الثلاثاء، يوليو 18، 2017

الزيارة . قصة قصيرة لصلاح هاشم من مجموعة " الحصان الأبيض "





قصة قصيرة


الزيارة

 *قصة قصيرة لـ
صلاح هاشم




كنا نجلس في الغرفة ثلاثتنا نتحدث ..أنا وهي .. أقصد حبيبتي .. والضحك .

كنت قد عدت من عملي خائر القوى منهوكا بعد أن قضيت طيلة نهاري وأنا أدون مجموعات جديدة من الحفريات إكتشفت في منطقة سقّارة .

سحبت من جيبي منديلا أصفر مسحت به جبهتي التي تنضح عرقا .

كانت حبيبتي تجلس على كرسي من خشب الخيزران.. صامتة .. وقد إنكفأ وجهها فوق ثدييها ..
كانت بالأمس تحملق في، وتقول لي كلاما لم أسمع لسانها ينطق به من قبل .

كانت تقول لي :

-نحن في حاجة الى طفل جديد ، فبالأمس جائتني الغجرية ، وقالت لي أنني سأخنق طفلي مرة ثانية حين يجييء الى هذا العالم ..

زوجتي حميدة كانت تصبغ شعرها كل عام، أما الآن فهي تصبغه كل شهر .
قلت لها مرارا وتكرارا

-لافائدة ياحميدة.. لابد أن تغيري القبقاب الخشبي، فصوته المزعج يتردد في أذني وأنا غارق في مياه الحمّام، استشعر لذتها وبكل ذرة في كياني .

كانت حميدة تردد دائما في وجهي أن زهرة اللوتس في حديقتنا قد ذبلت، وأن الإله اوزوريس سيشرق يوما على هذه الارض لتنعم النساء ببركته .

-كلا

كانت تقولها في حرقة، وهي تجلس نصف عارية على حافة الفراش والساعة تدق الواحدة بعد منتصف الليل، وسكون مطبق يلف الوجود في غلالة سوداء.
-أه لو لمسني الإله العظيم بصولجانه الشمسي، إذن لأينعت زهرة اللوتس في حديقتنا ..
- ياعزيزتي ، ينبغي أن تشتري قبقابا جديدا

فأجابتني قائلة

-بائع القباقيب الخشبية الذي يقف عند ناصية الشارع لم يعد هناك . فبالأمس قبضوا عليه. البوليس قبض عليه بعد أن قتل زوجته، وجرى الى الشارع وهو يصرخ في الغادين والرائحين..
-قلت لها الف مرة أن تشتري حزمة من أوراق النعناع، تجففها في الشمس ساعة الغروب ، ثم تبتلعها، عل المولود، يخرج الى الوجود ولو مرة واحدة فعضتني إبنة الكلب.
كان يصرخ في الناس يا أبا شجير ..ويقول


-زهرة اللوتس ذبلت في حديقتنا


كانت زوجتي كثيرا ماتتأوه في الفراش وأنا أتمتم في إذنيها بإسم الإله أوزوريس خالق الحياة وحاصد الأمل، أقول :

-يازوجتي العزيزة أنا في حاجة الى طفل لا تخنقيه..

بل كثيرا ما كانت تهب من نومها فزعة وهي تقول :

-غدا سآتي إاليك بطفل تغار النجوم من جماله

زوجتي حميدة كانت تحب العسل. كنت أحضر لها كل شهر بلاصا من العسل . كانت زوجتي تلعق العسل بلسانها ثم تقول :

-ما احلى العسل .

ثم تشير بيديها الى كائن غريب كان ينصت الى حديثنا من وراء النافذة وتقول :
-ياصديقي..يا ولدي العزيز ..يارفيقي في الحياة ..أنت أحلى من العسل .

ثم تسألني :

-         متى يازوجي العزيز تزهر زهرة اللوتس في حديقتنا ؟
فأجيبها :

-         غدا أو بعد غد يازوجتي الحبيبة.

كان الضحك في مدينتنا يزورنا كل يوم خميس وكان هذا يوم الخميس .

حين علمت زوجتي أن الضحك سيزورنا، إشترت ثريا جديدة، علقتها في غرفة الصالون، وشمعتين كبيرتين، وضعت إحداهما على يمين الداخل، والأخرى على يساره، وفرشت الأرض بالحناء، وضمخت جسدها بعطر الياسمين، ولأول مرة تدق الدفوف في دارنا وتعقد حلقات الذكر .
ضحك الضحك . ضحكت زوجتي. ضحكت أنا الآخر.

مر درويش أسفل النافذة وهو يصيح :

-غدا يزوركم الإله أوزوريس فاضحكوا ما شاء لكم الضحك. غدا تزهر زهرة اللوتس في حديقتكم

ثم نظر الى أعلى.. وصاح بأعلى صوته :

-يامن سيصير أبا شجير .. إبشر خيرا. يامن سيصير أبا شجير إبشر خيرا

لحظتئذ أمطرت السماء. صرخت في زوجتي :

-يا أم .. يا أم ..تعالي بللي جسدك بالمطر.. تعالي بللي جسدك بالمطر .

زوجتي أغلقت النافذة بعد أن بللت جسدها كله بالمطر من مفرق الرأس حتى إخمص القدم وقالت للدرويش :

تعال غدا الى منزلنا فسننعم عليك بالكثير .. والكثير..




--


 * تعريف بالمؤلف


·   " الزيارة " قصة قصيرة- اللوحة المرفقة لروبرت هال إيفيس بعنوان إمرأة خارجة من الحمّام - -  من مجموعة  "الحصان الابيض " للقاص والأديب صلاح هاشم وكانت صدرت عن " دار الثقافة الجديدة ".مصر عام 1976،  "الطبعة الثانية" تصدر قريبا..
·     صلاح هاشم مصطفى مؤلف مجموعة " الحصان الأبيض " هو كاتب وناقد ومخرج سينمائي مصري معروف و مقيم في باريس.فرنسا، ويعد من أبرز كتّاب القصة القصيرة في جيل الستينيات في مصر.
·     يكتب القصة القصيرة منذ عام 1967. نشرت قصصه ومقالاته وترجماته ودراساته في جريدة " المساء " و مجلة " روز اليوسف " و مجلة" الوطن العربي " و مجلة" كل العرب" و جريدة " الحياة " وجريدة " القاهرة "، و مجلة" المجلة " و جريدة " الشرق الأوسط "و جريدة " الأهرام الدولي " وغيرها
كما نشرت على صفحات العديد من المواقع مثل موقع " إيلاف " و موقع " سينما إيزيس " وموقع " عين على السينما " ..
·     أخرج العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة والطويلة،وجميعهاعن مصر، تاريخها وذاكرتها، مثل فيلم " البحث عن رفاعة " وثائقي طويل وفيلم " أول خطوة " وثائقي قصروفيلم " وكأنهم كانوا سينمائيين . سحر السينما المصرية الخفي وشهادات على سينما وعصر " والفيلم الأخير - وثائقي طويل - يحكي عن تأثيرات السينما المصرية في "الوعي الجمعي" لدى المصريين وفي حياتهم ، وصدر لصلاح هاشم  عن المركز القومي للسينما في مصر ولحد الآن 3 كتب تتضمن كتاباته السينمائية المتميزة في الفن السابع مثل كتاب "السينما العربية خارج الحدود " و كتاب " الواقعية التسجيلية في السينما العربية الروائية " وكتاب " مغامرة السينما الوثائقية ، تجارب ودروس " وقد صدرت طبعة ثانية من كتاب "السينما العربية خارج الحدود " عن الهيئة العامة للكتاب في مصر حديثا.



كتاب " السينما العربية خارج الحدود " لصلاح هاشم
 الصادر حديثا عن الهيئة العامة للكتاب
 طبعة ثانية


ليست هناك تعليقات: