جان مورو ممثلة المسرح الكبيرة
غلاف جريدة ليبراسيون
جان مورو إذا حكت
الحوار الأخير مع أيقونة السينما الفرنسية
أجرى الحوار : آني دياتكين
جان مورو المغنية
اعداد وترجمة
صلاح هاشم
جان مورو : لم أمثل ابدا في حياتي من أجل
المال ..
في هذ الحوار الأخير مع الممثلة الفرنسية الكبيرة
الراحلة جان مورو الذي نشرته جريدة ليبراسيون الفرنسيةاليومية عام 2011 ثم اعادت نشره
في عددها الصادر يوم 1 اغسطس 2017 اي
في اليوم التالي على وفاة أيقونة و "سارة برنار" السينما الفرنسية، وتنشر " سينما إيزيس " هنا مقتطفات منه
تتحدث جان مورو- ودعونا نستمع من جديد الى" صوتها
الأجش" الذي سحرتنا به في كل أفلامها – تتحدث عن حياتها وفنها وتكشف عن حقائق وأسرار لأول مرة
*
أنت ياصغيرتي في هذا الكون الشاسع مجرد ذرة تراب
عندما وصلني ذلك الكتاب بعنوان " جان مورو
اللاخاضعة " لجان كلود موارو الصادر عن دار نشر فلاماريون في باريس والذي يحكي
عن حياتي ومسيرتي الفنية، ويلخص في أكثر من اربعمائة صفحة 83 سنة من عمري صدمت..
حيث اني في نفس اليوم طالعت في جريدة ،انه خلال الخمس
سنوات القادمة سوف يتزايد عدد السكان في العالم بمقدار مليارات ومليارات، فقلت
لنفسي إن ياصغيرتي: ماذا تكون جان مورو
هذه إذن في هذا الكون اللانهائي.. سوى مجرد " ذرة تراب " ..
لا اتذكر جيدا التواريخ ، بل اتذكر المشاعر والعواطف
العميقة الجياشة التي خبرتها في مواقف وأحداث معينة في حياتي وكل ذكرياتي عن تلك
المشاعر التي مازالت تسكنني..
انا من مواليد عام 1928 من أب فرنسي وأم بريطانية وهي "خلطة"
كانت غريبة ومدهشة وغير معتادة، بالنسبة للفرنسيين في ذلك الوقت، وكنت ادركت وانا
طفلة صغيرة لم تتجاوز الخامسة بعد، ان حياة الكبار البالغين حياة عبثية تماما ولا
طائل من وراءها. كانت امي تعمل راقصة وكان أبي يملك مطعما، ثم انه اشتري في مابعد
محلا لبيع الدخان. لم تكن أمي تتكلم بالفرنسية ، وكانت اذا تكلمت لوحظ لكنتها، وقد
حافظت امي طوال حياتها على تلك اللكنة ،وقد عرفت بالمصادفة ان جدتي لأبي ،وكانت
سيدة متدينة ومحافظة جدا، اقترحت على أمي الحامل في أن تساعدها اذا قامت بعملية
إجهاض للتخلص مني، من المولود في بطنها، فقد كان زواج ابنها من بريطانية امرا
مرعبا ولا تستطيع ان تقبله ابدا. لقد عرفت دوما اني طفلة لم تكن مرغوبة، ولا احد
يريد لهذه الطفلة جان أن تكون، ولاشك ان هذا الأمر يغير من أشياء كثيرة في حياتك
كان ابي يتوقع ان تنجب أمي ولدا، وفي اليوم الذي
ولدت فيه كان يشرب مع بعض اصدقائه، وعندما وصلوا الى دار المحافظة لاستخراج شهادة
ميلاد لي سألت الموظفة أبي : ولد أم بنت ؟
فقال ابي: لقد كنت اتوقع ولدا اسميه
" بير " ، وحيث انها جاءت بنت فلنسمها " بيريت "، فقالت
الموظفة: حرام عليك . انه اسم صعب وقاس جدا بالنسبة لطفلة صغيرة ، سمها " جان
" ، و هكذا كانت هذه الموظفة - وليس
أبي – هي التي منحتني إسمي..
كيف كان لاكتشاف المسرح في نفسي وقع الزلزال
عندما ادركت وأنا طفلة ان حياة الكبار هي العبث بعينه ولا
طائل من وراءها، أردت أن أكون راهبة ،ورحت اتردد على مدرسة للراهبات، وكنت احب جو
الحياة مع الراهبات اللطيفات و كنت اقرأ لهن من الكتب، وأكره جو المقهي المطعم
الذي يمتلكه ابي، وسلوك الزبائن من الفرنسيين ، وكلامهم وتصرفاتهم العنصرية فيه
وكراهيتهم للغرباء ، بينما كنت استمتع بعزف جارة، كانت تسكن معنا في نفس البيت في
مدينة فيشي الفرنسية، وكان عزفها على الكمان يسحرني، غير اني لم لم اجد وقتا
لتحقيق حلمي في أن اكون عازفة مثلها، بعد ان اضطررنا، بعد افلاس أبي، الى الانتقال
للعيش في باريس ..
في باريس حصلت على عدة منح لتكملة دراستي، لكن ابي لم
يكن سعيدا ابدا بذلك ،وكان يفكر في اني تعلمت قدرا من القراءة والكتابة والجمع
والطرح، بما يكفي لأن أتزوج من دخاخني ، وأصبح أما، وربة بيت..
وذات مرة ذهبت سرا وأنا صغيرة مع شلة من اصدقائي لمشاهدة
مسرحية " أنتيجون " للكاتب المسرحي الفرنسي الكبير جان أنوي، فكانت بمثابة إكتشاف كبير لي، اهتز له كل كياني
، ووقعت زلزلة لي، فقد كانت فرنسا تحت الاحتلال النازي آنذاك ،وكانت تلك المسرحية
بمثابة قصيدة في مدح التمرد والعصيان، حتى
لو تطلب الأمر، أن يضحي المرء في سبيل ذلك بدمه وحياته،وقد تحمست كثيرا
للمسرحية ودخلت التمثيل وأصبحت ممثلة ،كما لوكنت قد اعتنقت دينا جديدا، وصرت صاحبة
رسالة كرست لها كل حياتي بتفان كامل- رسالة نقل المعارف الجديدة ..
كلا .. لم اعتنق التمثيل من أجل الشهرة والمجد – انا لا
اعرف ما هو المقصود.. بالمجد – وكنت طوال فترة دراستي للتمثيل- سرا - على يد أساتذة وعباقرة هذا الفن في فرنسا، ومن دون ان
استطيع ان ادفع لهم اجورهم، كنت انال الكثير من التشجيع من جهتهن، لاحتراف وممارسة
تلك المهنة.. النبيلة.. ولم يكن لدي ما امنحه لهم في الواقع، نظير جهودهم وتفانيهم
وقسوتهم في تعليمي، سوى كل الاجلال والاحترام والتقدير، ولاشييء غير ذلك.. بينما كانت
علاقتي بالسينما آنذاك، متصلة فقط بشريط صوت الأفلام التي كانت تعرض في قاعة قريبة
من منزلنا..
فلم أكن حتى ذلك الوقت قد شاهدت فيلما في حياتي، أو ذهبت
الى دار عرض. وهكذا كانت أولى الأصوات السينمائية التي سمعتها في حياتي في فناء
منزلنا أصوات الممثلين الفرنسيين الكبار من أمثال بيير فريناي وشارل بوير و
الممثلة إيفون برنتان ..
في باريس كنا نسكن في الدور الخامس في بيت تشغل بائعات
الهوى دورا كاملا فيه، وقد ارتبطت بهن، وكن يعطفن علي،وكنت عندما عملت كممثلة
ناشئة ، وينتهي العرض المسرحي الذي اشارك فيه، في وقت متأخر من الليل ،وحيث اني لم
اكن املك وقتذاك من المال مايكفي لدفع أجرة تاكسي..
كن يكشفن لي كيف
أعود الى البيت سيرا على الاقدام من خلال السكك الآمنة، ومن دون التطرق الى
الشوارع، التي يمكن ان اتعرض فيها لمعاكسات أو مضايقات..
ولذا عندما أصبحت ممثلة في فرقة مسرح الكوميدي فرانسيس
العريقة، كنت أوزع عليهن التذاكر المجانية الممنوحة لي، وأجدهن يجلسن في الصفوف
الأمامية في المسرح، لمشاهدتي وتشجيعي وأنا أمثل..
وكنت اعطيت أمي أول أجر تحصلت عليه من التمثيل حتى تنتقل
الى بيت آخر، وكان أبي يجهل تماما عملي بالتمثيل أنذاك ، الى أن نشرت جريدة "
باريس سوار " المسائية صورة لي وأنا أمثل في مسرحية " شهر في الريف
" للروسي تورجنيف ، فكشف عنها زبون لأبي وهو يقول : أنظر لقد صارت ابنتك
مشهورة، فظل أبي يطاردني الى ان سكنت في بيت قريب من مقبرة مونبارناس، وهكذا كنت
دائما أجد من ضمن فتيات الليل فتاة تصطحبني الى بيتي عن عودتي من المسرح
لم أمثل ابدا في حياتي من أجل ألمال
عندما التقيت بالمخرج الفرنسي الشاب لوي مال كنت أمثل
كثيرا في السينما على الرغم من اني غالبية الأفلام التي مثلتها وحتى ذلك الوقت لم
تكن قد تركت اثرا يذكر، لكن كان يمكن تمويل وانتاج فيلم ما اعتمادا على سمعتي ،
غير ان وكيلي الفني عندما علم بأمر عملي مع لوي مال واضطلاعي ببطولة فيلمه الجديد
" مصعد الى المقصلة " قال لي : لا اريدك ان تعملي ابدا مع هذا الشخص وعليك
ان تختاري إما ان نستمر في العمل معا أو تعملي مع لوي مال " وقد كانت مخاطرة
كبيرة، غير اني فضلت ان ارحل، واضحي بعمل مضمون، واخترت العمل مع لوي مال..
على الرغم من
اني لم اتقاض مليما عن الافلام التي مثلتها مع كبار ومشاهير المخرجين والتي تعلق
اسماؤهم مازالت كنياشين فوق صدري، فمثلا المخرج الامريكي الكبيرأورسون ويلز عندما
كنت أمثل معه، لم يكن احد يرغب في تمويل افلامه، ونفس الشييء حدث مع الاسباني لوي
بونويل، الذي كان فيلمه " مذكرات خادمة" أول فيلم يخرجه بعد عودته من
منفاه في امريكا الجنوبية ، وكان جوزيف لوزي الذي مثلت له فيلم " إيفا "
مطاردا من قبل السلطات الامريكية، كما اني لم اتقاض اي أجر عن دوري – دور البطولة –
في فيلم " الليل " اخراج الايطالي مايكل انجلو انطونيوني بعد أن أشهر
منتح الفيلم عن إفلاسه، ولم يتقاضى أجره في الفيلم سوى مارشيلو ماستروياني لأنه
يعيش هناك في ايطاليا ..
أنا لم أمثل ابدا في اي فيلم في حياتي من أجل المال ..أو
من أجل.. صنع إسم لي.. أو مستقبل لي في السينما ..ولذلك تجدني رحبت بالظهور ومن
دون أجر كممثلة ضيفة على الفيلم في أكثر من فيلم ، وكان الدافع هو التسلية فقط
، فمثلا تجدني ظهرت في فيلم " 400
ضربة " لفرانسوا تروفو لأني كنت اعرف تروفو.. كما ظهرت في فيلم " إمرأة
هي إمرأة " لجان لوك جودار ، و..كنت أتسلى ..
أفلامي لا تطرح صورة لجان مورو من صنعها
لا اعتقد ان الأفلام التي مثلتها في حياتي تشكل في
مجموعها بورتريه ذاتي أو صورة شخصية لجان مورو من صنعها، لأن معظم الشخصيات التي
لعبتها كانت شخصيات نسائية لا توجد إلا في ذهن وأحلام مخرجي تلك الأفلام فقط,, ولا
وجود لها الآن في حياتنا، واعتقد ان فيلم " الأم والعاهرة " للفرنسي جان
أوستاش وضع نهاية لتلك الفترة، ومن بعدها صارت السينما كما رأيتها وتمثلتها تعالج
موضوعات اجتماعية وتعرض لمشاكل الزوجين وتطرح صورة لمشاكل الواقع الذي نعيشه ..
الايقاع في السينما وحده يكفي
كان المخرج الفرنسي الكبير جاك دومي يطلب مني وأنا أمثل فيلم " خليج
الملائكة " معه أن التزم بالنص المكتوب في السيناريو، بالضمة والفتحة والكسرة،
والنقطة التي يجب وأنا أنطق الكلام المكتوب أن أتوقف عندها..
السينما أيضا
كما فهمت من جاك هي مسألة " إيقاع " .طريقة نطق الكلمات تمنح الفيلم
إيقاعه.لم يكن سيناريو " خليج الملائكة "يحتوي على أية توصيفات
سيكولوجية لمشاعر وأحاسيس شخصيات الفيلم..
ان كل ذلك في
رأي دومي لا يهم .المهم هو " الإيقاع " . الايقاع وحده يكفي.. وعلى
الممثل ان يجعلنا نستمع فقط الى كلمات أشخاص آخرين. هذا عو عمل الممثل ، وأنا أضع
الكتابة وحدها ، في مرتبة أعلى من التمثيل.وأعتبر " فن التمثيل " وسيلة
لتكريم الكتّاب وأحب جدا عندما اختفي تماما خلف الأدوار التي ألعبها ..
أجل .. لا اعتقد ان ملكة " الفضول " لدي..
تذوى وتذوب وتذهب بمرور الوقت، بل على العكس، انها تكبر وتنضج مع الزمن، والدليل
على ذلك انك تجدني دوما متحمسة للتمثيل في فيلم جديد لمخرج جديد. مخرج من استونيا
مثلا لا اعرفه، ولا اعرف اي شييء عن بلده ،ومع ذلك ارحب بالتمثيل في فيلمه،
لاستكشاف ثقافة وحضارة بلده ،والعالم من حولنا. والتعرف على جان مورو ذاتها ،
واستكشافها أيضا من جديد..
اجرى الحوار : أني ديلتكين
اعده وترجمه
عن الفرنسية : صلاح هاشم
وداعا جان مورو. لقطة لجان في فيلم " الليل " لانطونيوني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق