الجمعة، نوفمبر 18، 2016

ندوة اليوم في القاهرة السينمائي 38 لـ " صانع البهجة " محمود عبد العزيز



محمود عبد العزيز الشيخ حسني او زوربا المصري في فيلم الكيت كات



ندوة اليوم في القاهرة السينمائي 38 
لـ " صانع البهجة " محمود عبد العزيز


ينظم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 38 برئاسة د. ماجدة واصف ندوة اليوم الجمعة 18 نوفمبر بعنوان " صانع البهجة . في حب محمود عبد العزيز " بالتعاون مع نقابة المهن التمثيلية  وتحت إشراف الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي ، وتقام الندوة في " المسرح المكشوف " بدارىالأوبرا المصرية من الساعة 4 عصرا وحتى السادسة مساء.
وفي مايلي المقال الذي كتبه الناقد السينمائي المصري صلاح هاشم  عن الفنان الكبير الراحل الممثل النجم محمود عبد العزيز ونشرته جريدة " القاهرة " الاسبوعية في عددها 852 الصادر بتاريخ الثلاثاء 15 نوفمبر2016..
 
محمود عبد العزيز :  " زوربا" المصري ..

بقلم
صلاح.JPG
صلاح هاشم*

هل تصنع الأفلام في غرفة المونتاج وأن أهم عامل من عوامل نجاح فيلم ما هو مونتاجه، كما كان المخرج الايطالي الكبير أنطونيوني صاحب فيلم " الخسوف " و " الصحراء الحمراء " و " المغامرة " يحب أن يردد..
أما أن  "الممثل " هو وحده الذي يصنع عظمة الفيلم، كما كان يقول المخرج الأمريكي العظيم دافيد جريفيث صاحب فيلم " ميلاد أمة" الذي أسس لفن السينما لغته وأجروميته، وكذلك المخرج الأمريكي الكبير أورسون ويلز صاحب فيلم " المواطن كين

   أيقونة لكل العصور

 وعلى اعتبار أن الممثل هو الذي يحقق للفيلم تألقه وتوهجه ونجاحه،عنما يبرز فيه الممثل بطل الفيلم، ويشمخ بتمثيله، فيجعلنا نتعاطف مع الشخصية التي يلعبها، ونتماهي معها ،حتى نكاد نستشعر لفح أنفاسها- أنفاسه - في وجوهنا..
 كما فعل بنا  الفنان الممثل القدير محمود عبد العزيزعندما جسد شخصية البطل في فيلم " القبطان " لسيد سعيد ، وكما لخص فلسفة الشعب المصري في إشتهاء إلتهام الحياة ..
من خلال شخصية " الشيخ حسني  " - زوربا المصري كما أحب أن أسميه-  التي جسدها محمود عبد العزيز على الشاشة بإقتدار رائع وصعد بها الى قمما عالية، جعلت منه " أيقونة " من أيقونات السينما المصرية، ولكل العصور ..
حزنت كثيرا جداعندما بلغني نبأ رحيل الفنان الكبير محمود عبد العزيز الذي أعتبره " علامة "من علامات التمثيل في " السينما المصرية الواقعية الجديدة" التي كان يصنعها في مصر جيل الستينيات الذي أنتمي اليه من المخرجين الشبان الجدد من أمثال عاطف الطيب- ويحضرني الآن محمود عبد العزيز بتمثيله شخصية مركبة في دور ضابط السجن في فيلم " البريء " لعاطف الطيب ..
 وعلى بدرخان- الذي اضطلع محمود عبد العزيز بدور البطولة في فيلمه البديع " الجوع "المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ..
ودادود عبد السيد الذي حضر محمود عبد العزيز في فيلمه " الصعاليك " الى جانب نور الشريف، وربما كان محمود- بالتواطؤ طبعا مع مخرج الفيلم داود عبد السيد ومن دون وعي - يؤسس في هذا الفيلم أو يضع " بذرة " شخصية الشيخ حسني  الأعمى الكفيف ، التي لعبها في مابعد في فيلم " الكيت كات "، ويرسم بعضا من ملامحها في صورة الولد الصعلوك الضائع الصايع الشقي..
 وكان من الطبيعي أن يمضي الكثير من الوقت، وتتغير ظروف مصر بلدنا، قبل أن تنضج شخصية الشيخ حسني وتكتمل، لتكون معبرة عن"  فلسفة حياة " كاملة لشعب مصري عريق، وأن يعبر محمود عبد العزيز، من خلال كل تلك الشخصيات الكوميدية والدرامية التي لعبها في سلسلة من الأفلام..
 يعبر تلك المسافة الزمنية التي تفصل بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي صنعت الولد الصعلوك الشقي في فيلم " الصعاليك" ، والظروف الاجتماعية – خلال فترة الانفتاح الاقتصادي- المغايرة التي خلقت شخصية الفيلسوف الأعمي الكفيف الحكيم الشيخ حسني في فيلم " الكيت كات " وحققت لمحمود عبد العزيز نجوميته، وجعلت منه بطلا شعبيا يصعد الينا من قلب الحارات الشعبية في بر مصر العامرة بالخلق والناس الطيبين..

              شاعرية تسخر من مأساة الواقع

ليس "الكيت كات " فيلما – هكذا كتبت تحت عنوان " شاعرية تسخر من مأساة الواقع " بعدما شاهدت الفيلم الذي  صنع مجد " القبطان " محود عبد العزيز – إنه أكبر من ذلك بكثير ..
إنه " شمس " تطلع على مصر ، بعد أن كنا فقدنا الأمل في أن تخرج أمنا الكبرى من محنتها بعد كوارث الانفتاح في نهاية النفق المظلم حتى قال البعض وهو يضرب كفا بكف : " خلاص، لا سينما ولا يحزنون، عليها العوض "، ثم فجأة يطلع علينا داود عبد السيد المخرج المصري الكبير برائعته السينمائية هذه، فإذا بها بمثابة "عودة الروح " للسينما المصرية ..
ليس " الكيت كات " فيلما، إنه " قصيدة سينمائية " باهرة مطرزة بالحنين، لإذ يصور الفيلم الحياة في حي شعبي بالقرب من إمبابة، فيدلف بنا الى " ألفة " مصر المتوهجة بحب الحياة والبشر، بإحباطات كل يوم ومشاكل النهار والليل، ويجعلنا نعيش مع كفيف يحتال على العميان، ويركب الموتوسيكلات في الحواري ويعشق السينما، ثم اذا بهذا الكفيف الموسيقار العازف، الشيخ حسني،  وكأنه أحد فلاسفة وحكماء عصر ولى، يحقق لنا في الحياة وهو فاقد البصر، مالا نستطيع نحن المبصرون أن نحققه..
إنه ببساطة " درس " في السينما المرتبطة بواقع مصر، ومنجز بحرفية متأنقة يتمتع بها مخرج سينمائي قدير، استطاع أن ينطلق من واقعية أستاذه صلاح أبو سيف، ليطورها ويعمل فيها عمله مثل السحر، محطما ذلك الجمود الكلاسيكي الواقعي الصلب الذي تميز به عمله الأخير " المواطن مصري "، لكي يطل بنا بفيلمه هذا " الكيت كات " ..
على سحر الحياة ، وسحر " الروح " " المصرية التي تضحك في قلب المأساة، وتفلسف وجودها بإنسانية عميقة، تعانق فيها كل الموجودات والكائنات، لكي تصل مباشرة وببساطة الى القلب.. " ..
ولولا وجود هذا القبطان الممثل الساحر محمود عبد العزيز في دور الشيخ حسني – أو "زوربا المصري" كما أحب أن أسميه - لما كان لتلك الروح المصرية المتوثبة الجبارة التي تولد مثل العنقاء في قلب دراما ومآسي الحياة الكبرى- عصر الانفتاح " الساداتي " المدمر وويلاته- أن تهض من عثرتها و كبوتها،  لتجدد فينا الأمل في إشتهاء إلتهام الحياة في " بر مصر " من جديد..

*صلاح هاشم

كاتب وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس.فرنسا
مؤسس ومحرر موقع سينما إيزيس

ليست هناك تعليقات: