الأربعاء، نوفمبر 30، 2016

مناقشة السينما الصينية في مهرجان القاهرة الـ38 بقلم صلاح هاشم في مختارات سينما إيزيس


مختارات سينما إيزيس


مناقشة السينما الصينية في مهرجان القاهرة السينمائي الـ38




 المخرج الصيني الكبير جيازانجكي يتحدث في الندوة عن ملامح السينما الصينية الجديدة




 بقلم


صلاح هاشم


 "حال النقد السينمائي" كان عنوانا لندوة عقدت في مهرجان القاهرة السينمائي الـ 38 لم يتسع وقتي لحضورها أثناء تواجدي في المهرجان، فقد كنت اتابع الافلام - اكثر من 204 أفلام، استقدمها المهرجان مع مخرجيها ونجومها لجمهوره المصري- من ضمنها باقة من روائع السينما العالمية الجديدة من الهند والصين ورومانيا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها وكان  المهرجان في دورته هذه قد أحضر من البلد الأخير فيلما سينمائيا باهرا شكلا ومضمونا بعنوان "لسنا وحدنا أبدا" للمخرج التشيكي بتر فاكلاف، شارك في مسابقة المهرجان، وكان من ضمن خمسة أفلام شاهدتها في المسابقة فاعجبني كثيرا جدا، وتوقعت حصوله على جائزة من ضمن جوائزها، وصدقت توقعاتي فقد فاز الفيلم بجائزة احسن إسهام فني، أما بقية تلك الأفلام التي شاهدتها في قسم المسابقة الرسمية، ومن ضمنها الفيلمان المصريان "يوم للستات" وفيلم "البر التاني"، فلم تكن تستحق الكتابة عنها على الاطلاق، بسبب تدني أو غياب مستواها السينمائي الفني بالكامل، على الرغم من "الزفّة" الدعائية الصاخبة التي صاحبت عرضهما بالمهرجان.

 لكني حرصت على حضور الندوة الرئيسية المهمة التي أقامها المهرجان للسينما الصينية الجديدة، التي أدراها بحنكة واقتدار وفهم عميق الناقد السينمائي المصري أمير العمري مؤلف كتاب" السينما الصينية الجديدة " وبمشاركة الناقد السينمائي الفرنسي ميشيل فرودون الذي كلف من قبل إدارة المهرجان بوضع كتاب عن السينما الصينية بعنوان " نظرة على السينما الصينية " وزع في المهرجان، ضمن مجموعة من كتب التكريمات الاخري القيمة مثل كتاب "سينما محمد خان.. البحث عن فارس" للناقد محمود عبد الشكور وكتاب "مقالات وأبحاث سينمائية" بقم الناقد المغربي الراحل مصطفى المسناوي.

الناقد الفرنسي ميشيل فرودون والناقد المصري أمير العمري مدير الندوة

 
 شارك في الندوة المذكورة أيضا المخرج الصيني الكبير جيا زانجكي وحضرتها د. ماجدة واصف رئيسة المهرجان، وعدد كبير من الصحفيين والنقاد والسينمائيين الصينيين ولم يحضرها أي صحفي أو ناقد سينمائي مصري للأسف إلا صحفية مبتدئة موفدة من قبل المهرجان لكتابة تقرير عن الندوة في النشرة اليومية، على الرغم من أن الندوة كانت كما ذكرت أهم ندوة في المهرجان بسبب اعتماد الصين وسينماها كضيف شرف في الدورة 38 ، ومحاولة رصد تاريخها السينمائي  الممتد لقرابة 125 سنة (عرضت أول صور متحركة في الصين عام 1896 وصنع أول فيلم تسجيلي صيني عام 1905) واتجاهاتها المعاصرة، وما رافق ذلك من احتفالات بالسينما الصينية في الدورة 38 على شكل عروض وندوات وتكريمات مثل تكريم المخرج جيا زانج كي ومشاركته في الندوة المذكورة.

 السينما الصينية الجديدة

 تحدث الناقد أمير العمري في بداية الندوة عن علاقته بالسينما الصينية التي بهرته منذ أن شاهد كما قال- فيلم "الذرة الحمراء" للمخرج جانج ييمو عام 1988 بمهرجان لندن السينمتئي، ثم تابعه أفلامها بعد ذلك من خلال مشاهداته في المهرجانات السينمائية العالمية مثل مهرجان كان و" فينيسيا وبرلين، إلى أن نظم قبل 14 سنة اسبوعا للأفلام الصينية التي تنتمي لحركة السينما الصينية الجديدة، وصدر وقتها كتابه "السينما الصينية الجديدة". وقد عرضت الأفلام في القاعة المجاورة لقاعة الندوة بالمجلس الأعلى للثقافة، وكانت تتم مناقشات الأفلام بها يوميا.

 وذكر العمري انه مع بداية الجيل السينمائي الخامس – الجيل الذي ولد بعد عام 1949 – بدأنا ".. نشعر بسينما صينية أخرى مغايرة تجذبنا وتشدنا إليها بعد أن تخلصت من ملامح السينما الصينية القديمة- سينما الشعارت ذات الطابع التعليمي-  في أفلام صينية حديثة مثل فيلم "الذرة الحمراء " لجانج ييمو الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 1987 وفيلم "العيش" للمخرج نفسه، وفيلم" وداعا خليلتي" لتشين كايجي.. وغيرها، ونوه العمري بأن الندوة ستناقش مجموعة من القضايا والأفكار المهمة المرتبطة بالسينما الصينية، حيث أنه في ظل الازدهار الاقتصادي الذي تشهده الصين حاليا لا نعرف طبيعة المؤسسات التي تنظم الحركة السينمائية في الصين وممارساتها حيال قضايا التعبير عند المخرجين والمبدعين السينمائيين الصينيين.

ثم قدم العمري الناقد الفرنسي الكبير ميشيل فرودون رئيس تحرير مجلة كراسات السينما "كاييه دو سينما " السابق ومؤلف كتاب "نظرة على السينما الصينية" ترجمة الناقد أسامة عبد الفتاح وطلب أن يتحدث عن علاقته بالسينما الصينية وأبرز ملامح السينما الحديثة وموقع السينما الصينية على خريطة  السينما في العالم الآن.


  
الحدث الأهم

يعتبر ميشيل فردون كما جاء في مداخلته المقتضبة القصيرة المركزة أن ظهور السينما الصينية الجديدة في فترة التسعينيات هي  "أهم حدث" في السينما خلال الثلاثين سنة الماضية، وكانت السينما الصينية ظهرت في وقت كانت النظرات فيها مركزة على سينمات الغرب ومهملة لبقية سينمات العالم ومن ضمنها السينما المصرية.

 وذكر فردون ان فضل اكتشاف السينما الصينية في الغرب يعود الى مهرجان "كان" ومهرجان نانت لسينما القارات الثلاث.، الذي يقام في مدينة " نانت " الفرنسية منذ أكثر من ثلاثين عاما، وقد كشفت موجة الأفلام الصينية  أنذاك وأكثر من اي سينما أخرى في العالم التغييرات التي طرأت على المجتمع الصيني  خلال عشرين سنة بل لقد كانت " شاهدة " أيضا على التغييرات التي حدثت على مستوى العالم، وبدأت تظهر الآن تأثيراتها المدهشة على المخرجين الجدد، ليس في الصين فحسب، بل في العالم كله، حتى صارت السينما الصينية تعد اليوم من أقوى صناعات الفن السابع  سواء من حيث عدد الافلام التي تنتجها وعدد المشاهدين أو من حيث أهميتها الفنية، وتزامن تألقها مع صعود الصين كدولة عظمى بل انها لم تكتف بمصاحبة هذا  "الصعود" الصاعق للصين بل وسبقته.

 ولم تسبق "صحوة" هذا البلد كله فقط ومنذ بداية التسعينيات كما نوه فرودون، بل اعلنت عنها أيضا بشكل أو بآخر، ففي اقل من عام وخلال الفترة من مايو 1992 وحتى فبراير 1993 فاز أربعة أفلام صينية بالجوائز الكبرى لفي أكبر ثلاثة مهرجانات في العالم من ضمنها فيلم "وداعا خيلتي"  اخراج تشين كايجي الذي حصد جائزة السعفة الذهبية في مهرجان "كان" وفيلم "كيوجيو .. إمرأة صينية"  لجانج ييمو الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا.

وبعد مداخلة لمسئولة صينية عن الأرشيف السينمائي في الصين، تحدث آلان جالادو مدير ومؤسس مهرجان القارات الثلاث - مع شقيقه فيليب جالادو- في نانت.



السينما التسجيلية  في الصين

تحدث جالادو عن مغامرة اكتشاف  السينما الصينية وشرح كيف استفاد المخرجون الصينيون من تطور التكنولوجيا الرقمية مع نهاية التسعينيات وبخاصة في مجال السينما الوثائقية، واقامة علاقات سينمائية جديدة مع الواقع، مختلفة تماما عن تلك التي كانت سائدة مع نظم الانتاج الكلاسيكية، وبلورة قيم جمالية جديدة، تتناقض بالكامل، مع البحث عن الصورة الجميلة التي كان يصنعها الجيل الخامس في السينما الروائية الصينية، لكي تتواصل في التو مع حقائق الواقع العياني المباشر في الفيلم التسجيلي، كما في افلام وانج بينج ، وفيلمه  الوثائقي"غرب السكة الحديد" الذي يستغرق عرضه تسع ساعات.. وكما في افلامه التسجيلية التي اعقبته وجعلت منه احد أهم المخرجين التسجيليين ليس فقط في الصين بل في العالم.
  
ثم تحدث المخرج الصيني الكبير جيا زانج كي عن اتجاهات السينما الصينية المعاصرة ولخصها في أربعة اتجاهات هي: التأكيد على الملامح الشخصية للمجتمع والفرد، والتعبير عن السلوك الاقتصادي الاقتصادي الذي كان له تأثيراته على تطور المجتمع الصيني مع تزايد اعداد المشاهدين وتعاظم نسب التردد على قاعات العرض السينمائية، وتوظيف السينما لمناقشة الأفكار الخاصة بالمجتمع الصيني، والتعبير من خلال السينما الفن عن المشاعر والاحاسيس والقناعات الفكرية.

وبعد أن انتهت مداخلة المخرج الصيني الكبير فتح أمير العمري مدير الندوة باب النقاش مع الحاضرين، فطلب كاتب هذه السطور الكلمة، ونبه الى  دور مهرجان القارات الثلاث في نانت - الذي يتابع أعماله ويكتب عن دوراته منذ أكثر من عشرين عاما أو يزيد - في اكتشاف ليس فقط السينما الصينية الجديدة، ومنذ مطلع التسعينيات، بل مجمل السينمات العربية أيضا وفي مقدمتها السينما المصرية الأم، والدور الهام  الكبير الذي لعبه المهرجان في التعريف بتراثها السينمائي المصري العريق، من خلال التكريمات التي نظمها لفاتن حمامة، وسامية جمال، ويسرا، ويوسف شاهين، وصلاح أبوسيف،وهنري بركات وغيرهم، كما ساعد المهرجان على توزيع بعض الأفلام العربية التي فازت بجائزته الكبرى– المنطاد الذهبي-  في مسابقته، ومن ضمنها فيلم " الهائمون " للمخرج التونسي ناصر خمير..

صلاح هاشم

عن موقع " عين على السينما " بإذن خاص 

انظر المقال على موقع  "عين على السينما "
http://eyeoncinema.net/Details.aspx?secid=33&nwsId=3754 
 

الثلاثاء، نوفمبر 29، 2016

حصاد مهرجان القاهرة السينمائي 38 : عد ياناصر بقلم صلاح هاشم في مختارات سينما إيزيس

مختارات سينما إيزيس



حصاد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 38 : عد ياناصر

بقلم
 صلاح هاشم



حقق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثامنة والثلاثين الكثير على الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية العصيبة التي تمر بها مصر في حربها ضد " الارهاب" والفكر السلفي الوهابي الفاشي والمؤمرات الداخلية والخارجية التي تحاك في الخفاء لإسقاط الدولة المصرية، وزعزعة استقرارها وأمنها.


وأستطاع المهرجان بالقليل من المال المتوفر لميزانيته، وذلك بعد أن أحجم رجال الأعمال المصريين التجارعن دعمه ومساندته، أن يحقق دورة إستثنائية ناجحة بإدارة الناقدة  د. ماجدة واصف رئيسة المهرجان والمدير الفني للمهرجان الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله..


دورة هادئة بلا جعجعة ولاصخب،غابت عنها إستعراضات النجوم وأنصاف النجوم، وباتت مكرسة فقط لخدمة السينما – الفن السابع – وعشاقها، وليس المطلوب من أي مهرجان سينمائي أن يكون مهرجانا سياحيا استعراضيا لجذب نجوم السينما وتسليط الضوء على استعراضاتهم وهم يعبرون السجادة الحمراء وأن توظف فعالياته لتلميعهم والحديث عن حياتهم الشخصية وبثها مباشرة  أثناء حفلي الافتتاح والختام على شاشات التلفزيون الرسمية وغير الرسمية..


 بل المطلوب من أي مهرجان سينمائي حقيقي، وكما تحقق بالفعل خلال تلك الدورة 38 الاستثنائية، تطوير معرفتنا بالعالم من حولنا من خلال  " مرآة السينما "،وتطوير وعينا أو لا وعينا بوظيفة السينما الأساسية كونها أساسا " أداة للتفكير في مشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا الانسانية " كما يقول المخرج  والمفكرالفرنسي الكبير  جان لوك جودار..وتطوير " ذائقة " سينمائية مصرية جديدة ، تفهم و تعي إنجازات وإضافات السينما العالمية، وهي تنقب وتفتش عن من سوف يصنع من بين المواهب السينمائية سينما الغد.. ويبهرنا ويدهشنا بسحرها..


واعتقد من هذا المنظور أن الدورة 38 حققت الأهاف " السينمائية " وليس " السياحية المظهرية الاستعراضية " المرجوة منها، فقد نصبت شاشاتها داخل دار الأوبرا المصرية، وفي بعض صالات العرض مثل " كريم " و " الأوديون " في وسط  المدينة، حتى تتيح للجمهور المصري فرصة مشاهدة أكثر من 204 فيلم  جلبها له المهرجان من أنحاء العالم..


 ونجحت في أن تربط الجمهور المصري، ليس بركب السينما العالمية، وإستحضار أهم وأبرز أفلامها التي عرضت في أشهر المهرجانات العالمية مثل " كان " في فرنسا و" فينيسيا " في إيطاليا و " برلين " في ألمانيا ومن ضمنها فيلم " توني إيردمان " الذي شاهدناه في "كان " 69 في العرض المخصص للنقاد والصحفيين وإعتبرناه " تحفة " سينمائية باهرة تستحق " السعفة الذهبية "..



بل لقد استجابت إدارة المهرجان أيضا لبعض مقترحاتنا وحسنا فعلت في تنظيم قسم خاص لعرض أفلام " السينما المصرية الجديدة " ،حيث أن الكثير من النقاد المصريين والعرب والأجانب الذين يعيشون في الخارج لاتتاح لهم فرصة مشاهدة تلك الأفلام، ومن الأهمية بمكان عند دعوتهم لمهرجان القاهرة السينمائي وزيارة بلدنا، أن تتاح لهم فرصة التعرف أيضا على سينما البلد الذي يحطون فيه،و فرصةأن يكتبوا أيضا عنها ،عند عودتهم الى بلادهم، ومن هنا يمكن القول بأن المهرجان يساهم أيضا وبشكل غير مباشر وفج في الدعاية للسياحة وزيارة بلدنا  وحضارة مصر العريقة من خلال السينما..

الناقد صلاح هاشم في ندوة السينما الصينية


 
وأبرز دليل على ذلك هذا " الفضول الكبير" والشغف اللذيذ اللذين لاحظتهما عند بعض الضيوف العرب و الأجانب الذين التقيتهم في المهرجان من فرنسا والهند وبولندا والصين والمغرب  الذين سعدوا جدا معي بمشاهدة بعض الأفلام المصرية التي عرضت في تلك التظاهرة ومن ضمنها فيلم " نوارة " البديع حقا للمخرجة المصرية المتألقة  الذي أعجبت به كثيرا وأعتبره من أهم الأفلام المصرية الواقعية وأنضجها التي أنجزت خلال السنوات الخمس الأخيرة، من حيث هو " سينما خالصة " ولايهم هنا تصنيف الفيلم ووضعه أو بالأحرى سجنه في خانة الأفلام التي صنعت عن ثورة 25 يناير 2011 ..حيث أن الأفلام لاتقيم من من خلال معالجتها لموضوع معين أو " ثيمة محددة، بل تقيم بحسب مافيها أولا وثانيا وثالثا من حيت مافيها من سينما ويستحوذ في التو على كل مشاعرك..


كما أن قسم " السينما المصرية الجديدة " عزز من قيمة الدورة 38 ليس فقط كـ " شاشة " لعرض الأفلام فحسب بل كساحة أيضا و "فوروم " لللقاء بين النقاد والسينمائيين والمبدعين  من مصر وأنحاء العالم،ووسع من دوائر التفاعل والنقاش والحوار المثمر البناء في مابينهم ، والذي يصب في النهاية، في خانة تطوير السينما المصرية في بلدنا ،وخروجنا من عزلتنا وانفتاحنا على العالم، وقد انشغلت خلال فترة انعقاد المهرجان ولوقت كبير في الرد على تساؤلات النقاد والصحفيين الأجانب بخصوص السينما المصرية الجديدة وموقعها بين السينمات العالمية والحديث عن تراثها السينمائي العريق..


وقد اتاح لنا المهرجان من خلال التردد على دور العرض في وسط البلد التي تعرض أفلامه، فرصة للصلعكة المنتجة في صحبة بعض الضيوف الاجانب من الهند والصين وتشيكوسلوفاكيا وغيرها والنهل من كرم وألفة المصريين المحببة على الرصيف، وترحيبهم دوما بضيوف مصر في المهرجان من الأجانب والغرباء، والاختلاط بهم في الشارع،والتعرف هكذا على همومهم واحلامهم وطموحاتهم المجهضة..


والمصحوبة كالعادة بقفشات وتعليقات المصريين  وحسهم الفكاهي العالي، وسخريتهم من إحباطات كل يوم مع اختفاء السكر والأرز من الجمعيات، وفي إطار حروب الشوارع غير المعلنة مع اختناقات الحركة المرورية في العاصمة الكوزموبوليتينية العملاقة والتقاتل على مكان على الرصيف .. 




من يصنع في العالم سينما الغد ؟





ويحسب لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته 38 احتفائه بالسينما الصينية - أهم سينما ربما في العالم الآن    (  عرضت اول صور متحركة في الصين عام 1896 وصنع اول فيلم تسجيلي صيني عام 1905 ) في مهرجان سينمائي صيني لوحده، فقد عرض لها  في الدورة 38 أكثر من 15 فيلما ، ولاشك أن من يشاهد هذه المجموعة المختارة بعناية من الافلام  ومن ضمنها افلام م صينية كلاسيكية من الارشيف  السينماتيك الصيني سيعرف الكثير عن سر قوة السينما الصينية المعاصرة، وسيدرك أيضا لماذا صارت تنافس افلام هوليوود في أسواق السينما العالمية..


كما كرس المهرجان للاحتفال بالسينما الصينية العديد من الفاعليات من ضمنها تكريم المخرج الصيني الكبير جيا جانكي من مواليد عام 1970 الذي شاهدت افلامه في باريس ومنذ ان عرض فيها فيلمه الروائي الطويل الأول " النشال " عام 1998 وتوقعت له مستقبلا سينمائيا باهرا ، فقد ظهر لي جليا أنذاك أنه سيكون أحد المواهب السينمائية العالمية  من الصين التي سوف تصنع في العالم " سينما الغد "..


وتأكد ظني تجاهه حين شاهدت له حديثا تحفتين هما فيلم " لمسة خطيئة " وفيلم " قد تنتقل الجبال " في مهرجان " كان " السينمائي، وسعدت جدا لأن المهرجان اتاح لي وللجمهور المصري فرصة اللقاء معه عندما حضر الى المهرجان، والتقيت به في كافيتيريا نقابة التشكيليين في الاوبرا وحدثته عن اعجابي الجم بأفلامه..


 وقد حرصت  أيضا على حضور الندوة المهمة التي اقامها المهرجان للسينما الصينية، والتي أدارها بإقتدارالناقد المصري أمير العمري مؤلف كتاب " السينما الصينية الجديدة " وشارك فيها كل من الناقد  الفرنسي ميشيل فرودون  رئيس تحرير مجلة كاييه دو سينما – كراسات السينما – الشهرية الفرنسية السابق وآلان جالادو مدير مهرجان " نانت " لسينما القارات الثلاث ( إفريقيا . آسيا . أمريكا الاتينية " والمخرج الصيني  جيا جانكي ووزع خلال الندوة الكتاب الذي وضعه ميشيل فرودن عن السينما الصينية بتكليف من المهرجان بعنوان " نظرة على السينما الصينية " وترجمه الناقد أسامة عبد الفتاح..


 وعلى الرغم من أهمية الندوة والأفكار والمعلومات التي طرحت فيها، وذلك الحدث السينمائي الكبير في إطار المهرجان – بإعتبار أن الصين هي " ضيف شرف " الدورة 38- لم يحضر الندوة  التي استمرت لمدة ثلاث ساعات للأسف إلا عددقليل من الصحفيين للمصريين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، كما أن المقال الذي نشر عن الندوة في  النشرة الاعلامية للمهرجان كان هزيلا و مبتسرا وركيكا جدا وكتبته مبتدئة ..وآمل أن يكون المهرجان سجل هذه الندوة  السينمائية المهمة لتنتفع بها أجيال المستقبل من الطلبة والدارسين والمهتمين..




العبور الى " البر التاني " ..





كما أن  إدارة المهرجان غير مسئولة طبعا ولايمكن محاسبتها على رداءة وتفاهة وتدني مستوى بعض الأفلام المصرية التي تورط  المهرجان ربما في  اختيارها وعرضها من ضمن الأفلام  " الفاشلة " المتيسرة والمتاحة بعد  "هروب  " بعض الأفلام المصري من أجل حفنة من الدولارات  بمخرجيها الى مهرجانات " خليجية " أخرى أكثر بحبوحة في ثرائها و فلوسها وجوائزها من مهرجان القاهرة السينمائي الفقير " الغلبان "وحاله من حال بلدنا،  الذي يعاني معنا في الوطن من الغلاء وارتفاع الأسعار، وضغوطات العيش،وارتباكات النظام في مواجهة الارهاب وجشع التجار ورجال الأعمال الحقراء، وتطويق الفساد وبيروقراطية الوزارات المعنية بالثقافة، ورغيف العيش، وتوفير الغذاء لشعبنا ..


ويبرز من بين تلك الأفلام  الرديئة فيلم  " يوم للستات" التافه السخيف للمخرجة المصرية كلملة أبو ذكرى بميلودراميته الفاقعة ومبالغاته، وقد بدا لي بسيناريو الفيلم المهلهل المشتت، كما لوكان مسلسا اذاعيا من البكائيات التافهة، وبلا قصة، أو سينما بالمرة..


 إنه مجرد  "البوم صور" في الاداء،  واقرب مايكون  الى تجميع لوحات " كولاج"  وحيث يذهب النصيب الأكبر من كعكة الفيلم طبعا لمنتجته الممثلة إلهام شاهين التي انتجته بفلوسه،ومن حقها أن تظهر في كل مشهد وتقف امام المرآة وتمثل لنا بالساعات، " يوم للستات " سينما ؟ لأ شكرا .. مجرد أطنان من الحكايات والكلام التي توفر للاذاعة تمثيليات اذاعية ولاعلاقة لها البته بالسينما بالكوم ..


أما فيلم " البر التاني " لعلى إدريس فهو يبدأ أيضا بعد نصف ساعة " رغي "  للمهاجرين المصريين من الشباب في البحر ثم يستعرض على ادريس عضلاته الاخراجية علينا كما في فيلم " تيتانيك " وينتهي بموت وغرق جميع افراد الاجئين المصريين المهاجرين على رمال البر التاني وغرق مركبهم ..


وعلى الرغم من نوايا المخرج الطيبة التي لا تصنع فيلما، بدا لنا فيلم " البر التاني " أشبه مايكون بفيلم دعائي  اصطناعي ومركّب وقد صنع لحساب وزارة الهجرة والدعاية وبرامجها للحد من الهجرة غير الشرعية الى البر التاني أوروبا، وهو فيلم - على الرغم من حالة الترقب التي يخلقها عند المشاهد، وبخاصة عندما يبدأ الفيلم في التحرك الى الأمام بعد نصف ساعة  من حالة " محلك سر "  وإن انتبهوا أيها السادة للكلام الخطير الذي سوف يقال على لسان ابطاله ووصولا الى " لحظة التنوير" النهائية - يقتلك من السأم والملل والضجر..


 لأن تلك أساليب في الاخراج ،سواء عند كاملة أبو ذكري أو عند على إدريس قد عفى عليها الزمن، و دخلت ومنذ زمن طويل متحف السينما والتاريخ،وتحررت منها السينما والى الأبد منذ عقود ..


 لكن مازالت بعض نماذج السينما المصرية التجارية تنتهجها وتصر عليها، وتعتقد ان قيمة الفيلم في " الورق " – أي سيناريو الفيلم – المكتوب ،وانه يكفي تصوير الورق على الشاشة لتصنع فيلما جيدا، وهي لاتعرف ان السينما ليست لتجميد الحياة ، وتعليبها على الشاشة ، بل لفتح نوافذ جديدة للحياة..على حياة أخرى جديدة ..


حياة لم نعهدها من قبل ، ومليئة باختراعات الفن المدهشة-  كما في الفيلم الهندي الرائع بعنوان " أحمر شفاه تحت البرقع " الذي عرض في قسم بانوراما دولية في الدورة 38 ، وهوفي رأيي بمقام عشرين فيلم  من نوع فيلم " يوم للستات " الذي إن هززته قليلا فلن يسقط منه اي شييء " فني " أو " سينمائي " بالمرة وله علاقة ما بالسينما - وهي تقدم للمتفرج من خلال عنصري الاكتشاف والدهشة ما لايعرف هو ذاته أنه يريده ، وتجعله يغرف من سحر الكتابة بالضوء..





عد ياناصر




الناقد صلاح هاشم مع المخرج الصيني الكبير جيا زانكي الذي كرمه المهرجان في دورته 38





كما يحسب لادارة المهرجان في دورته 38  ويكفيها فخرا  - بالاضافة طبعا الى حفلات التكريم العديدة التي نظمتها  في حب  محمود عبد العزيز ومحمد خان ، وقد اصدر المهرجان كتابا قيما عن سينما محمد خان من تأليف الناقد المتميز محمود عبد الشكور، ونظم عدة تكريمات لجملة من السينمائيين المبدعين من ضمنهم المنتج الفلسطيني الكبير حسين القلا الذي: " ..آمن  بالموهبة والعمل الجاد وشق طريق منفردا  " كما كتب عنه الناقد اللبناني محمد رضا في كتالوج الدورة 38 ، وأنتج مجموعة من روائع السينما المصرية مثل " الكيت كات " لدواد عبد السيد، و " للحب قصة أخيرة " رائعة رأفت الميهي ،و " يوم حلو يوم مر " بطولة فاتن حمامة واخراج خيري بشارة، و" أحلام هند وكاميليا "  لمحمد خان، وغيرها - أنها جلبت للجمهور المصري " أهم فيلم سياسي " في المهرجان وفي كل أقسامه..


 وأعني به فيلم " جمهورية ناصر. بناء مصر الحديثة " الوثائقي الطويل للامريكية ميشيل جولدمان وتصوير الفنان  مدير التصوير المصري كمال عبد العزيز الذي يحقق  في رأيي " إضافة  سينمائية جديدة " الى رائعتها " أم كلثوم صوت يشبه مصر "عن حياة كوكب الشرق ، و يقدم في ماهو أقرب الى السيرة الذاتية كشف حساب لانجازات  الزعيم جمال عبد الناصر، أعظم رئيس جمهورية انجبته بلدنا..


ويربط  الفيلم مابين ما حققه ناصر لشعبها وحربه على الامبريالية- ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد، - وبين المظاهرات التي اطلقت الشرارة الأولى لثورة ا25 يناير 2011 ،و الصيحة التي أطلقتها حناجر المتظاهرين إن " عد ياناصر " أثناء الثورة، وتمردهم على حكم مبارك الاستبدادي ،والرغبة في تحقيق الشعارات والمطالب التي رفعتها ثورة يناير : عيش وحرية وعدالة اجتماعية،لتعود لنا بتلك المطالب حقوقنا  المشروعة، وأموالنا المنهوبة، ونستعيد مع تحقيق مطالبنا، عزتنا وكرامتنا. .


والفيلم طبعا موجه ومصنوع اساسا لمخاطبة الجمهور الامريكي، ولم يصنع خصيصا للمصريين، وهو يحقق الهدف المنشود منه، الا وهو تعريف العالم بشموخ وقامة  "زعيم "وطني شعبي مصري عالمي بقامة زعماء عالميين أيضا من أمثال شوين لاي وتيتو ونهرو لكنه يتواصل أيضا معنا من خلال نظرة الآخر الممثل بمخرجته ميشيل جولدمان على هويتنا القومية وتاريخنا وذاكرتنا من خلال هذا العمل السينمائي الوثائقي الرائع الذي يحفزنا على التفتيش والتنقيب من جديد في تاريخنا و نحن نستعيد " روح " الكفاح  والثورة على الظلم ومحاربة التيارات السلفية الاخوانية الفاشية عند ناصر، من أجل إعادة تقييم اعمال وانجازات رواد وزعماء التنوير في عصرنا، ويستعرض الفيلم الانجازات التي حققها ناصر لشعب مصر المعدم الفقير مثل تأميم قناة السويس وتحويل مجرى النيل وبناء السد العالي وهو ملييء بالصور الوثائقية والفيلمية التاريخية الرائعة التي تعرض هنا وتكتشفها لأول مرة، وبتصوير أكثر من رائع للفنان المصري مدير التصويركمال عبد العزيز في الريف والحضر، ومشاهد بانورامية رائعة لمدينة القاهرة تخطفك بجمالها..


وقد نجحت ميشيل جولدمان بفيلمها من تصحيح صورة ناصر المشوهة لدي الامريكيين والغربيين على اعتبار انه كان كما يصوره بعض المؤرخين حاكما مستبدا يقتل ويسجن ويعذب الاخوان المسلمين، و ديكتاتورا مثل هتلر.وليت إدارة المهرجان  - أو بعض الجهات الثقافية المصرية المعنية-  بعد عرض فيلم  "جمهورية ناصر" في المهرجان  دعم مشروع توزيع الفيلم في مصر، وخروجه للعرض التجاري في بلدنا، على اعتبار أنه ومن وجهة نظري  الشخصية بحتة " درس " عظيم في السينما الوثائقية العظيمة لتاريخنا وذاكرتنا ويستحق المشاهدة عن جدارة ..


صلاح هاشم يرحب بضيف المهرجان المخرج الصيني الكبير جيا زانجكي




صلاح هاشم
عن جريدة " القاهرة " الاسبوعية العدد 854
الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 2016

ciff38 ندوة السينما الصينية




 ماهو سر إعجابنا بالسينما الصينية ؟
ملصق المهرجان للدورة 38

مداخلة للكاتب والناقد السينمائي صلاح هاشم في نهاية " ندوة السينما الصينية" التي اقيمت في إطار تكريم الصين كضيف شرف الدورة 38 لمهرجان القاهرة السينمائي وأدارها الناقد أمير العمري مؤلف كتاب " السينما الصينية الجديدة " في القاعة الكبرى للندوات بالمجلس الاعلى للثقافة في دار الأوبرا المصرية، بمشاركة الناقد الفرنسي ميشيل فرودون وآلان جالادو مدير ومؤسس مهرجان القارات الثلاث في نانت . فرنسا والمخرج الصيني الكبير جيا زانجكي " لمسة خطيئة " وحضرتها د.ماجدة واصف رئسية المهرجان، وقام بتسجيل المداخلة الناقد ألنشط أسامة بيومي


 لقطات من  ندوة السينما الصينية
تصوير : صلاح هاشم





 

الجمعة، نوفمبر 25، 2016

مهرجان القاهرة السينمائي 38 ماذا حقق ؟ ( 2 من 2 ) بقلم صلاح هاشم


مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 38
 ماذا حقق ؟

( 2 من 2 )

بقلم
صلاح هاشم



( 1 من 2 )

حقق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثامنة والثلاثين الكثير على الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية العصيبة التي تمر بها مصر في حربها ضد " الارهاب" والفكر السلفي الوهابي الفاشي والمؤمرات الداخلية والخارجية التي تحاك في الخفاء لإسقاط الدولة المصرية، وزعزعة استقرارها وأمنها.>
وأستطاع المهرجان بالقليل من المال المتوفر لميزانيته، وذلك بعد أن أحجم رجال الأعمال المصريين التجارعن دعمه ومساندته، أن يحقق دورة إستثنائية ناجحة بإدارة الناقدة  د. ماجدة واصف رئيسة المهرجان والمدير الفني للمهرجان الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله..
دورة هادئة بلا جعجعة ولاصخب،غابت عنها إستعراضات النجوم وأنصاف النجوم، وباتت مكرسة فقط لخدمة السينما – الفن السابع – وعشاقها، وليس المطلوب من أي مهرجان سينمائي أن يكون مهرجانا سياحيا استعراضيا لجذب نجوم السينما وتسليط الضوء على استعراضاتهم وهم يعبرون السجادة الحمراء وأن توظف فعالياته لتلميعهم والحديث عن حياتهم الشخصية وبثها مباشرة  أثناء حفلي الافتتاح والختام على شاشات التلفزيون الرسمية وغير الرسمية..
 بل المطلوب من أي مهرجان سينمائي حقيقي، وكما تحقق بالفعل خلال تلك الدورة 38 الاستثنائية، تطوير معرفتنا بالعالم من حولنا من خلال  " مرآة السينما "،وتطوير وعينا أو لا وعينا بوظيفة السينما الأساسية كونها أساسا " أداة للتفكير في مشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا الانسانية " كما يقول المخرج  والمفكرالفرنسي الكبير  جان لوك جودار..وتطوير " ذائقة " سينمائية مصرية جديدة ، تفهم و تعي إنجازات وإضافات السينما العالمية، وهي تنقب وتفتش عن من سوف يصنع من بين المواهب السينمائية سينما الغد.. ويبهرنا ويدهشنا بسحرها..
واعتقد من هذا المنظور أن الدورة 38 حققت الأهاف " السينمائية " وليس " السياحية المظهرية الاستعراضية " المرجوة منها، فقد نصبت شاشاتها داخل دار الأوبرا المصرية، وفي بعض صالات العرض مثل " كريم " و " الأوديون " في وسط  المدينة، حتى تتيح للجمهور المصري فرصة مشاهدة أكثر من 204 فيلم  جلبها له المهرجان من أنحاء العالم..
 ونجحت في أن تربط الجمهور المصري، ليس بركب السينما العالمية، وإستحضار أهم وأبرز أفلامها التي عرضت في أشهر المهرجانات العالمية مثل " كان " في فرنسا و" فينيسيا " في إيطاليا و " برلين " في ألمانيا ومن ضمنها فيلم " توني إيردمان " الذي شاهدناه في "كان " 69 في العرض المخصص للنقاد والصحفيين وإعتبرناه " تحفة " سينمائية باهرة تستحق " السعفة الذهبية "..

بل لقد استجابت إدارة المهرجان أيضا لبعض مقترحاتنا وحسنا فعلت في تنظيم قسم خاص لعرض أفلام " السينما المصرية الجديدة " ،حيث أن الكثير من النقاد المصريين والعرب والأجانب الذين يعيشون في الخارج لاتتاح لهم فرصة مشاهدة تلك الأفلام، ومن الأهمية بمكان عند دعوتهم لمهرجان القاهرة السينمائي وزيارة بلدنا، أن تتاح لهم فرصة التعرف أيضا على سينما البلد الذي يحطون فيه،و فرصةأن يكتبوا أيضا عنها ،عند عودتهم الى بلادهم، ومن هنا يمكن القول بأن المهرجان يساهم أيضا وبشكل غير مباشر وفج في الدعاية للسياحة وزيارة بلدنا  وحضارة مصر العريقة من خلال السينما..
 وأبرز دليل على ذلك هذا " الفضول الكبير" والشغف اللذيذ اللذين لاحظتهما عند بعض الضيوف العرب و الأجانب الذين التقيتهم في المهرجان من فرنسا والهند وبولندا والصين والمغرب  الذين سعدوا جدا معي بمشاهدة بعض الأفلام المصرية التي عرضت في تلك التظاهرة ومن ضمنها فيلم " نوارة " البديع حقا للمخرجة المصرية المتألقة  الذي أعجبت به كثيرا وأعتبره من أهم الأفلام المصرية الواقعية وأنضجها التي أنجزت خلال السنوات الخمس الأخيرة، من حيث هو " سينما خالصة " ولايهم هنا تصنيف الفيلم ووضعه أو بالأحرى سجنه في خانة الأفلام التي صنعت عن ثورة 25 يناير 2011 ..حيث أن الأفلام لاتقيم من من خلال معالجتها لموضوع معين أو " ثيمة محددة، بل تقيم بحسب مافيها أولا وثانيا وثالثا من حيت مافيها من سينما ويستحوذ في التو على كل مشاعرك..
كما أن قسم " السينما المصرية الجديدة " عزز من قيمة الدورة 38 ليس فقط كـ " شاشة " لعرض الأفلام فحسب بل كساحة أيضا و "فوروم " لللقاء بين النقاد والسينمائيين والمبدعين  من مصر وأنحاء العالم،ووسع من دوائر التفاعل والنقاش والحوار المثمر البناء في مابينهم ، والذي يصب في النهاية، في خانة تطوير السينما المصرية في بلدنا ،وخروجنا من عزلتنا وانفتاحنا على العالم، وقد انشغلت خلال فترة انعقاد المهرجان ولوقت كبير في الرد على تساؤلات النقاد والصحفيين الأجانب بخصوص السينما المصرية الجديدة وموقعها بين السينمات العالمية والحديث عن تراثها السينمائي العريق..
وقد اتاح لنا المهرجان من خلال التردد على دور العرض في وسط البلد التي تعرض أفلامه، فرصة للصلعكة المنتجة في صحبة بعض الضيوف الاجانب من الهند والصين وتشيكوسلوفاكيا وغيرها والنهل من كرم وألفة المصريين المحببة على الرصيف، وترحيبهم دوما بضيوف مصر في المهرجان من الأجانب والغرباء، والاختلاط بهم في الشارع،والتعرف هكذا على همومهم واحلامهم وطموحاتهم المجهضة..
والمصحوبة كالعادة بقفشات وتعليقات المصريين  وحسهم الفكاهي العالي، وسخريتهم من إحباطات كل يوم مع اختفاء السكر والأرز من الجمعيات، وفي إطار حروب الشوارع غير المعلنة مع اختناقات الحركة المرورية في العاصمة الكوزموبوليتينية العملاقة والتقاتل على مكان على الرصيف .. 



( 2 من 2 ) 

من يصنع في العالم سينما الغد ؟

ويحسب لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته 38 احتفائه بالسينما الصينية - أهم سينما ربما في العالم الآن    (  عرضت اول صور متحركة في الصين عام 1896 وصنع اول فيلم تسجيلي صيني عام 1905 ) في مهرجان سينمائي صيني لوحده، فقد عرض لها  في الدورة 38 أكثر من 15 فيلما ، ولاشك أن من يشاهد هذه المجموعة المختارة بعناية من الافلام  ومن ضمنها افلام م صينية كلاسيكية من الارشيف  السينماتيك الصيني سيعرف الكثير عن سر قوة السينما الصينية المعاصرة، وسيدرك أيضا لماذا صارت تنافس افلام هوليوود في أسواق السينما العالمية..
كما كرس المهرجان للاحتفال بالسينما الصينية العديد من الفاعليات من ضمنها تكريم المخرج الصيني الكبير جيا جانكي من مواليد عام 1970 الذي شاهدت افلامه في باريس ومنذ ان عرض فيها فيلمه الروائي الطويل الأول " النشال " عام 1998 وتوقعت له مستقبلا سينمائيا باهرا ، فقد ظهر لي جليا أنذاك أنه سيكون أحد المواهب السينمائية العالمية  من الصين التي سوف تصنع في العالم " سينما الغد "..
وتأكد ظني تجاهه حين شاهدت له حديثا تحفتين هما فيلم " لمسة خطيئة " وفيلم " قد تنتقل الجبال " في مهرجان " كان " السينمائي، وسعدت جدا لأن المهرجان اتاح لي وللجمهور المصري فرصة اللقاء معه عندما حضر الى المهرجان، والتقيت به في كافيتيريا نقابة التشكيليين في الاوبرا وحدثته عن اعجابي الجم بأفلامه..
 وقد حرصت  أيضا على حضور الندوة المهمة التي اقامها المهرجان للسينما الصينية، والتي أدارها بإقتدارالناقد المصري أمير العمري مؤلف كتاب " السينما الصينية الجديدة " وشارك فيها كل من الناقد  الفرنسي ميشيل فرودون  رئيس تحرير مجلة كاييه دو سينما – كراسات السينما – الشهرية الفرنسية السابق وآلان جالادو مدير مهرجان " نانت " لسينما القارات الثلاث ( إفريقيا . آسيا . أمريكا الاتينية " والمخرج الصيني  جيا جانكي ووزع خلال الندوة الكتاب الذي وضعه ميشيل فرودن عن السينما الصينية بتكليف من المهرجان بعنوان " نظرة على السينما الصينية " وترجمه الناقد أسامة عبد الفتاح..
 وعلى الرغم من أهمية الندوة والأفكار والمعلومات التي طرحت فيها، وذلك الحدث السينمائي الكبير في إطار المهرجان – بإعتبار أن الصين هي " ضيف شرف " الدورة 38- لم يحضر الندوة  التي استمرت لمدة ثلاث ساعات للأسف إلا عددقليل من الصحفيين للمصريين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، كما أن المقال الذي نشر عن الندوة في  النشرة الاعلامية للمهرجان كان هزيلا و مبتسرا وركيكا جدا وكتبته مبتدئة ..وآمل أن يكون المهرجان سجل هذه الندوة  السينمائية المهمة لتنتفع بها أجيال المستقبل من الطلبة والدارسين والمهتمين..

العبور الى " البر التاني " ..

كما أن  إدارة المهرجان غير مسئولة طبعا ولايمكن محاسبتها على رداءة وتفاهة وتدني مستوى بعض الأفلام المصرية التي تورط  المهرجان ربما في  اختيارها وعرضها من ضمن الأفلام  " الفاشلة " المتيسرة والمتاحة بعد  "هروب  " بعض الأفلام المصري من أجل حفنة من الدولارات  بمخرجيها الى مهرجانات " خليجية " أخرى أكثر بحبوحة في ثرائها و فلوسها وجوائزها من مهرجان القاهرة السينمائي الفقير " الغلبان "وحاله من حال بلدنا،  الذي يعاني معنا في الوطن من الغلاء وارتفاع الأسعار، وضغوطات العيش،وارتباكات النظام في مواجهة الارهاب وجشع التجار ورجال الأعمال الحقراء، وتطويق الفساد وبيروقراطية الوزارات المعنية بالثقافة، ورغيف العيش، وتوفير الغذاء لشعبنا ..
ويبرز من بين تلك الأفلام  الرديئة فيلم  " يوم للستات" التافه السخيف للمخرجة المصرية كلملة أبو ذكرى بميلودراميته الفاقعة ومبالغاته، وقد بدا لي بسيناريو الفيلم المهلهل المشتت، كما لوكان مسلسا اذاعيا من البكائيات التافهة، وبلا قصة، أو سينما بالمرة..
 إنه مجرد  "البوم صور" في الاداء،  واقرب مايكون  الى تجميع لوحات " كولاج"  وحيث يذهب النصيب الأكبر من كعكة الفيلم طبعا لمنتجته الممثلة إلهام شاهين التي انتجته بفلوسه،ومن حقها أن تظهر في كل مشهد وتقف امام المرآة وتمثل لنا بالساعات، " يوم للستات " سينما ؟ لأ شكرا .. مجرد أطنان من الحكايات والكلام التي توفر للاذاعة تمثيليات اذاعية ولاعلاقة لها البته بالسينما بالكوم ..
أما فيلم " البر التاني " لعلى إدريس فهو يبدأ أيضا بعد نصف ساعة " رغي "  للمهاجرين المصريين من الشباب في البحر ثم يستعرض على ادريس عضلاته الاخراجية علينا كما في فيلم " تيتانيك " وينتهي بموت وغرق جميع افراد الاجئين المصريين المهاجرين على رمال البر التاني وغرق مركبهم ..
وعلى الرغم من نوايا المخرج الطيبة التي لا تصنع فيلما، بدا لنا فيلم " البر التاني " أشبه مايكون بفيلم دعائي  اصطناعي ومركّب وقد صنع لحساب وزارة الهجرة والدعاية وبرامجها للحد من الهجرة غير الشرعية الى البر التاني أوروبا، وهو فيلم - على الرغم من حالة الترقب التي يخلقها عند المشاهد، وبخاصة عندما يبدأ الفيلم في التحرك الى الأمام بعد نصف ساعة  من حالة " محلك سر "  وإن انتبهوا أيها السادة للكلام الخطير الذي سوف يقال على لسان ابطاله ووصولا الى " لحظة التنوير" النهائية - يقتلك من السأم والملل والضجر..
 لأن تلك أساليب في الاخراج ،سواء عند كاملة أبو ذكري أو عند على إدريس قد عفى عليها الزمن، و دخلت ومنذ زمن طويل متحف السينما والتاريخ،وتحررت منها السينما والى الأبد منذ عقود ..
 لكن مازالت بعض نماذج السينما المصرية التجارية تنتهجها وتصر عليها، وتعتقد ان قيمة الفيلم في " الورق " – أي سيناريو الفيلم – المكتوب ،وانه يكفي تصوير الورق على الشاشة لتصنع فيلما جيدا، وهي لاتعرف ان السينما ليست لتجميد الحياة ، وتعليبها على الشاشة ، بل لفتح نوافذ جديدة للحياة..على حياة أخرى جديدة ..
حياة لم نعهدها من قبل ، ومليئة باختراعات الفن المدهشة-  كما في الفيلم الهندي الرائع بعنوان " أحمر شفاه تحت البرقع " الذي عرض في قسم بانوراما دولية في الدورة 38 ، وهوفي رأيي بمقام عشرين فيلم  من نوع فيلم " يوم للستات " الذي إن هززته قليلا فلن يسقط منه اي شييء " فني " أو " سينمائي " بالمرة وله علاقة ما بالسينما - وهي تقدم للمتفرج من خلال عنصري الاكتشاف والدهشة ما لايعرف هو ذاته أنه يريده ، وتجعله يغرف من سحر الكتابة بالضوء..

عد ياناصر




كما يحسب لادارة المهرجان في دورته 38  ويكفيها فخرا  - بالاضافة طبعا الى حفلات التكريم العديدة التي نظمتها  في حب  محمود عبد العزيز ومحمد خان ، وقد اصدر المهرجان كتابا قيما عن سينما محمد خان من تأليف الناقد المتميز محمود عبد الشكور، ونظم عدة تكريمات لجملة من السينمائيين المبدعين من ضمنهم المنتج الفلسطيني الكبير حسين القلا الذي: " ..آمن  بالموهبة والعمل الجاد وشق طريق منفردا  " كما كتب عنه الناقد اللبناني محمد رضا في كتالوج الدورة 38 ، وأنتج مجموعة من روائع السينما المصرية مثل " الكيت كات " لدواد عبد السيد، و " للحب قصة أخيرة " رائعة رأفت الميهي ،و " يوم حلو يوم مر " بطولة فاتن حمامة واخراج خيري بشارة، و" أحلام هند وكاميليا "  لمحمد خان، وغيرها - أنها جلبت للجمهور المصري " أهم فيلم سياسي " في المهرجان وفي كل أقسامه..
 وأعني به فيلم " جمهورية ناصر. بناء مصر الحديثة " الوثائقي الطويل للامريكية ميشيل جولدمان وتصوير الفنان  مدير التصوير المصري كمال عبد العزيز الذي يحقق  في رأيي " إضافة  سينمائية جديدة " الى رائعتها " أم كلثوم صوت يشبه مصر "عن حياة كوكب الشرق ، و يقدم في ماهو أقرب الى السيرة الذاتية كشف حساب لانجازات  الزعيم جمال عبد الناصر، أعظم رئيس جمهورية انجبته بلدنا..
ويربط  الفيلم مابين ما حققه ناصر لشعبها وحربه على الامبريالية- ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد، - وبين المظاهرات التي اطلقت الشرارة الأولى لثورة ا25 يناير 2011 ،و الصيحة التي أطلقتها حناجر المتظاهرين إن " عد ياناصر " أثناء الثورة، وتمردهم على حكم مبارك الاستبدادي ،والرغبة في تحقيق الشعارات والمطالب التي رفعتها ثورة يناير : عيش وحرية وعدالة اجتماعية،لتعود لنا بتلك المطالب حقوقنا  المشروعة، وأموالنا المنهوبة، ونستعيد مع تحقيق مطالبنا، عزتنا وكرامتنا. .
والفيلم طبعا موجه ومصنوع اساسا لمخاطبة الجمهور الامريكي، ولم يصنع خصيصا للمصريين، وهو يحقق الهدف المنشود منه، الا وهو تعريف العالم بشموخ وقامة  "زعيم "وطني شعبي مصري عالمي بقامة زعماء عالميين أيضا من أمثال شوين لاي وتيتو ونهرو لكنه يتواصل أيضا معنا من خلال نظرة الآخر الممثل بمخرجته ميشيل جولدمان على هويتنا القومية وتاريخنا وذاكرتنا من خلال هذا العمل السينمائي الوثائقي الرائع الذي يحفزنا على التفتيش والتنقيب من جديد في تاريخنا و نحن نستعيد " روح " الكفاح  والثورة على الظلم ومحاربة التيارات السلفية الاخوانية الفاشية عند ناصر، من أجل إعادة تقييم اعمال وانجازات رواد وزعماء التنوير في عصرنا، ويستعرض الفيلم الانجازات التي حققها ناصر لشعب مصر المعدم الفقير مثل تأميم قناة السويس وتحويل مجرى النيل وبناء السد العالي وهو ملييء بالصور الوثائقية والفيلمية التاريخية الرائعة التي تعرض هنا وتكتشفها لأول مرة، وبتصوير أكثر من رائع للفنان المصري مدير التصويركمال عبد العزيز في الريف والحضر، ومشاهد بانورامية رائعة لمدينة القاهرة تخطفك بجمالها..
وقد نجحت ميشيل جولدمان بفيلمها من تصحيح صورة ناصر المشوهة لدي الامريكيين والغربيين على اعتبار انه كان كما يصوره بعض المؤرخين حاكما مستبدا يقتل ويسجن ويعذب الاخوان المسلمين، و ديكتاتورا مثل هتلر.وليت إدارة المهرجان  - أو بعض الجهات الثقافية المصرية المعنية-  بعد عرض فيلم  "جمهورية ناصر" في المهرجان  دعم مشروع توزيع الفيلم في مصر، وخروجه للعرض التجاري في بلدنا، على اعتبار أنه ومن وجهة نظري  الشخصية بحتة " درس " عظيم في السينما الوثائقية العظيمة لتاريخنا وذاكرتنا ويستحق المشاهدة عن جدارة ..

صلاح هاشم