الاثنين، مارس 31، 2008

أمل الجمل تكتب عن محاولة اغتيال جنينة الأسماك

ملصق فيلم " جنينة الأسماك " ليسري نصر الله


محاولة إغتيال فيلم على مستوى فني راقي..

واسمه "جنينة الأسماك"

بقلم

أمل الجمل

على العديد من المواقع على الإنترنت انتشر خبر مفاده أن عدداً كبيراً من الصحفيين والنقاد الذين حضروا العرض الخاص لفيلم "جنينة الأسماك" أحدث أعمال المخرج المبدع "يسري نصرالله" خرجوا أثناء عرض الفيلم محتجين بصوت عال معربين عن غضبهم واستيائهم وإحساسهم بالملل. ذلك الخبر أفزعني، فأنا طوال الأشهر الماضية كنت أُمني نفسي بمشاهدة "جنينة الأسماك" لأسباب كثيرة: أولها اشتياقي لمشاهدة عمل فني مصري ممتع، خالي من الزيف والتصنع ونبرة الصوت العالي، خالي من الإدعاء والمتاجرة بمناقشة هموم الناس وواقعهم الاجتماعي والإقتصادي والسياسي المتردي، خصوصاً في ظل السوق السينمائي الراهن، وفي ظل هيمنة أفلام زائفة عبارة عن قص ولصق من أخبار الحوادث وقصاصات الصحف، مع ذلك ظلوا يدقون لها الطبول ويرفعونها إلى عنان السماء معتبرين أنها فتح في تاريخ السينما المصرية. وثانياً إشتياقي لمشاهدة عمل جديد "ليسري" لأنه ببساطة كان ولا يزال أحد أهم الشخصيات التي ساهمت في تشكيل الوعي لديّ، وإدراك أسباب علاقتي المتوترة والمرتبكة بالمجتمع، وذلك عبر أفلامه وأفكاره المطروحة بهدوء وبساطة.

إن أعمال "يسري نصرالله" بدءاً من "سرقات صيفية" مروراً بـ"مرسيدس" ثم "صبيان وبنات"، "المدينة"، "وباب الشمس" جميعها إلى درجات متفاوتة ساهمت، إلى جانب أشياء وشخصيات آخري، في غرس الثقة في نفسي في ظل مجتمع يمتلك براعة فائقة في تحطيم أفراده خصوصاً النساء. وما أندهش له حقاً ويُثير بداخلي التساؤل أن "يسري نصرالله " عندما أشاهد أعماله أجد نفسي، تلك التي تنتمي إلى عالم النساء، موجودة بقوة في العالم الفني والسينمائي الخاص به رغم كونه رجلاً. وذلك يرجع برأيي إلى عدة أمور: أولها أنه دون شك تقدمي في نظرته إلى المرأة دون إدعاء ودون مزايدة. وثانياً للصدق الفني الذي لا يُمكن إغفاله في أعماله، وثالثاً لأنه يتعامل مع شخصياته الفنية بإنسانية، والإنسانية تتجاوز الجنس والنوع. أضف إلى ذلك كونه مخرجاً لديه حس مرهف وقدرة حقيقية على الإبداع وإحترام الذات.

لكل ما سبق متضامنة أنا مع "يسري نصرالله"، ومنحازة إلى سينماه. ولكل ما سبق لم تُؤثر على قراري بمشاهدة الفيلم تلك الحملة التي لا أعرف على وجه اليقين إن كانت مقصودة من قبل ذوي النفوذ والمصالح وهو كُثر، أم أنها وقعت بدون وعي إذ ربما كانت جزءً من الحصاد والاستخدام السلبي للتكنولوجيا.

ذهبت لمشاهدة "جنينة الأسماك" في أول عروضه الجماهيرية، وإذا بي أمام فيلم سينمائي عميق على مستوى فني راقي، شكلاً ومضموناً. واللافت أنه ليس عن قضية كبيرة مثل "باب الشمس" لكنه يطرح موضوعاً لا يقل خطورة وهو الشعور بالوحدة والإغتراب الذي يسيطر على قطاعات عريضة من الرجال والنساء، سواء كانوا شباباً أم مسنين. كما أنه يكشف بوضوح عن إختراق الجماعات الدينية والأصولية الإسلامية لمبنى الإذاعة والتليفزيون في مشاهد قليلة هادئة لكنها بمثابة جرس إنذار حاد.

خرجت من دار العرض يُسيطر عليّ إحساس بأنني رأيت فيلماً تميزت جميع عناصره الفنية بدءاً من السيناريو الذي اشترك في كتابته "ناصر عبد الرحمن" وجاء مختلفاً عن عمليه السابقين، مروراً بالإخراج والتصوير والموسيقى، وكلمات الأغاني، وأداء الممثلين. ولازالت شخصياته تصحبني حيثما أسير، وتُداعب تفكيري خصوصاً الشخصية التي جسدتها "سماح أنور" بقلقها ومخاوفها وارتباكها وصمتها وهواجسها، وشخصية "جميل راتب" المؤلمة والجميلة، وشخصية "هند صبري" بكافة أقنعتها. وبالطبع الفيلم يحتاج إلى تحليل مطول لأفكاره ومضمونه وجمالياته. ذلك أن "جنينة الأسماك" عمل فني يحترم جمهوره ويحترم الفرد ومشاعره. إنه يستحق المشاهدة والتقدير، يستحق أن نهنيء صاحبه وكل من شارك في إخراجه إلى النور.

يبقى التساؤل: إنحدار مستوى ذوق نسبة كبيرة من الجمهور أمر يُمكن تفهمه وتفسيره، لكن مالم أستطع فهمه حتى الآن ويُعد مؤشراً خطيراً هو موقف تلك المجموعة من النقاد والصحفيين الذين انسحبوا محتجين أثناء عرض الفيلم. تُرى هل هناك خطأ ما في ميكانيزم التلقي لديهم؟ أم أنهم انسحقوا دون وعي تحت عجلات شاحنة السينما التجارية الرخيصة والمبتذلة في إطار منظومة مجتمع فاسد؟ أم تراهم يرمزون إلى عصر سمته الأساسية الإنحدار في شتى الميادين ؟! ولا عزاء للفنانين والمبدعين

ليست هناك تعليقات: