الأحد، أغسطس 28، 2016

فيلم " إشتباك " والتزوير بالفن حتى الثمالة بقلم محمد صلاح الدين في " مختارات سينما إيزيس "

مختارات سينما إيزيس
زاوية ننشر فيها مايعجبنا ويحفّز على التأمل والتفكير
المحرر : صلاح هاشم مصطفى

فيلم " اشتباك " .. والتزوير بالفن حتى الثمالة !!

 
بقلم


 محمد صلاح الدين
 


 التزوير في هذا الفيلم العجيب واضح ومن أول مشهد فيه .. والعجيب أن حالات التزوير هذه ، ستظل مستمرة معك ، ومن أول مشهد وحتى آخر مشهد فيه !!
أنه فيلم " اشتباك " المائع حتى من اسمه ، فلا تعرف اشتباك من مع من ؟ أهو اشتباك المتظاهرين المقبوض عليهم مع المتظاهرين غير المقبوض عليهم ؟ أم اشتباك الجميع مع الداخلية ؟ أم اشتباك المقبوض عليهم أنفسهم مع أنفسهم ؟ خاصة وأنهم بدوا لنا وكأنهم فئات وأصناف مختلفة من البشر ومن كل الاتجاهات .. حيث تدور أحداث الفيلم كلها داخل " سيارة الترحيلات " ، التي تزدحم بالمقبوض عليهم من المتظاهرين ، أو حتى المتواجدين في الشارع بلا ذنب اقترفوه !! هكذا يدعي الفيلم علينا وعلى الداخلية أنه يمكن لها أن تقبض على الناس أو تعتقلهم بلا ذنب أو جريرة ، وهذا ما يثير بالطبع دهشة المتفرج ، خاصة وأن الأحداث تدور بعد ثورة 30 يونيو ، والتي لم تستمر سوى ثلاثة أيام فقط لم يظهر فيها هذا القبض العشوائي ، أو هذا الاختيار " السينمائي " في القبض على كل طوائف المجتمع بلا تفرقة أو تمييز .. لنجد أنفسنا نتساءل : متى حدث هذا ؟ وكلنا شاركنا في ثورة 30 يونيو ، ولم يكن فيها بالطبع هذا الإدعاء أو الافتراء على الداخلية ؟ والمعروف أن ثورة 30 يونيو لم يحدث فيها أي شغب ، حتى من الإخوان أنفسهم ، وأن جرائمهم تمت بعدها مباشرة ، خاصة بعد إعلان عزل مرسي في 3 يوليو ، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيساً مؤقتاً للبلاد ، لحين إجراء انتخابات جديدة ..!
ولكن هكذا أراد مخرجه الشاب محمد دياب ، والذي كتب سيناريو الفيلم مع شقيقه خالد دياب ، بل وبإنتاج أو تمويل الداعية الإسلامي المعروف معز مسعود ، الذي من الواضح أنه كان له رأي في هذا " الاشتباك " الإدعائي والمزيف ، والذي يوصم ثورة 30 يونيو تحديداً ، بما ليس فيها ، وكأنه يدينها بوضوح ، ومن أول مشهد ، حتى آخر مشهد في الفيلم ، والذي أعتبره مسخرة بكل المقاييس ، حتى من النواحي الفنية قبل أن تكون من النواحي السياسية أيضاً ..!!
" التطبيل الغربي للفيلم ! "
طبعاً الفيلم حظى بدعاية لا مثيل لها ، حتى بدا لأي ناقد أو محلل للفيلم أنه حتماً سيقع تحت ضغوط لا قبل للبعض بها .. من أول اشتراكه في مهرجان " كان " ، ثم الإدعاء بأنه " خلاص " ، بكده الفيلم أصبح عالمياً ، لا أعرف كيف ؟ وهو حتى لم يحصل على أي جائزة ولو بسيطة ، لأن هذا هو طبع الغرب في التعامل مع أفلامنا المناهضة لسياسة البلد أو لاختيارات الشعوب ، تؤيده وتطبل له ، ثم فجأة تتخلى عنه ، وتكتفي بأنها نولته " شرف المحاولة " !! وانتهاء بآراء بعض الفنانين العالميين ، المطبلين أيضاً ، لبعض المهرجانات السينمائية التي تحتفي بهم ، فيزيد هو الآخر من دعايته وتمجيده وتفخيمه ، لعل مهرجانه يرضى عنه ، فيزيده استضافة وترحيباً ، ويكرمه أكثر فأكثر .. ومنه يقع أيضاً الناقد أو المحلل المصري تحت نفس الضغط ، ونفس " التطبيل " ..!!
نعود للفنيات لنرى من أول مشهد شابين يتم الإلقاء بهما في سيارة الترحيلات ، ثم نفهم من صراخهما أنهما صحفيان ، ثم نرى أحدهم يستخدم تقنية عالية جداً بتصوير الضباط والعساكر من خلال كاميرا خفية في ساعة يد ، رغم أنهم صادروا كاميرته الأصلية ، وهكذا شهد شاهد من أهلها ، أن مندوبين صحف الغرب يعرفون من أين تؤكل الكتف ، وأنهم في مصر في مرتع آمن لتصوير كل شيء ، وتشويه كل شيء ، ما دامت صحفها الأجنبية توفر لهم أحدث التقنيات لاختراق نظام هذا البلد !!
بعدها تتوالى الشخصيات في هذه السيارة المركونة بشكل عفوي غريب في الميدان ، منها أب وابنه ، مما تضطر الأم لضرب السيارة والقوات بالطوب حتى تظل معهما ، حتى ولو في عربة الترحيلات .! ثم نرى مجموعة من الإخوان يلقون بداخلها ، ولأنهم إخوان فعلى الفور يشكلون " جيتو " حتى داخل هذه العربة الضيقة ، ويقسمون أنفسهم ما بين عضو ومتعاطف ومحب ، ثم مرشد لهم أمام اندهاش الجميع أو حتى سخريتهم .. ثم نرى عجوز وابنته ، وآخرين بينهم البلطجي والحرامي والثوري ..! وهو انتقاء به الكثير من المبالغة ، حيث أن هذا التنوع المفتعل " الفني أكثر منه واقعي " ، لا يمكن أن يكون هكذا في يوم أو أكثر لثورة 30 يونيو التي كانت واضحة ، وفي اتجاه واحد لعموم الشعب ، بينما أختفى خلالها الإخوان في البيوت ليروا ماذا سيحدث ، باستثناء طبعاً بؤرتي " رابعة والنهضة " ، والتي بدأت أحداثها من قبل الثورة الكبرى بعدة أيام ، بدليل اختيار الأماكن عشوائياً ، مما أضرهم بعد ذلك أكثر مما أفادهم ، لأنها كانت أماكن تجمع وسط المواطنين والسكني والجامعات ، ولا تصلح للاقتطاع ألبته ..!!
" سكة السلامة ! "
لا شك أن التصوير داخل مكان واحد مغلق هو ممتع في حد ذاته ، ويعطي فرصة ذهبية للمصور أن يعدد زوايا لقطاته كثيراً ، وإلا وقع الفيلم في مشكلة عدم المصداقية ، بل وكانت الفرصة الذهبية الأكبر لمجموعة الممثلين الكثيرين ومعظمهم من الشباب ومع محترفين ، من أول نيللي كريم وطارق عبد العزيز ، وحتى ميّ الغيطي وأحمد داش وكذا شباب أدوار الإخوان ، وغيرهم ممن تُعطى لهم الفرصة السانحة لإظهار مواهبهم ، وكذا طبعاً المخرج ، وكاتب السيناريو ، رغم أن نيللي كريم فضحتهم على الهواء ، وأعلنت أنها هي التي أضافت الأدوار النسائية في الفيلم الذي كان رجالياً مائة في المائة ، وأضافت أشياء أخرى ..!
رغم كل هذا ، ورغم التشابه المثير مع أفلام أخرى مثل " بين السماء والأرض " أو " نهر الخوف " ، أو حتى مسرحية " سكة السلامة " ، إلا أن السياسة قد طغت على كل هذه الفنيات بشكل فج ، بل وكان صراعها يشي بأن كل شيء مرسوم ومتعمد بالأوفر من أجل إظهار وجه آخر للإخوان غير الذي نعرفه ، مثل قول المرشد : " إحنا مظاهرتنا سلمية " ! دون أن يعقب أحد على جملته الكاذبة هذه ، أو جملة : " ولما نرجع للحكم كل شيء حايتصلح " ! ثم يتلو قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا ) .... إلى آخر الآية .. وتجيء النهاية العجيبة المفتعلة ، وقد تُركت سيارة الترحيلات من دون مبرر مقنع لعبث الشارع ومتظاهريه ، وهي فيها أيضاً إدانة واضحة لجهاز الشرطة ، حتى يقودها شقيق المرشد الإخواني وهو يرفع الشعار الفاشي " القصاص بالرصاص " ، أنه أراد أن يسوقها إلى حيث "رابعة أو النهضة" حيث عصابته من المحتلين الإخوان ، وبالتالي يحررون من بداخلها - طبعاً الإخوان فقط - لأنه على حسب قول الموجودين فيها : " إحنا بين نارين ، دول عاوزين يموتونا ، ودول عاوزين يموتونا " ..!
وتكون النتيجة أن يتورط السائق الإخواني ، ليجد نفسه يقود العربة إلى حيث مظاهرات ضخمة لثوار 30 يونيو وجماعة تمرد ، فيدرك صاحب عِبارة " إحنا بين نارين " أنه في خضم ثورة 30 يونيو ، ليهتف نفاقاً ورياءً : " تسلم الأيادي " ، ويظل يكررها كثيراً ، وبطريقة أوفر وفجة وبسخرية ، دون أن يكمل الجملة " تسلم يا جيش بلادي " عن عمد ، وهذا أسخف ما رأيته وسمعته في تعامل الفن مع الشعب .! بل ويزيد المخرج بأن يجعل العربة تنقلب بكل من فيها ، ويقوم المتظاهرون السلميون بتحطيم السيارة ويخرجون من فيها ، بل ويلتهمونهم وكأنهم وحوش ضارية ..! وطبعاً هذا " رمز" سخيف لأن مصر لا تنقلب أبداً ولا تموت ، والتنوع فيها موجود ، باستثناء طبعاً القتلة والمجرمين والمفسدين في الأرض ، فلا مكان لهم بيننا ..!
وهكذا صور لنا الإخوان دياب أو صناع الفيلم وتجاره ، سواء كانوا أعضاء أو متعاطفين أو محبين كما يقولون هم بأنفسهم في فيلمهم ، ثورة الشعب المصري في 30 يونيو بأسوأ ما يمكن أن يصور به فيلم أحداث جماهيرية ضخمة مثلها ..! وهكذا تقع السينما لأول مرة في تاريخها في هذا المستنقع الأحادي أو المتطرف في مواجهة أحداث لا يستطيع أي عاقل أن يختلف عليها بهذا الشكل .. بل ويريد من الجمهور قصراً وغصباً أن يتعاطف مع القاتل أو الجاني ، على حساب المجني عليه ، وهو الشعب .. بحجة التناول الحيادي ، وهو في الواقع أحادي ، بل وعنصري أيضاً !!
وهكذا تكتب السينما " المفترض أنها خالدة " شريطاً من العار ، ليس في مهاجمة الداخلية فقط ، وإظهارها أنها منقسمة حتى على نفسها ، بل بتجميل صورة عصابة من المجرمين ، صدرت ضدها أحكام عديدة على أنها " إرهابية " شكلاً وموضوعاً .. أفكاراً وأفراداً .. لنرى تزويراً واضحاً في تاريخ هذه الأمة ، وللأسف عن طريق فنها الجماهيري الساحر ..!!

ليست هناك تعليقات: