أسرار وكواليس مهرجان " كان " السينمائي
في كتاب
تيري فريمو المندوب العام للمهرجان
كتاب
" الإختيار الرسمي "
لتيري فريمو
المندوب العام للمهرجان
بقلم
صلاح هاشم
صلاح هاشم يكتب
من باريس إن تيري فريمو وحده فعلها،إذ لم يحدث من قبل،ان نشر المدير الفني لأشهر مهرجان سينمائي في العالم ، ونعني به مهرجان
" كان" نشر مذكراته الشخصية في كتاب
ليحكي فيه عن كواليس وأسرار المهرجان،
وعشقه للسينما والأفلام..
من أهم الكتب السينمائية
التي صدرت حديثا في فرنسا كتاب
أي- الاختيار الرسمي
"SELECTION OFFICIELLE- سيليكسيون أوفسييل - الصادر عن دارنشر جراسيهGRASSET في باريس
في أكثر من 600 صفحة ،ومن تأليف تيري فريمو المندوب العام لمهرجان " كان "المسئول عن اختيار مايطلق عليه
بـ " قائمة
الاختيار الرسمي " وتضم عادة أكثر من ستين فيلما طويلا من أنحاء العالم، لم تعرض
من قبل، وتحظى وحدها، من بين أكثر من 1800 فيلم، بالعرض الرسمي في مولد مهرجان
" كان " الرسمي كل سنة، ويكشف عنها أنذاك ،في قاعات عرض قصرمهرجان كان على
شاطيء كورنيش " الكروازيت " ،في المدينة التي يحتضنها المتوسط الكبير..
وما يصاحب ذلك
من احتفالات ومراسيم وطقوس، تصبح في التو ولحظة وقوعها ..مادة لأكثر من 6 ألاف صحفي
وناقد من أنحاء العالم، وتعرض على شاشات التلفزيون
ويشاهدها الملايين من البشر..
حتى أن الطفل المولود في فرنسا ،كما كان يقول المخرج
الفرنسي الكبير فرانسوا تروفو وكما كان يحب
أن يردد، ينطق أسم مهرجان " كان"
هكذا، حتى قبل أن يعرف أن ينطق أسمه ، بعدما
صار المهرجان، الذي يحتفل بمرور سبعين عاما على تأسيسه في شهر مايو القادم، والذي أتابع
أعماله وأغطى دوراته منذ عام 1981،صار أشهر من الزعيم ديجول، و برج ايفل ، و "الباجيت "- رغيف
الخبز الفرنسي المحمص الشهير في فرنسا ..
لكن ماذا عن هذه
القائمة – قائمة "الاختيار الرسمي"-
البوتقة التي تنصهر فيها كل الأفلام من جميع الجنسيات – والتي يتم الاعلان عنها كل سنة في مؤتمر صحفي
في شهر ابريل من كل عام ، وماهوموقعها في الكتاب؟
يحاول تيري فريمو
المدير الفني للمهرجان - وهو أيضا مدير معهد لوميير في مدينة ليون ومخرج فيلم
" لوميير " الطويل الذي خرج للعرض حديثا في فرنسا، والمسئول وحده عن قائمة
" الاختيار الرسمي " OFFICIAL SELECTION-أن يعرض من خلال هذا الكتاب
الذي يأخذ شكل "المذكرات " و " الاعترافات " و " أدب الرحلات
"..
يعرض طبيعة عمله
في قلب المهرجان - قائد أوركسترا ملهم ؟ - ومهنته " الغريبة " التي يمارسها،
كراهب في معبد السينما، وأن يشرح آليات عمل ماكينة أهم وأشهر وأضخم مهرجان سينمائي
في العالم – ويمكن أن نقول هنا أن القيمة الاساسية لمهرجان كان تكمن في قدرته على تطوير
" الابداع "السينمائي في العالم، من خلال توظيف المهرجان بأفلامه في قائمة
" الاختيار الرسمي" وحفلاته ونجومه، وطقوس السير وصعود سلالم المهرجان فوق
السجادة الحمراء،لخدمة " سينما المؤلف "،على اعتبار انها أعظم ممارسة
لـ " حرية التعبير والابداع " في العالم -..
فهاهو فريمو، يتنقل في رحلاته المكوكية، من ليون
الى باريس ، ومن باريس الى روما ولندن وبرلين،و من برلين الى لوس جلوس، والهند والصين،
باحثا عن الافلام الجديدة، والمواهب السينمائية الشابةالواعدة، لكي يقدمها من خلال
قائمته – قائمة الاختيار الرسمي – التي تكشف في كل دورة عن اتجاهات السينما ، وعمن
سوف يصنع في العالم " سينما الغد " ..
ونكتشف من خلال رحلات تيري فريمو - والطريف انه كان بطلا من أبطال رياضة الجودو ،
وكان يعمل معلما و مدربا بعد حصوله على "حزام أسود " في تلك الرياضة وقبل
ان يلتحق بعدها للعمل متطوعا بمعهد لوميير،
لكنه انضم في مابعد الى قائمة العاملين في المعهد بأجر،بفضل المخرج الفرنسي الكبير
برتراند تافرنييه ..
نكتشف حكايات الوسط
السينمائي في العالم وأهله من السينمائيين والمنتجين والممثلين والمخرجين الأشهرفي
العالم.وفريمو لايخاطبهم هنا وعندما يلتقيهم بالسيد،وحضرة المحترم،بل بأسمائهم الشخصية
ومن دون افتعال ورسميات وتكليف، إن إن تعال يا وودي- وودي آلا ن المخرج الامريكي الكبير-
وخذ ياكين - كين لوش المخرج ، و اسمع يابن
- شين بن وغيرهم.ونتخيل بالطبع حجم الضفوطات المعنوية والنفسانية والسياسية التي يتعرض
لها من يحتل هذا المنصب السينمائي الهام، كرئيس لمهرجان كان - " الأمم المتحدة
" في السينما ؟ - أو رئيس " جمهورية
السينما " في العالم..
كما نكتشف على
أي أساس يختار فريمو قائمة " الاختيار الرسمي " ، وماهي المعايير التي يعتمدها
لاختيارمجرد ستين فيلما فقط من بين أكثر من 1800 أفلام من تعرض عليه كل سنة ، وهل يختار هذه المجموعة من الأفلام
- التي يحبس لها العالم كله أنفاسه اثناء الاعلان عنها في منتصف ابريل- وحده،أم بمساعدة مجموعة عمل-أهل ثقة -من النقاد،
تساعده في تحديد
للاجابة على التساؤلات
السابقة التي تكشف عن أسرار وكواليس اعظم وأشهر مهرجان سينمائي في العالم اخترنا الصفحات
التالية من مذكرات تيري فريمو الشخصية في كتابه ..
الأربعاء 27 مايو
2015
إسمي تيري فريمو،
وأنا المندوب العام لمهرجان " كان "، ومدير معهد لوميير، من مواليد سنة
1960 السنة التي أنتج فيها فيلم " على
آخر نفس " . ولدت في قرية تولان فور التابعة لاقليم ليزير " الذي لم اغادره
قط . كبرت في حي " مانجيت" في مدينة فينيسيو ،القريبة من مدينة ليون وعشت
أكثر من ثلاثين عاما في ذلك الحي،وأعيش حاليا في مدينة ليون التي اعود اليها دوما بعدما
عثرت فيها على أول عمل لي في معهد لوميير الذي
لم أتركه أيضا ومنذ ذلك الحين قط. أنا لا أغادر أو أترك ابدا، الأماكن التي منها جئت،وأحيانا
ارتبط بتلك الأماكن، التي تسمح لي طبيعة عملي بالتردد عليها، مما يخلق لي أحيانا مشاكل
في حياتي، وقد صار مهرجان "كان" كل حياتي
منذ فترة طويلة
طلبت مني الممثلة الفرنسية سابين أزيما أن أدون ملاحظاتي بخصوص كل تلك الأشياء التي
نعلم عنها كل شييء، أو لا شييء ايضا، بالمرة. أجل، كلا،أحيانا.حيث أن الوظيفة التي
امارسها ،تترواح مابين الافشاء - من ناحية الواجب الاعلامي- وبين الوعد الكتمان اي
عدم الافشاء، والصمت، في ذات الوقت..
وياله من فضل عظيم
حقا أن أشغل موقعا متميزا جدا كهذا
وأن أكون في آن
،المندوب العام لمهرجان كان، أضخم مهرجان سينمائي في العالم
على شاطيء الكروازيت في مدينة "كان " ،
ومدير معهد لوميير السينمائي- حيث ولد فن السينماتوغراف
- الواقع في شارع برومير فيلم - أول فيلم - في مدينة ليون
ولفترة طويلة ،
أجل، فكرت أنه لاجدوى، من التفاخر بذلك
الاثنين 8 يونيو
كتب الي كين لوش
- المخرج البريطاني الكبير الحاصل على سعفة " كان " الذهبية - يقول : عزيزي
تيري - كتب ذلك بالفرنسية - ارجو أن تكون بخير
،وتحاول ان تستريح. أحسنت بجد ،عندما طلبت من الناس في المهرجان ،بعدم اخذ صور شخصية
- سيلفي - لهم مع النجوم بتلك الطريقة الغبية..
يبدو انه لم يتبق
لنا سوى كرة القدم يا صديقي . ترى هل ستبدأ الثورات من ملاعب الكرة ؟ ارجو أن تكون
في ليون بخير. كل التقدير ،وخالص محبتي، والى اللقاء..
الاثنين 22 نوفمبر
في كل سنة، وعند
اختيار رئيس لجنة التحكيم الرسمية في المهرجان، يظهر اسم جودار، ويفرض نفسه علينا،وفي
كل مرة نتوقع
عودة مظفرة، للمخرج
الكبير الى مهرجان " كان "، وفي كل مرة ،يفرض " ظل " جان لوك نفسه
،كرئيس للجنة التحكيم . حيث أن المخرج الكبير جاك ريفيت ،يعاني الآن من مرض خطير، ولم
يتبقى من جيل الفرسان الخمسة، الذين شكلوا مايطلق عليه بـ " الموجة الجديدة
" في فرنسا سوى جودار، الذي يعد أكثرهم نشاطا ،وانتاجا وفعالية، لكنه ليس بالقطع
المخرج الكبير الوحيد الذي لم يترأس ابدا لجنة تحكيم المهرجان، بل ينضم الى مجموعة
من المخرجين السينمائيين الكبار في العالم، الذين لم يترأسوها ابدا ، مثل الروسي تاركوفسكي،
والايطالي فيلليني، والسويدي برجمان وغيرهم
وكما يقول المخرج
الامريكي كينتين ترانتينو " كم هي جميلة قائمة المخرجين الذين فازوا بسعفة مهرجان
" كان " الذهبية ، لكن الأجمل منها حقا قائمة المخرجين الكبار الذين لم يفوزوا
بها"وينطبق قوله هنا ،على قائمة المخرجين ،الذين لم يترأسوا لجنة التحكيم، ولو
مرة في حياتهم
الاربعاء 16 ديسمبر
بمرور الوقت، تصبح
مسألة اختيار رئيس للجنة تحكيم المهرجان أكثر صعوبة، ويكفي هنا لفهم خطورة وصعوبة مهمة
رئيس لجنة التحكيم أن نستعرض هنا قائمة المخرجين الكبار الذين قبلوا تلك المهمة: كينتين
ترانتينو عام 2004 وأمير كوستوريكا عام 2005 ووونج كار وي عام 2006وستيفن فيرز عام
2007 وشون بن عام 2008 وايزابيل ادجاني عام 2009 وتيم بيرتون عام 2010 و روبير دو نيرو
عام 2011 وناني موريتي عام 2012 وستيفن سبيلبيرج عام 2013 وجين كامبيون عام 2014 والاخوين
كوين في العام الماضي 2015 ، وفي كل مرة افكر مع بيير ليسكور رئيس المهرجان هل يمكن
أن نختار كاتبا او مصورا او مغنيا - مثل مايك جاجر من فرقة الرولينج ستون - من خارج دائرة السينما
، ليكون رئيسا للجنة التحكيم في المهرجان ؟
مثلا المغني العالمي مايك جاجر ، تعود على التردد على
المهرجان ،والتنقل بين قاعات المهرجان لمشاهدة افلامه، كما العازف رينجو ستار من فرقة
البيتلز ، والمغني البريطاني دافيد بووي، و كان الأخير أعلن لنا عن رغبته ،في أن يكون
عضوا في لجنة التحكيم الرسمية ، غير اننا - بيير ليسكور وانا - كنا نفكر دوما، اننا
لن نسمح ابدا لعشقنا لموسيقى الروك، أن يطغى على عشقنا للسينما، ولن نجعله ابدا يفرض
نفسه ،عند اختيار رئيس وأعضاء لجنة التحكيم الرسمية في المهرجان ، ولذا لن يكون مايك
جاجر، رئيسا للجنة تحكيم المهرجان، إلا.. في الحلم
في نهاية الغداء،
مع بيير ليسكور، وبعد ان رددنا بضع أسماء، وقع اختيارنا على المخرج الاسترالي الكبير
جورج ميلر، مخرج سلسلة ماد ماكس - ماكس المجنون - الطليعية المشهورة والذي حاز فيلمه
" ماد ماكس طريق الغضب " على اعجاب الجمهور الكبير وثناء وتقدير النقاد
الاثنين 14 مارس
بدأت عملية مشاهدة
الأفلام تنظم وتضبط إيقاع حياتنا، حيث اشاهد عندي في البيت كل يوم فيلما يكون الفيلم
الأول لمخرجه ، وأنا أتناول طعام الافطار،وعندما أصل الى مكتب المهرجان في باريس، تخصص
فترة الصباح لمناقشة وابداء الراي في الأفلام التي شاهدناها في اليوم السابق ومعرفة
ماتم بشأن المفاوضات الجارية مع أصحاب الأفلام من منتجين وموزعين وباعة وأحيانا مخرجين،..
مع الاسيويين في فترة ماقبل الظهر.. ومع الاوروبيين طوال فترة مابعد الظهر.. ومع الامريكيين
في فترة المساء ، ولا اعلم التحديد افضل الفترات بالنسبة للاستراليين ، كل ما اعلمه
ان جورج ميلر - المخرج الاسترالي الكبير - وافق على أن يكون رئيسا للجنة التحكيم، وهاتفني
ليسأل عن أحوالي : هل كل شييء على مايرام ياتيري ؟ ولم يصمم على أن يكون هناك ردا من
طرفي،أو أن ابلغه
ببعض أسماء، حيث أن الموافقة على رئاسة لجنة التحكيم في المهرجان، تتضمن قبول شرط أو
بند أساسي في الاتفاق، الا وهو أن لايتدخل رئيس اللجنة في اختيار اعضائها على الاطلاق،
فكل ماعليه أن يوافق فقط على الرئاسة، ومن دون معرفة من ستضم لجنة التحكيم من أعضاء،
يختارهم اثنان فقط كما جرت العادة: رئيس المهرجان بيير ليسكور مع تيري فريمو المندوب
العام للمهرجان
"حسنا"
قال جورج، ثم أضاف " لقد اردت فقط يافريموأن
أسأل عن أحوالك" ثم اغلق الخط ..
أثناء اختيار أفلام
الدورة الجديدة مع لجنة المشاهدة، نقسم فترة
مابعد الظهر الى قسمين : قسم نشاهد فيه الأفلام
الأجنبية اعتبارا من الساعة الواحدة بعد الظهر وقسم ثان نشاهد فيه الأفلام الفرنسية
اعتبارا من الساعة 6 مساء
ونحن نشاهد كل
تلك الأفلام في قاعة سينمائية داخل كهف كبيرتحت الأرض في شارع ايميلي في باريس حيث
يقع مقر المهرجان، وقد تم اعدادها بشكل كامل، لتكون قاعة عرض مكيفة ،ومجهزة بأحدث وسائل
وامكانيات العرض الحديثة، لكل أنواع الأفلام ،وبكل المقاسات ،وجدران القاعة مغطاة بالقطيفة
الحمراء، وتضم شاشة كبيرة جميلة ، طولها 5 أمتار، وصفين من الكراسي ، ويضم كل صف 6
كراسي
ويشرف عل العرض
باتريك لامي ،وهو عارض تقني ممتاز،و قادر على حل أية مشكلات تقنية أثناء العرض ،ومن
أي نوع، وبمرور الوقت طورنا معه إسلوبا رائعا
من الإشارات والعلامات في التخاطب ومن دون حاجة الى الكلام معه عبر الحاجز الذي يفصلنا
عنه في غرفة العرض، واحيانا نرى باتريك منغمسا
ومستغرقا معنا في مشاهدة فيلم ما وقد بدا عليه الاهتمام أكثر
مما تعودنا، بعد
ما يكون قد رفع مؤشر الصوت في الفيلم، ولذا تجدني، لا أهمل ابدا رأي باتريك لامي الشخصي
ايضا في الفيلم الذي يعرضه علينا..
الاربعاء 13 ابريل
أحيانا يسألني
البعض ،على أي أساس تختار أفلام قائمة " الاختيار الرسمي " - اكثر من ستين
فيلما من بين أكثر من 1800 فيلم كل سنة - فاقول
لهم على اساس شخصي بحت ،كما يفعل أي هاو من هواة الأفلام، على أساس الاحساس الرفيع
المرهف، والحدس ، وذلك العشق الذي يسكنك، وبعض أدوات قياس الرأي العام، والمزاج الشخصي.
في حين يعتقد البعض بأن هناك حزبا سريا يعمل على اختيار الأفلام في الخفاء ، ويمارس
علينا ضغوطاته وسطوته، ويظن البعض الآخر بأن الصداقة التي تربطنا ببعض المخرجين، هي
التي تتحكم في خياراتنا، في حين أن الواقع العياني المباشر يؤكد أن الهدف الأسمى الذي
نسعى وفي كل مرة الى تحقيقه هو : إختيار أفضل قائمة " إختيار رسمي" ممكنة..