؟
ماذا
تتعلم الأجيال اللاحقة ..
السينما
ليست فقط تعليم تقنيات والتقاط صور سينمائية، إنها تأسيس معرفي وثقافي وتاريخي
وحضاري، وظيفة السينما أن تجعلنا نقترب أكثر من إنسانيتنا، نصبح أكثر إنسانية في
سلوكياتنا، وأكثر تحضرا ..
·
يطرح الآن مفهوم
" السينما الشعرية " فهل من وقفة نقدية عند هذا المفهوم ..
في
حياتي لم أسمع بهذا المفهوم، لكني أعرف أن السينما تصنع الشعر حين تؤالف بين عناصر
العمل الفني وتتأمل مكونات اللقطة السينمائية، لأن السينما هي جماع لكل الفنون.
لاتوجد
سينما شعرية لكن هناك سينما واقعية وسينما سريالية واخرى تجريبية وغيرها سياسية
النظام
الهوليوودي هو الذي خلق الأنواع السينمائية، والشعر في السينما يكون داخل الصورة
المتكونة من "رؤية " شاعرية قوية ..
·
ما مكونات السينما العالمية الجديدة ؟
السينما في العالم تتقدم
وتخطو خطوات كبيرة على مستوى طرح مختلف المشاكل والقضايا، والسينما الأسيوية في
الصين وتايوان وإيران تبرز بشكل لافت للنظر لأنها تهتم بالتاريخ والذاكرة والتراث
وعلى السينما العربية أن
تتعلم من هذه النماذج المتقدمة/ والسينما الإيرانية تتقدم بخطى ثابتة وخير من
يمثلها المخرج عباس كياروستامي في فيلمه " طعم الكرز " الذي خطف به
" سعفة " مهرجان " كن " الذهبية ، والسينما العربية لاتريد أ،
تخطو مثل هذه الخطوات، وكأنها في عزلة رهيبة عما يحدث من تطور على مستوى السينما
في العالم، ولا تريد أن تتقن حضارة الكلمة والصورة، وعلى الشبان الجدد أن يتعلموا
القراءة الأدبية أولا ويبحثوا في اللغة ويدرسوا أسرارها ويكتشفوا أغوارها ..
فاللغة محيط وكنز من الأسرار
..قبل أن يتعلموا الصناعة السينمائية..
·
لك تجربة إخراجية واحدة في السينما من خلال فيلمك "
كلام العيون " غير أنك لم تكررها
" كلام العيون " هو
فيلم تسجيلي طويل انتقلت به من القصة القصيرة الى السينما من دون المرور بالرواية
..وكنت وقتها أدرس في جامعة فانسان في
باريس وهي من أشهر التجارب الاكاديمية الجامعية في العالم، وكانت تدرس الأفكار
الأساسية لمعظم الحركات التقدمية في العالم على مستوى البحث الأكاديمي ورؤية
السينما لها، وتدرس الفلسفة وعلم النفس لأنها متصلة مع كافة عناصر وروافد الحداثة،
ومع ذلك فهي جامعة " تجريبية "
وهذا الفيلم " كلام
العيون " يحكي عن صورة مصر كما يتمثلها ومتخيلة في أذهان المصريين المغتربين ،
الصورة " غير الرسمية " لتاريخ مصر، وأرد فيه على ادعاءت نظام السادات
على انتفاضة الخبز التي سماها النظام " إنتفاضة حرامية "
زكان همي أن أوجه المصريين كي
يبحثوا بأنفسهم عن أسلوب للخروج من الأزمة السياسية الخانقة، ولم يكن هناك غير
الاحتجاج ..
·
رأست تحرير مجلة " الفيديو العربي " وتحضر
الآن لرئاسة تحرير مجلة أخرى .. كيف ترى أهمية المجلة السينمائية ..
هناك حاجة لتأسيس هذه المجلة
أو تلك لإرساء دعائم الثقافة السينمائية الجادة والاطلاع على أحدث القراءات
السينمائية في العالم ، ونحن أقرب الناس في باريس تواصلا مع الحضارة اأوروبية ،
لذلك نريد التعرف على تلك الثقافات الفاعلة كالسينما الصينية المتطورة والسينمات
الارجنتينية والكورية، وعلينا أن نتعلم من حضارات الآخرين، نتعلم من حضارة السينما
- حضارة السلوك الكبرى في العالم - كما
أحب أن أسميها، فالسينما لم تعد " فرجة " ، بل " ثقافة " ،
وأداة تفكير وتنوير ، وتأمل أيضا في مجتمعاتنا الإنسانية، وهذه هي السينما التي
نحتاجها الآن في حياتنا ..
أجرى الحوار : وارد
بدر سالم لمجلة " المرأة اليوم "