الثلاثاء، يوليو 31، 2018

موسم أصيلة الثقافي 40 ماذا حقق ؟ بقلم صلاح هاشم


أيام في المغرب
العودة الى أصيلة


موسم أصبلة الثقافي الدولي 40
 ماذا حقق ؟
الموسم يحتفي بإفريقيا في دورته الأربعين

بقلم


صلاح هاشم
salahashem@yahoo.com




من أحد معارض موسم أصيلة الثقافي الأربعين

الفنانة وعد بوحسون من سوريا

أصيلة . المغرب.  من صلاح هاشم

حقق موسم أصيلة الثقافي الأربعين الذي يعد أشهر وأهم تظاهرة ثقافية و فكرية وفنية في المغرب، وإمتد في الفترة من 29 يونيو الى 22 يوليو،حقق الكثير والكثير، فقد بسط  أولا  المدينة المغربية الصغيرة الجميلة على حافة المحيط  الأطلسي، وتقع علي بعد 42 كيلومترا من مدينة " طنجة" لتكون ببيوتاتها وميادينها وأسواقها ومقاهيها،بمعمارها وبحرها،ساحة للقاء والحوار، ومعرضا مفتوحا في الهواء الطلق، يخطفك بسحره وجماله.. 

 قرية الفنانين

الفنان المغربي عبد القادر لقطع في أصيلة

 ثم راحت " أصيلة " التي كانت في ما مضى-  وعند تأسيس الموسم عام 1978، على يد الأستاذ محمد بن عيسى،وزير الثقافة ووزير خارجية المغرب سابقا  - مجرد قرية للصيادين، وتضم 20 الف نسمة، ثم تحولت الآن بفضل موسمها الثقافي الدولي الى أشهر " قرية للفنانين " في عموم المغرب ،ويصل تعداد سكانها  حاليا الى أكثر من 70 الف نسمة ..

راحت " أصيلة " الي حققت زواجا سعيدا بين الثقافة والسياحة ، تفتح صدرها للقادمين اليها  من أنحاء العالم للمشاركة في ندوات وحفلات وورش ومعارض الموسم وبرنامج الدورة 33 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، وتجديد ذلك اللقاء السنوي المفتوح مع قضايا الوضع العربي الراهن وموضوعات الساعة ..

الفنان مصطفى سعيد- المعجزة- من مصر  شارك في مؤتمر موسيقى الإسلام

وذلك الطرب الأندلسي العريق، الذي تتصاعد نغماته في " أصيلة " من كل صوب، حين تروح تتجول في حواري وطرقات المدينة القديمة التي تطل على المحيط ، وتكون كل جولة لك هنا  في " أصيلة "بمثابة " غسيل عيون " وأنت تدحل في النسيم القادم من البحر. بسحر وصفاء ذلك النورالمنسكب بغزارة تفوق الوصف،ويروح يطهرنا  بروحانيته من كل أدراننا..

خلال الـ 39 سنة الماضية أصبحت أصيلة  هكذا بموسمهما الثقافي الدولي وتأسيس جامعة المعتمد بن عباد الصيفية " أيقونة " في ثقافتنا العربية، فقد اثبتت " أصيلة " ان الثقافة هي الحل،  للنهوض ماديا ومعنويا بمجتمعاتنا وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة..

 ولاشك ان الدعم الذي حظيت به أصيلة  آنذاك من قبل عاهل المغرب بالاضافة الى مناخات "الاصلاحات" المجتمعية المغربية التي نشأ فيها الموسم، ثم نما وكبر وتطور برعاية الملك محمد السادس، هي التي جعلت من أصيلة  وموسمه الثقافي الدولي أحد أهم " منارات " وفضاءات الثقافة والحرية في  عالمنا العربي، وواقعنا الثقافي العربي الإستهلاكي الظلامي " العبثي " الذي يبعث على الحزن ..

الاندماج الإفريقي أين العطب ؟

افتتح الموسم أعماله ومن منطلق أن افريقيا هي ضيف شرف الدورة 40 بندوة بعنوان " الاندماج الافريقي : أين العطب ؟ " بمشاركة عدد كبير من الباحثين والدارسين والمفكرين السياسيين، التي ناقشت فكرة التكامل الافريقي كهدف أسمى يسعي اليه جميع مواطني القارة، وكان حلما كبيرا راود الأسلاف المؤسسين، وقد أسفر عن إنشاء منظة الوحدة الافريقية عام 1963..

 لكن على الرغم مما تحقق من إنجازات في هذا المضمار، مازالت عملية التكامل الافريقي تواجه العديد من العقبات والتحديات، وشملت الندوة عدة محاور، فالى جانب التشخيصات المنجزة، محور النماذج والمنهجيات والمقاربات الجديدة اللازمة لتحقيق تكامل إفريقي أفضل،ومحور سبل تجاوز الاختلالات القائمة( الحلول والوسائل )، وناقش المحور الثالث دور الثقافات والحضارات الافريقية في أنبثاق إفريقيا موحدة ..


صحبة أصيلة


مأزق الوضع العربي الراهن

كما ضم برنامج الندوات في الموسم 40  ندوة " ثم ماذا بعد العولمة  ؟  التي أكدت  وبخاصة من خلال مداخلة الكاتب المغربي محمد الأشعري - شاعر وروائي ووزير الثقافة والاتصال ( الإعلام ) سابقا في المغرب -  التي تميزت بحس فكاهي وتهكمي عال ومرهف، أكدت على أن  " العولمة " هي مجرد آليات – أي ميكانيزمات - جديدة للتحكم في العالم بيد النظام العالمي الجديد  والقوى السياسية الكبرى،ولايرجى منها للبشرية والمعذبين الكثر في الأرض  عدالة ولا خيرا.. 
" وندوة " الفكر الديني الحاضن للارهاب : المرجعية وسبل مواجهته " و ندوة " مأزق الوضع العربي الراهن: الممكنات والآفاق"..


 ومثلما كانت غاية الندوات السابقة طرح تساؤلات وشحذ همم النخب الفكرية والسياسية المشاركة كان موضوع ندوة  مأزق الوضع العربي الراهن باتقساماته وتدهوراته وانشقاقاته وحروبه  استمرارا وإثراء لمقاربات فكرية مستندة على التأمل، والتحاور بهدوء ، ونبادل لوجهات النظر، سعيا الى استنتاجات فكرية مفتوح، تراهن على الأمل الممكن في غد عربي أفضل، والخروج من جحيم المأزق  العربي الراهن، وتحفيز من بيدهم صنع القرار على مستوى المؤسسات والقوى الفاعلة المؤثرة لايقاظ روح المبادرة فيهم..
وناقشت الندوة عدة ثيمات – موضوعات – من بينها  حراك الشارع – الثورات العربية –والمأزق العربي الراهن، والأنظمة الاستبدادية والتحول الديمقراطي المعاق، ومصاعب العبور من المأزق الى الحل،ولمح البعض من الكتّاب من خلال مداخلاتهم في الندوة المذكورة التي حضرتها ، الى أن بعض المشاركين في الندوة من رجال السياسة ،كانوا – ياللسخرية - وزراء سابقين في تلك النظم والحكومات القمعية الاستبدادية التي أدت بنا الى مأزق الوضع العربي الراهن..

كيف نحافظ على تراثنا الموسيقي من الضياع ؟


وخلال الدورة الأربعين من الموسم التي حفلت بالعديد من التظاهرات الثقافية والحفلات الموسيقية والمعارض وحفلات توزيع الجوائز:  مثل جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي وجائزة محمد زفزاف للرواية العربية( حصل عليها الروائي المغربي أحمد المديني ) ، وجائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب، وتكريم المؤرخ المغربي الكبير محمد القبلي ، ومعرض الشاعر والرئيس السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور، ومعرض الصباغة على الجداريات، والاحتفال بيوم دولة الإمارات العربية  مع ندوة بعنوان " الشيخ زايد: الرؤية المتبصرة للقائد "، والاحتفال بيوم لمملكة البحرين، ويوم لدولة الكويت، الخ ..
حتى صارت أصيلة تغلي مثل أتون بالحشد الإنساني الذي هبط اليها من أنحاء العالم من المغرب وفرنسا وأسبانيا ومصرواليابان الخ- يصل عدد السكان اثناء الموسم الى أكثر من مائة الف نسمة - وأشبه ماتكون بـموسمهما الثقافي الدولي الأربعين الى " مولد" مثل مولد السيدة زينب في مصر أو عيد.
عيد يضمنا  ونحن نختلط هنا بالحشد  الانسان في عناق، ويقربنا من خلال إعلاء قيم التسامح والحوار والوعي والتواصل مع " الآخر "، يقربنا أكثرمن إنسانيتنا، ويجعلنا بالتالي نطرح،ونحن نتصعلك في أنحاء المدينة الساحرة ،وننعم بصحبة أهلها وضيوفها ، نطرح أفضل ما فينا ونتحدث بـ " أبجدية " الصفاء .... .

الموسيقى في عالم الإسلام

خلال مولد أصيلة الأربعيني عقد المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى في عالم الإسلام  بالتعاون مع دار ثقافات العالم في باريس ،وترأس المؤتمرالباحث السوري شريف خازندار مدير دار ثقافات العالم، وكانت مؤسسة منتدى أصيلة ودار ثقافات العالم نظمتا عام 2007 مؤتمرا بعنوان " الموسيقى في عالم الإسلام " ،استضافت أصيلة خلاله أكثر من 50 باحثا متخصصا في تقييم التقاليد الموسيقية في العالم الإسلامي ، وبعد مضىي عشر سنوات ارتأت تنظيم هذا المؤتمر الثاني وبخاصة بعد الظروف والتحولات والتغييرات التي مربها عالم الاسلام، واقتضى الأمر طرح سؤال: كيف يمكن الحفاظ على ذاك  التراث الموسيقي لعالم الاسلام أو العوالم الاسلامية وحفظه من الضياع..
وناقش المؤتمر عدة موضوعات مثل  التأمل في موروث" مؤتمر الموسيقى العربية " الذي عقد في القاهرة عام 1932 ومراجعة أساليب الحفاظ على تلك الموروثات،، وكانت هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة بالتعاون مع المكتبة الوطنية في فرنسا قامت بترقيم مجموع التسجيلات التي تمت في مؤتمر القاهرة، وكانت الجلسة الأولى للمؤتمرقد  راجعت هكذا أساليب الحفاظ على هذه التقاليد الموسيقية حتى يومنا هذا، وكرست اعمالها لمدة يومين في مناقشة الأساليب المتبعة في جمع وتدوين كافة الأشكال الموسيقية للعوالم الاسلامية ومن ضمنها اغاني المهد ، واشكاليات  قضايا الهجرة المعاصرة وتأثيراتها على الابداع الموسيقي، وطرح تساؤلات حول كيفية الحفاظ على الممارسات الموسيقية  القديمة والجديدة في ظل الظروف  والأزمات السياسية التي تعصف بواقعنا الحالي وبواقع الدول الإسلامية، وكيف يمكن لثقافة موسيقية هاجرت مع ممارسيها أن تنفتح على ثقافات موسيقية أخرى مع الاحتفاظ بهويتها..
وشارك في الندوة عدد كبير من  الدارسين والمتخصصين من أمثال  باسكال كورديريكس رئيس قسم الوثائق الصوتية بالمكتبة الوطنية الفرنسية من فرنسا، وكفاح فاخوري الأمين العام للمجمع العربي للموسيقى من لبنان ، وأناس غراب أستاذ مساعد بالمعهد العالي للموسيقى في سوسة من تونس، ووعد بوحسون عازفة عود وملحنة ومغنية  ومدربة موسيقية من سوريا ، وقدسي ارجونر عازف الناي واستاذ المولوية التقليدية الصوفي واستاذ الموسيقى في روتردام والبندقية من تركيا، ومصطفى سعيد مدير مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية من مصر، وغيرهم.،وأكد الباحثون في نهاية المؤتمر على أن الحفاظ على التراث الموسيقي في عالم الإسلام لايمكن أن يتحقق من دون إرادة السياسية ..


وفي الدورة الأربعين  لموسم أصيلة الثقافي الدولي- صدر طابع بريدي مغربي خاص لتخليدها - سهرنا مع عدة حفلات موسيقية وغنائية رائعة لنبيلة معن من المغرب وماريو لوسيو من الرأس الأخضر ومحمد ابريول من المغرب وجاهدة وهبه من لبنان واستمتعنا، لكن حفل " العزف على العود " لوعد بوحسون من سوريا( عزف وغناء ) وإدريس الملومي ( عزف ) من المغرب كان أهم محطة فنية للدورة الأربعين فقد حلق بنا عاليا بصوت وعد بوحسون، وهي تتغني بقصيدة للشاعر الوزير ابن زيدون من الأندلس وهو يتذكر حبيبته الشاعرة ولادة بنت المستكفي  
"
إنّي ذكرْتُكِ، بالزّهراء، مشتاقا، والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَا

وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ، في أصائِلِهِ، كأنهُ رَقّ لي، فاعْتَلّ إشْفَاقَا


محمد بن عيسي مؤسس موسم أصيلة الثقافي - الثالث من على اليمين  - يحتفي بضيوف أصيلة من الفنانين والمفكرين والمبدعين

أجل . رحت أردد وأنا أنصت الى  صوت وعد  الأسمهاني العذب الذي يجعلنا نذوب رقة : " ليس هناك أروع من أن تكون في رحلتك، على ثقة دوما ، بأن صديقك أو صديقتك التي نحبك ..سوف تأتي اليك من آخر أرض.، حتى لو كنت تلتقي بها  لأول مرة، هنا في موسم أصيلة الثافي الدولي الأربعين ..

(  يتبع ) 


صلاح هاشم



ليست هناك تعليقات: