الأحد، فبراير 25، 2007

دليل المخرجين المغاربة لخالد الخضري في طبعة جديدة


اصدار سينمائي

"دليل المخرجين السينمائيين المغاربة"
في حلة جديدة
باريس. سينما ايزيس

صدر مؤخرا للناقد والباحث السينمائي خالد الخضري كتاب "دليل المخرجين السينمائيين المغاربة" وهذه ثالث طبعة يصدرها المؤلف لذات الكتاب: الأولى باللغة العربية سنة 1996 والثانية محينة باللغة الفرنسية سنة 2000، ثم الحالية باللغة الفرنسية أيضا والتي تم تنقيحها وتحيينها حيث شملت جردا شاملا ووافيا لسائر المخرجين السينمائيين المغاربة الذين وشموا الحقل السينمائي المغربي منذ أواسط القرن الماضي إلى غاية متم 2005 من القرن الحالي، مشفعا بصورهم، مصادر تكوينهم شواهدهم، فيلمغرافياتهم بشتى أنواعها : الأفلام القصيرة والطويلة، الوثائقية والروائية وعلى سائر المقاسات 16/35 ملم وفيديو ... الجوائز التي حصلوا عليها في مختلف التظاهرات والمهرجانات السينمائية الوطنية والدولية. فعناوين الاتصال بهم البريدية والالكترونية مرفقة بأرقام الهاتف بنوعيه والفاكس ومواقعهم في الأنترنيت متى وجدت ... إضافة إلى ما قد يمارسه أو مارسه هؤلاء المخرجين من أنشطة فنية وثقافية أخرى كالمسرح أو التشكيل أو الموسيقى وغير ذلك...
ومن أهم مستجدات هذه الطبعة، شمولها على فيلمغرافية السينما المغربية من حيث الأفلام الروائية الطويلة التي أنجزت منذ 1958 إلى متم 2005 مشفعة بصور ملصقاتها أو من بعض لقطاتها بالأبيض والأسود كما بالألوان... وبهذه تغدو الطبعة الجديدة من "دليل المخرجين السينمائيين المغاربة" إضافة كمية ونوعية جد مهمة في الخزانة السينمائية المغربية الحديثة.
كتب المخرج سعد الشرايبي في تقديمه لهذا الكتاب:
»لا يعد كتاب خالد الخضري مجديا فقط بل هو ضروري ولا محيد عنه، فطبعته الأولى أنارت الكثيرين منا من خلال بسطها لمونوغرافيات المخرجين المغاربة والتعريف بمسارهم السينمائي وتفصيل المعلومات الشخصية الخاصة بهم.. هي معلومات تبدو بسيطة في ظاهر الأمر وسهلة، لكن ما أشق الحصول عليها في بلدنا حيث يطغى الشفوي على المكتوب بشكل كبير، وقد ساهمت الترجمة العربية للطبعة الأولى في إشعاع الكتاب ووسعت من دائرة استعماله.
تأتي الطبعة الحالية " لدليل المخرجين السينمائيين المغاربة" التي تم إغناؤها وتحيينها بأسماء المخرجين الحديثي الظهور والأفلام الجديدة في لحظة تغيير هامة تشهدها السينما المغربية، سواء على المستوى الكمي مما حتم على المؤلف أن يبدل جهدا كبيرا من أجل الحصول على المعلومات وجمع المعطيات، أو على المستوى النوعي نظرا للتنوع والدينامية التي تعرفها سينمانا منذ سنوات«.
أما الكاتب والناقد المغربي مبارك حسني فقد كتب في مقدمته لذات المؤلف:
» يعد خالد الخضري من نقاد السينما الذين لا تفتر لهم همة فيما يتعلق بمراودة حقل السينما المغربية في العمق كما في العرض. فهو يعرفها حق المعرفة ودائم السعي وراء التفاصيل التي يمكنها أن تهم القارئ والمهتم على حد سواء، وذلك بعشق واهتمام سينفيلي خالص منذ نهاية السبعينيات إلى الآن مما يدل على المعرفة المتراكمة التي استطاع الحصول عليها، الشيء الذي يجعل من كتابه هذا عملا متكامل المعلومات كما يضمن نجاحه. فهو كتاب جامع ومفصل حول السينما المغربية ولا يمكن القيام به بدون دعم من مؤسسة ما.
إلا أن ناقدنا آل على عاتقه أن يتحمل هذا العبء بمفرده موظفا في ذلك وسائله الخاصة ومضحيا بالوقت والجهد والمال في ظروف عمل غير مشجعة بل ومحبطة أحيانا. فلكي يحصل على المعلومات الضرورية لكتابه ويتصيد التفصيل الغائب كان عليه ألا يكف عن الجري والبحث والتنقيب في المدن، وفي المهرجانات وفي المقاهي، كما في غيرها... كان عليه أن يهاتف، ويكاتب، ويطالب، ويطلب حتى... وكم قوبل بالتجاهل أحيانا وبندرة التعاون من لدن بعض المخرجين أنفسهم. وهي حال قد تدفع المرء إلى صرف النظر عن المشروع كليا. لكن الناقد يمتح من صبر فطري ومن قدرة على تنظيم العمل وهو انجاز يستحق ذلك. وللتدليل على أهميته نسوق مثالا واحدا : فكل من له علاقة بحقل السينما المغربية لا يستطيع الاستغناء عن "دليل المخرجين السينمائيين المغاربة" كلما أعوزته المعرفة، فهو كتاب يملأ فراغا مهولا في المكتبة السينمائية المغربية. لنراهن على أن هذه الطبعة الجديدة ستتمم العمل الذي بدأ من قبل.
إن الاعتراف بالجميل لخالد الخضري أمر بديهي«.

صدر للمؤلف :
1989 : "موقع الأدب المغربي من السينما المغربية".
1996 : "مصر بالأبيض والأسود، قراءة مغربية في عين المكان".
1996 : "المخرجون السينمائيون المغاربة، دراسة ودليل"
2000 : "دليل المخرجين السينمائيين المغاربة" (باللغة الفرنسية)
2004 : "أفلام راسخة، سينما عربية"
2007 : "دليل المخرجين السينمائيين المغاربة" (باللغة الفرنسية نسخة منقحة ومحينة)

وسينما ايزيس التي تابعت باعجاب ومنذ زمن كتابات خالد الخضري النقدية في " العلم " و " الحياة " وغيرها من الدوريات العربية المهمة ، تحييه علي الاصدار الجديد، وهي تعرف وتقدر حجم المشاق والصعوبات التي تجشمها ، من اجل الحصول علي المعلومة الدقيقة والخبر الصادق والعنوان السليم، حتي يكون ذلك الدليل من الآن فصاعدا بمثابة مرجعا ضروريا ويعتمد عليه، للتعرف علي صناع السينما المغاربة من المخرجين السينمائيين المبدعين

الجمعة، فبراير 23، 2007

سيناريو فيلم " صباح الفل " لفيروز كراوية

فيروز كراوية





صباح الفل
فيلم روائى قصيرعن مسرحية "الإستيقاظ" للكاتب الإيطالى داريو فوسيناريو وحوار: فيروز كراويةإخراج: شريف البندارىبطولة: هند صبرىإنتاج: المركز القومى للسينما
مشهد 1غرفة نوم سناءBlack
( اصوات حلم .. اصوات مختلطة لكلام و انفاس تتلاحق فى كابوس )
- مش ناقص الا تركيب الجيب ع اليمين .. الغرزة الضيقه.. الفتله 20 على 1 .. واتبت عليها .. يا لهوى خيطت على ايدى .. دى عمله انسى اشيلها .. طب هافكها ازاى دى م الجيب دلوقت .. ايدى ايدى .. المكنة ..
Fade in
( تدخل سناء الكادر مستيقظة من الكابوس , سناء سيدة فى العقد الرابع من عمرها , نحيفة, شعرها قصير , يبدو عليها الإرهاق )
- اعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. باشتغل حتى وانا نايمه .
( تلتقط انفاسها و تنظر للمنبه بجانب السرير)
- الساعة بقت كام ؟ يا لهوى ( تنتفض واقفة ) سته و نص .. مضربش اللى ينضرب .
( ص : مذياع .. اغانى و فقرات الصباح .. مصاحبا طول الوقت )
( تتجه نحو ابنها فى سرير الطفل مسرعة , تهدأ قليلا حتى لا تفزع الطفل , و تبدأ فى الغناء أو التوقيع بأداء أطفال . )
- ياللا يا كتكت .. صباح الفل .. صباح الخير صبحنا .. رز بلبن طبخنا .. صباح الخير صباحين .. يا ورد على الخدين . ( تتحسس مؤخرته اثناء حمله ) .. برضه مبلول .. ؟
( تقولها بعتاب ضاحك بينما تنتقل للحمام فى سرعة و همه وهى مستمرة فى الكلام )
- دانا لسه مغيرالك من نص ساعة يا مطرطراتى .. كام مرة قلت لك تعملها فى الحضانة .. الساعة سبعه و دقيقتين تشخ تقوم الدادة هى اللى تغيرلك ..
مشهد 2الحمام
( تقف على الحوض لتشطيف الولد , تفتح الحنفية و ترفعه على اكتافها و تبدأ فى خلع سرواله و ملابسه الداخلية .)
- تعال اغسلك بقلوظتك الصغيره .. طبعا مفيش ميه سخنه , اراهن ان ابوك الاهبل طفى السخان امبارح بالليل .. ( تضع يدها فتلسعها المياه الساخنة ) ما طلعش اهبل .. ظلمناه ( ضاحكه )
( تبدأ فى تشطيف الولد سريعا ثم التنشيف , تتذكر الوقت فجأة )
- اتأخرنا اليوم هايضيع .. ( تضربه على مؤخرته بحنية ) حد يقول بقلوظه صغيره كده تعمل الفطيرة ا لكبيره دى ؟
( اثناء انتقالها من الحمام لغرفة النوم ).
- مش مهم اغسل وشى ..
مشهد 3غرفة النوم
( تواجهها المرآه عند دخولها الغرفة فتنظر لنفسها ثم تشيح بوجهها هاربة من نظرة تسببت لها فى شعور مبهم بالحزن لم ترد ان تستغرق فيه و تتجه لوضع الطفل فى سريره )
- هو يعنى حد بيبصلى ..
( تضع الولد على السرير و تبدأ فى تغيير ملابسه )
- شاهد يا كتكت على ابوك حتى ما هانش عليه يعملى كوباية شاى قبل ما ينزل .. الساعة سبعة الا تلت .. ها نلحق .. انا متأكده .
( تتوجه لتغيير ملابسها , بيجامة الزوج ملقاة على ظهر السرير , الطفل على السرير يحرك أطرافه فى حيوية , خمسة جنيهات مصروف البيت على الترابيزة , كوب شاى فارغ , علبة سجائر, علبة كبريت , طفاية بها اعقاب سجائر . )
- و خمسة جنيه ايه دى اللى سايبها .. ( تلقى بملابسها المخلوعة على السرير) الهدوم كلها مالها وسعت كده ..آدى جونلة ماما و شنطة ماما و المفتاح .. المفتاح !!
( تبحث فى الشنطة و عندما لا تجد المفتاح تضعها جانبا و تقف حائرة تجول بعينيها فى الغرفة)
- حطيت فين المفتاح ؟ .. حطيتى المفتاح فين يا بت يا سناء؟ ( تفتش ثانية و تتيقن من عدم وجوده ) يووه .. ( ثم تقول بضجرمن لا يحتمل حدوث ذلك الآن ) ..هى كانت ناقصة يا ربى .. خلاص خلاص .. لازم افضل هاديه .. نركزبقى نركز ..
( تتجه نحو الصالة مواصلة الكلام )
- احاول افتكر اللى عملته امبارح بالليل ..
مشهد 4الصالة
( تقف عند باب الشقة لتبدأ تمثيل ما حدث بالأمس بدقة , بحرص كى لا تسقط منها أى تفاصيل, تفتح الباب و كأنها دخلت توا ثم تغلقه خلفها عندها تتحول بحركاتها مثل الأمس .)
- رجعت البيت .. عطية ما كانش موجود.. انا اللى فتحت الباب ..
( تمثل الحركة فى محاولة لاستعادة ما فعلته بالضبط)
- الواد كان على دراعى اليمين و الشنطة و المفتاح فى ايدى الشمال ..حطيت الشنطة هنا
( تشير إلى ترابيزة فى الصالة )
- و الواد ع السرير
(تتأكد من وجود الطفل فى سريره ضاربه بعينها نحو غرفة النوم كأنها تتأكد مما حدث بالأمس)
- آه اهو ع السرير .. اخدت شنطة الخضار .. المفتاح كان لسه ف ايدى و ازازة اللبن تحت باطى.. آه تحت باطى .. دخلت الخضار حطيته هنا ..و اللبن حطيته فى التلاجة..ما داهية لاكون حطيت المفتاح كمان فى التلاجة..
(تتجه نحو مكان الثلاجة مستطردة فى التذكر, تفتح التلاجة سريعا كأنها وجدت الإجابة و تبحث)
- لأ ( بخيبة أمل واضحة ) .. ولا ف رف البيض .. ولا ف درج الخضار .. و لا حتى حطيت اللبن ف التلاجة..امال حطيته فين بس يا ربى .. ( تتذكر) آه ع البوتاجاز عشان بزازة الواد.. ولعت ع الواد ..
( تستدرك سريعا ) ولعت ع اللبن ..سبت اللبن يغلى و رحت اغير للواد الكافولة ..ساعتها سمعت عطيه نازل هبد ع الباب..اتارينى سايبه المفتاح ف الباب وهو مش عارف يفتح .. دخل و قعد يزعق زى المجنون و المفتاح كان لسه ف ايدى .. بحلقت له و شوحت له و حطيتهولو جوه عينيه ..
( تبدأ فى تشخيص الخناقة بينها و بين عطية مستدعية ما حدث )
- ايه يعنى نسيت المفتاح ف الباب .. ها تاكلنى .
( تبدأ فى تقمص شخصية و تقليد صوت الزوج )
- باقولك ايه لمى لمى .. انتى دريانه بحاجة .. 12 ساعة محشورفى كابينة متر ف مترين , حلوان المرج المرج حلوان زى بندول الساعة .
( تجيب بطريقة ساخرة )
- يا عينى علي ..و مش لاقى غيرى تفش غلك فيه ؟ .. ساعة الروقان موفرها لاصحابك ع القهوة وانا شخط وتبريق .. ( بأداء اكثر جدية ) عمرك سألت نفسك انا مشاكلى ايه ..ايه اللى واجعنى .. فى رئيس وردية قاهرنى و منكد عيشتى ؟ .. بترجع م الشغل ع السرير و بالليل التليفزيون و يوم الجمعة الماتش عشان تبحلق ف 22 معتوه بكلسونات بيلفوا ورا كوره ( تقول الجملة الأخيرة بتهكم واضح )
( بطريقة و صوت الزوج متهكمة )
- و انت ايش فهمك انت ؟
( تتغير نبرة صوتها , كأنها اصبحت خارج حالة الخناقة , تتحدث لعطية الغير موجود باحساس تغلب عليه المرارة )
- لأ فاهمه .. فاهمه و حاسه بالمر و ساكتة ( بداية بكاء ) .. ساكته ع الشقا و بادحلبلك عشان ساعة حلوة نقضيها سوا ..كل يوم بيفوت زى التانى .. نسيت شكل وشك لما كان بيضحك .. ( تضحك اثناء البكاء بطفولة ثم تستطرد ).. ومش فاكرة آخر مرة قلتلى فيها الشاى معسل اوى انتى مقلباه بصوابعك ولا ايه ؟
( تتجه نحو غرفة النوم مواصلة الكلام )
- مش كفاية الدنيا يا عطية .. كمان احنا مش عارفين نحن على بعض ؟ ..
( تمسح دموعها و تفيق على تذكرها المباغت )
- المفتاح ..
( ثم تندفع نحو غرفة النوم )
مشهد 5غرفة النوم
( ترفع بيجامة الزوج على شماعة مستطردة و كأنه داخل البيجامه و هى تلمسه )
- بقيت احس انى عبيطة وانا بادلع عليك فى السرير وانا عارفة انك عايزنا نخلص و ننام عشان الشغل .
( تعود لحالة من يتذكر ما دار بالأمس , تتذكر كيف كان موقفها قويا ببعض الفخر)
- فضلت ازعق زى المجنونه .. و المفتاح .. المفتاح كان لسه ف ايدى .. قلت له لو كان الجوازكله كده يبقى انا عملت اكبرغلطة ف حياتى .. جرى على ووشه زى الليمونه .. اصلى بهدلت الدنيا .. قاللى نتفاهم بالعقل قلت له ما ساح .. عقلى ساح ..
- ساعتها اخد المفتاح من ايدى ..يكون حطه ف جيب جاكتته ؟ ..( تبحث فى جيب الجاكته المعلقة على الشماعة )
- ( تخرج مفتاحا من الجيب ) مفتاحه .. ( ثم مفتاح آخر) مفتاحى ( بتهليلة فرح ) .. سبعه الا عشره .. ها نلحق ( تتجه نحو الطفل تحمله و تحدثه و هى تلهث بفرح ) .. بالطو ماما .. اشارب ماما .. شنطة ماما و حبيب ماما
( تتجه نحو الباب قبلها تذهب لقطع النتيجه المجاورة للباب , تكشف عن ورقة يوم الجمعة فتتفاجأ فى سعادة . )
- ده النهارده الجمعه .. ( تنظر للطفل و تحدثه فى سعادة اثناء خروجها من الكادربينما تبقى النتيجة وورقة يوم الجمعة ) مش كنت تقول يا كتكت انه الجمعة .. يوم الجمعة الناس تنام لحد الضهر و تشخر .. نفسى احلم بدنيا كل الأيام فيها جمعة ..
Fade out
السبت جمعه و الخميس جمعه , كله جمعه ( تضحك ) , لو حلمت انى باشتغل تانى هاشنق نفسى , النوم لذييييييييذ ..
تترات
نقلا عن موقع الفنانة المغنية فيروز كراوية

الأربعاء، فبراير 21، 2007

قراءة في كتاب " السينما الفرنسية " بقلم رمضان سليم

صلاح هاشم


قراءة جديدة لكتاب " تخليص الابريز في سينما باريز. السينما الفرنسية " تأليف صلاح هاشم



متعة اكتشاف السينما






وبهجة التواصل مع أفلامها








سينما الاقتراب من الانسان


بقلم : رمضان سليم



بنفس الطريقة الحيوية المليئة بالاندفاع والشغف بالجديد وحب السينما يكتب الناقد صلاح هاشم كتابه الجديد "تخليص الابريز في سينما باريس" ورغم سنواته العديدة التي قضاها بباريس وتحديدا مع السينما إلا أنه يظل دائما في أوج تعلقه بالاكتشاف والوقوف أمام كل متميز وكأنه يعرف السينما لأول وهلة ، إن صلاح هاشم يرتبط بالسينما ارتباط الطفل بأمه، ولست أدري أهذا من السلبيات أو الإيجابيات لكنه أمر واضح ملموس يكشف عنه هذا الكتاب الصادر عن العلاقات الثقافية الخارجية، ولقد كشف عنه كذلك كتابه السابق حول "السينما المستقلة" وكتابه "السينما العربية خارج الحدود" وربما أقول أيضا إن باقي الكتابات إن هناك حرارة في كتابات صلاح هاشم، حرارة اللقاءات الأولى مع الفيلم بعيدا عن البرودة النقدية المتعارف عليها.

العاطفة والاندفاع

ربما كان هذا الأمر مرتبطا بالصحافة اليومية والاسبوعية ربما لكن الأمر أراه بطريقة أخرى، إن الناقد صلاح هاشم يلامس الافلام من منطق العاطفة والاندفاع الوجداني وليس العقلي، ولا أدري هل هذا أيضا من باب السلبيات أم الإيجابيات فمهما كانت النتائج يمكن القول بأن الكتابة العاطفية هي أكثر اتصالا وتفاعلا ، هي تشد القارئ إليها وهي تتعامل مع الأفلام بدون تدبير أو تخطيط بل يمكن القول بأن الفيلم هو الذي يأتي ولا يكاد الناقد يذهب إليه.
في البداية هناك إهداء لكل من هنري لانجلو مؤسس السينماتيك الفرنسي وإلى أطفال قلعة الكبش بالقاهرة وإلى السينما ايزيس والزوجة والاولاد والمعلمة وفاطمة موسى والكاتب شريف الشوباشي وهكذا يتجه الإهداء إلى الذكريات والتي تشير إلى المستقبل إلا أنها تبقى محصورة في دائرة التعلق العاطفي بالماضي.
الكتاب يتحدث عن باريس بكل ما فيها من أفلام وحياة سينمائية متجددة أكثر من 183 مليون تذكرة دخول في السنة، وأكثر من 200 فيلم جديد، بالاضافة إلى أحداث واحتفالات ومهرجانات تملأ المشهد الباريسي.
بقول الكاتب: "هذا الكتاب هو رحلة في قلب ، وتحت شمس الأفلام التي شاهدتها، والاحداث التي عشتها، واستكشاف لاهث لأرض ذلك المحيط الفرنسي الهائل وأجوائه واضافته الى السينما العالمية وتطورها والتعريف بها فالسينما الفرنسية التي تعلمت في جامعتها المفتوحة "السينماتيك الفرنيسي" هي في رأيي أعظم سينما في العالم ليس فقط لأن السينما اختراع فرنسي أو لأنها سينما افرخت اتجاهات.. بل لأن السينما الفرنسية خلقت أيضا بيئة ومناخا منفتحا على ثقافات السينما، ومهموما بتطوير ذلك الفن والتعريف بأفلامه ومخرجيه، والطريقة التي يتطور بها فن السينما في العالم.
يذكر المؤلف الكثير مما قدمته السينما الفرنسية فهي سفير حضارة وبيئة مؤسسة على قاعدة سينمائية لتطوير الثقافة وهي أيضا مناخ يعبر عن فضول معرفي ثقافي للثقافة والصحافة السينمائية.

تخليص وتلخيص

وهنا لابد من ربط هذا الكتاب من خلال عنوانه بذلك الكتاب الشهير الذي كتبه الشيخ رفاعة الطهطاوي بعنوان "تخليص الابريز في تلخيص باريز" مستكشفا فيه باريس وثقافتها وتوهج الحياة المدنية التنويرية فيها وهنا يقوم الناقد صلاح هاشم بنفس الدور، إذ يندفع في تلقي متعة اكتشاف بهجة الافلام والتواصل المعرفي معها وهي افلام تتخللها أحداث تجعلنا نتعرف على الآخر ونقترب أكثر من انسانيتنا، وتوظف بفنها وتوهجها السينما كأدة تفكير في مشاكل عصرنا، ومتناقضات مجتمعاتنا الانسانية تحت الشمس يتكون الكتاب من ستة فصول هي كالآتي: السينما الفرنسية، تعريف أولي – أفلام سينمائية – شخصيات وأعلام – الظواهر السينمائية – مهرجانات عالمية – السينما العربية في باريس.
في موضوع أسماه "السينما الفرنسية تعريف أولي" يحمل المؤلف على تقديم للمات وخصائص للفيلم الفرنسي ويقول إنها سينما المخرج المؤلف وليست سينما المنتج إلا في حدود ضيقة ، فهي تمثل رؤية العالم من خلال نظرة المخرج، وهي بالتالي "جماع رؤى ونظرات" تراكمت عبر تاريخها بواسطة عدد من المبدعين مثل جورج ميليس وروبير بريسون وأبيل جانس وجودارو مارسيل بانيول وغيرهم.
يقول المؤلف بأن السينما الفرنسية هي إبداع فني وأسلوب حياة وموقف من الانسان والمجتمع وشكل تعبيري عن الهوية الثقافية.
ولقد اختار المؤلف اسلوب المقارنة لإبراز مزايا السينما الفرنسية فهو يقارنها بالسينما الامريكية التي يقول بأنها لا علاقة لها بالفن بل هي أقرب للصناعة والتجارة والربح.
وبالطبع هناك من يرد على ذلك الزعم، إذ لا تكفي المقارنة بأن تكون أسلوبا للتفضيل ، فالسينما الامريكية عالمية والسينما الفرنسية محلية أو هي اقل عالمية كما أن السينما الامريكية يمكن أن توصف أحيانا بأنها سينما مؤلف يقول الكاتب أيضا بأن السينما الفرنسية تتعامل مع المشاعر وتتواصل مع القلب وهي معنية بالفرد وموضوعها الرئيسي هو الحب فضلا عن ارتباطها مع الفن، ورغم وجود افلام ذات دلالة وثائقية إلا أن المشترك هو الروائي الخيالي.
ويرد الكاتب على تساؤلات تشير إلى عدم وجود افلام سياسية منتجة في فرنسا على اعتبار أنها تساؤلات عادية فيقول بأن كل الافلام الاجتماعية التي تعكس تناقضات اجتماعية هي سياسية إلا انها تمس في الاساس جوهر العملية الاجتماعية بكل ما فيها من تغييرات وتناقضات وتحولات اجتماعية وسياسية.
ويضيف الكاتب الى السينما الفرنسية ملمحا جديدا وهو يخص تعلق الافلام بالحياة وتوهجها من جانب استقراء الضمير الفردي الانساني حيث مشاكل المجتمع والعصر والاقتراب من الأجواء التي نعيش فيها ولا يمنع المؤلف من أن يختار من أقوال الآخرين ما يدعم هذه الفكرة.

اعتبارات فنية

لابد من القول بأن الشكل الفني الصحفي الذي قدم فيه الكتاب قد جعله بسيطا وسهلا في القراءة حيث تعتمد الالوان الاربعة من أول الكتاب إلى آخره رغم ذلك فليست هناك استفادة منها بشكل واضح لأن المادة المكتوبة هي اساس الكتاب بالاضافة إلى الصورة الكبيرة والصغيرة والتي تتوزع أحيانا على الصفحة الكاملة أو أكثر من صفحة متتالية أو بشكل جزئي مع تواجد عناوين جانبية كثيرة.
هناك شريط في أسفل الكتاب وفي أعلاه بدرجات الازرق يمتد على جميع الصفحات وعلى رسم يمثل "الكلاكيت" يوجد الرقم المتسلسل للصفحات وعلى الصفحتين من يمين ويسار هناك شريط سينمائي أكبر قليلا على يمين الصفحة ويسار الصفحة المقابلة وهذا التداخل في الاشرطة المرسومة قد أخذ حيزا من الصفحات بحيث يمكن القول بأن الكتاب قد اعتمد على الرسم والصورة فعليا وصارت المادة المكتوبة لا تمثل إلا حيزا محدودا قابلا للقراءة من قبل القارئ العام والمتخصص رغم المبالغة في الزخرفة التي سيطرت على الكتاب فجعلته متميزا لكنه ليس انيقا ويفتقر إلى بعض الجمالية، وهذا الأمر لا ينطبق على الغلاف الامامي الذي جاء مقبولا وفيه شيء من القديم والحديث.
يستمر الكاتب في فصوله الاخرى متعاملا مع مزايا الفيلم الفرنسي وهذا المنحى لا يخفيه الكاتب، فالكتاب مكرس للسينما الفرنسية على اعتبار أنها قد وجدت لتكون مثيرة للجدل ، لتفتح أبواب النقاش أي الابتعاد عن التسلية والاقتراب من المتعة الذهنية.
يركز الكاتب على الاخوين لوميير وجورج ميليس وتأسيس السينماتيك وظهور الموجة الجديدة الأولى ثم الثانية.
في موضوع آخر بعنوان فرنسا تأكل وتشرب سينما ، يعود المؤلف إلى ذكر بعض أعلام السينما من ممثلين ومخرجين كما يستخلص بعض الافراد من الكتاب في العالم لدعم فكرته حول طبيعة الحياة الفرنسية أولا ثم مميزات هذه السينما ثانيا، ومما يقوله المؤلف، اعتقد أن العالم يمكن أن يكون أحسن وافضل لو أن كل الناس شاهدت ثلاثة أفلام فرنسية عظيمة ، فيلم زوجة الخباز ، فيلم اطفال الجنة، فيلم القواعد.
في فصل آخر يتوسع المؤلف في استعراض المواهب الفرنسية على الشاشة السينمائية من ممثلين من أجيال مختلفة، مثل جان بول بلمندو والآن ديلون وبريجيت باردو وجان مورو وغيرهم من المخرجين من الجيل الذي التحق بهوليوود.
ومن سمات وخصائص الكتابة عند المؤلف أن المقدمة بالنسبة اليه تشكل مدخلا مطولا يكاد يساوي في حجمه الموضوع الرئيسي وهذا ما انطبق على هذا الموضوع : ماريوس وجانيت على شط بحر الهوى، الذي تناول ثلاثة افلام فرنسية عرضت في مهرجان الاسكندرية في دورته رقم 14 وهذه الافلام هي حياة ملائكة لايريك زنكار ، حياة يسوع لدومون برونو ماريوس وجانيت لروبير جيديجان.
وفي موضوع لاحق يقدم الكاتب قائمة بأفضل عشرة أفلام في العالم وقائمة لأهم الأفلام الفرنسية حيث نلاحظ أن من بينها أفلاما مشتركة الانتاج مع ألمانيا وفرنسا، وبها أيضا أفلام قصيرة، وقد حظي المخرج جان ريفوار بأكبر عدد من الأفلام يليه رينيه كلير وجان فيبو، وروبير بريسون وآلان رينيه، وغودار وتروفو.
وبالطبع لا يذكر المؤلف المصدر الذي اعتمد عليه أو نقل عنه هذه الاختيارات، والتي ربما كانت مختلفة بطريقة أو بأخرى عن الأصل والسبب يرجع إلى أن تسمية "أفضل الافلام" صارت عامة وغير محتكرة من قبل شخص ما أو جهة معينة ثقافية أو إعلامية.

قراءات مفتوحة

الفصل الثانى من الكتاب جاء بعنوان: افلام سينمائية، وهو يشمل قراءات متنوعة فى افلام فرنسية، ومن العناونين التى يمكن ذكرها نشير الى قراءات مثل: فيلم (فى نخب حبنا) لموريس بيالا وفيلم (موجة جديدة لجان لوك غودار وفيلم (عاشت الحياة) لكلود ليلوش وفيلم (امرأة الجوار) لفرانسوا تروفو ـ وفيلم "بعيدا" لاندريه تيشينيه وفيلم "سينماتون" لجيرار كوران وفيلم "سنغال صغيرة" لرشيد أبو شارب وفيلم "الكراهية" لماتيو كاوغيتس وفيلم "مصير اميلى بولان" لبيير جوانزا وفيلم "11 سبتمبر" الذى اسهم فيه جزئيا المخرج يوسف شاهين.
يقدم الكاتب فى قراءته الأولى رسما لشخصية المخرج الفرنسي "موريس بيالا"، وهو من المخرجين الذين يبتعد الجمهور عن افلامهم وكذلك النقاد، لانه مخرج أسود المزاج، متشائم، لا يهتم كثيرا بعوامل الجذب، بل تحتوى افلامه على نقاشات وحوارات مطولة، ينقل منها الكاتب بعض الأجزاء، كما فى فيلم (فى نخب حبنا)، والحقيقة أن ما كتبه المؤلف هو قراءة حول المخرج من خلال فيلم واحد وأن مجمل الاضافات هى لخدمة التطرق الى شريط معين.
ينطبق هذا الأسلوب على باقى الافلام والمخرجين، فالحديث عن المخرج هو مقدمة للحديث عن فيلم جديد له.
ولم تنل كل الافلام المختارة الاعجاب الكامل، ولا يعنى أن تكون كل الافلام جيدة، لأنها فرنسية فقط، فهناك نقد سلبى لفيلم (بعيدا) للمخرج اندريه تيشينيه، وخصوصا من حيث النظرة التقليدية للشرق بمعايير استشراقية قديمة ونمطية. كما أن هناك نقدا سلبيا للفيلم الذى شارك به المخرج شاهين ضمن الفيلم المشترك (11 سبتمبر).
الفصل الثالث ربما كان من أفضل فصول الكتاب، لأن الكاتب يتحدث بأسلوب مختصر عن بعض المخرجين الفرنسيين وبطرق مختلفة، والمبدأ دائما هو الحديث عن فيلم ما والمدخل هو الحديث عن المخرج، بحيث يصعب الفصل بين الأطراف الثلاثة، الفيلم والمخرج والكاتب الذى لا يخفى اعجابه بما اختاره موضوعا للكتابة.
على سبيل المثال هناك حديث حول المخرج (بول جريمو) وفيلمه (الملك والطائر) وهو أول فيلم فرنسى للرسوم المتحركة.
وهناك ايضا موضوعات صيغت فى شكل حوارات، ومن ذلك حوار موسع مع المخرج (جاك دومي) وحوار آخر مع المخرج (جان ميترى) ثم حوار مع المخرج كوستا غافراس، وحوار مع المخرج فرانسوا تروفو قبل رحيله، وبالطبع ربما لا تكون كل الحوارات قد اجراها الكاتب وانما البعض منها، إلا أنها تدخل جميعها فى سياق الحديث عن السينما الفرنسية والحديث عن بعض المخرجين فيها.



ترتيب واختيار

وهنا لابد من رصد مسألة مهمة، وهى أن الموضوعات المكتوبة قد اعدت فى سنوات سابقة، وقد عمل المؤلف على ترتيبها وكذلك تصنيفها فى أوضح وأقرب صورة ممكنة، فالكتاب هو تجميع لمقالات بدون الإشارة الى تواريخ النشر، ولكن هذا التجميع سار فى اتجاه معين، واختيار محدد، خدم الفكرة الرئيسية وهى تقدير السينما الفرنسية وتقدير أهم أعلامها.
فى الفصل الرابع هناك عرض لبعض الظواهر السينمائية، ومنها الحديث عن السينماتيك الفرنسي، ثم تكريم يوسف شاهين فى فرنسا باصدار عدد عنه فى مجلة "كراسات سينمائية".
ايضا كان لابد من التطرق الى فيلم ايليا سيلمان (يد الهية) الذى فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان كان السينمائى، ويشمل الحديث عن الشريط حوارا صحفيا سينمائيا مع المخرج.

وتكملة للاهتمام بالقضية الفلسطينية، يتحدث الكاتب عن افلام فلسطينية عرضت فى قاعة (حى سان ميشيل) وتظاهرة أخرى حول السينما المعاصرة فى قاعة اللوفر، وتظاهرات أخرى، بعضها عربى مثل تظاهرة الفيلم المصرى وغيرها.
الفصل الخامس يتطرق الى بعض المهرجانات داخل فرنسا، من خلال الحديث عن فيلم معين، مثل الحديث عن فيلم "غزوات بربرية" المعروض فى مهرجان كان، وكذلك أشرطة مثل (دوقفيل) والفيلم المغربى (العيون الجافة) ومن الموضوعات المتميزة، ما يشبه الشهادة حول مشاركة المؤلف فى مسابقة لجنة تحكيم (أفلام الكاميرا الذهبية) لدورة مهرجان كان رقم "43".



افلام ومهرجانات

هناك موضوعات أخرى من مهرجان كان ومهرجان نانت الفرنسي ومهرجان مونبيلييه للسينما المتوسطية ومهرجان سينما باريس وجميع هذه الموضوعات جاءت أقرب الى التغطية الصحفية الشاملة التى تركز على السينما الخارجية المعروضة فى فرنسا وخصوصا السينما العربية التى أفرد لها الكاتب فصلا اخيرا هو عبارة عن حديث حول مهرجان السينما العربية السادس الذى ينظمه معهد العالم العربى، وفيه اشارات الى أفلام عربية مثل: فيلم "رشيدة" الجزائرى وفيلم "القدس فى يوم آخر" الفلسطينى وفيلم (قمران وزيتونة) السوري وفيلم "فى انتظار السعادة" من موريتانيا وفيلم "مواطن ومخبر وحرامى" من مصر.
أما آخر موضوعات الكتاب فهو حول فيلم عراقي (بغداد، فتح واغلاق) وهو المخرج سعد سليمان الذى يتوسع الكاتب فى تقييمه، فى قراءة نقدية شاملة لا يتكرر مثلها كثير داخل محتويات الكتاب.
بكل تأكيد يمثل الكتاب مرحلة معينة وفترة زمنية محددة، شملت الكثير من الافلام، ولكن ليس كل ما يعرض فى فرنسا، فالموضوع الذى اختاره المؤلف من الصعب تغطيته، ويبقى الكتاب مدخلا للتعرف على فرنسا من خلال ما يعرض بها من أفلام، وكذلك ما تقدمه ايضا من افلام ناجحة من انتاجها.
من مزايا الكتاب توفر العديد من الصور به، وهى صور لا بأس بها من الناحية الفنية، حيث أن الورق صقيل، وهذا ما ساعد على ابراز الكتاب بشكل جيد.
اما المهم فعلا، فهى الرحلة التى يمكن أن يعيشها القارىء وهو يتنقل عبر مختارات شيقة، ربما لا يعرفها كثيرا، وهى تتضمن الكثير من الأفكار التى تصلح أن تكون منطلقا لما هو أوسع وأشمل.
ان الكتاب يمكن اعتباره تحية السينما الفرنسية، لكنها تحية ذات طابع ثقافى، من جنس ونوعية الانتاج الفرنسي نفسه، ورغم أن هناك الكثير الذى يمكن أن يقال حول الدور الايجابي لفرنسا والسينما الفرنسية، إلا أنها مجرد حلقة متداخلة فى حلقات السينما والتى علينا أن نقبلها بأجمعها، رغم الفوارق الطفيفة التى تظهر لنا عندما نتعامل معها، فالسينما منظور كلى يحسب بمبدعيه فى كل مكان، ولا يحسب بالقومية أو الجنسية الا فى حدود نادرة، وضعها مؤلف الكتاب فى الاعتبار.






وقراءات سابقة لذات الكتاب





سينما المقاومة شاهد علي العصر

قراءة في كتاب " تخليص الابريز في سينما باريز " لصلاح هاشم


بقلم كمال القاضي. مصر


أن السينما بطبيعتها ..هي واحدة من أدوات المتعة ..ورسول صادق للمعرفة والطواف بين قارات العالم الثلاث.. تنقل نبض الجماهير وتحقق التواصل بإحالة الصورة إلي حوار حي غني عن الثرثرة والحكي المباشر.مئات النماذج لأفلام عربية توحدت في الهوية ونطقت بلغة سياسية واحدة رصدت بوعي تسجيلي الواقع العالمي وانعكاساته الإقليمية علي دول المواجهة متخذة من فرضية التأثير والتأثر واقعا سينمائيا تتحرك علي أرضه وتعمل وفق معطياته مع الحرص علي توافر شرط الاشتباك والاختلاف دون قصور الرؤية علي مجرد التسجيل وهو بالضبط ما أبدته الدراسة السينمائية للناقد صلاح هاشم تحت عنوان ""السينما الفرنسية.. تخليص الإبريز في سينما باريز"" المستوحي من الموسوعة الشهيرة للعلامة المصري والفقيه الديني ""رفاعة رافع الطهطاوي"".. ""تخليص الإبريز في تلخيص باريز"" وهو عنوان يوحي بأن الدراسة المعنية استهدفت حصر معظم ما أنتجته السينما العربية من أفلام حققت مبدأ التماس مع القضايا العالمية، وقد اختار الكاتب صلاح هاشم ملمحا من ذلك التماس الموجود بين السينما العربية ونظيرتها الفرنسية عبر رؤية بانورامية شاملة استقاها من المهرجانات الدولية والعالمية وكان لها بالغ الأثر في تقريب وجهات النظر بين عالمين مختلفين شكلت السينما همزة الوصل بينهما وكشفت عن أوجه التلاقي الإنساني وطرحت القضايا المصيرية علي الرأي العام العالمي ليدرك حقيقة ما أخفته السياسة الدبلوماسية من جرائم ارتكبتها الدول العنصرية تجاه أصحاب الحقوق، وبصفة خاصة كشفت النقاب عن أبعاد القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين المغتصب من خلال رؤية ""دراماتيكية"" تناولت أفلاما ذات طابع تسجيلي مثل ""حيفا"" لرشيد مشهراوي و ""وقائع اختفاء"" لإليا سليمان و""يوميات عاهر"" لتوفيق أبو وائل و""العودة"" لعمرو قطان"" و""الزواج في الأرض المقدسة"" لمشيل خليفي و""الضوء في نهاية النفق"" لصبحي الزبيدي.كما عرضت لشخصيات فلسطينية مهمة مثل ""فدوي طوقان شاعرة من فلسطين"" إخراج ليانا بدر، و""امرأة معاصرة"" عن حنان عشراوي إخراج مي المصري، و""محمود درويش"" لسيمون بيتون، ولم تنس السينما أيضا أن تطرح القضية الفلسطينية من وجهة نظر الآخرين من عرب وأجانب حيث عرضت أفلاما أخري برؤي مغايرة ­ كما هو الحال في فيلم المخرج السوري عمر أميرالاي ""ثمة أشياء كثيرة يمكن أن يقولها المرء""، وفيلم ""الاعتداء"" للمخرجة الفرنسية سيمون بيتون، وأيضا تجربة المخرج المصري سمير عبد الله ""رحلة في فلسطين"".. وقد راعت السينما إحداث التوازن الإيجابي في وجهات النظر المتعلقة بالقضية فكانت هناك أفلام ذات دلالة خاصة مثل ""القدس في يوم آخر"" للمخرج هاني أبو أسعد، و""قطف الزيتون"" لحنا إلياس و""الخبز"" لهيام عباس، و""زمن الأخبار"" لعزة الحسن و""أحلام المنفي"" لمي المصري .وعلي صعيد القضايا العربية الأخرى سلطت السينما الضوء علي مأساة العنف في الجزائر وما ترتب عليه من مساوئ أثرت في نسيج المجتمع الجزائري ككل إذ تمكنت المخرجة ""يامينا بشير"" من تلخيص المأساة في إطار درامي بسيط .وإضافة إلي ما طرحته السينما العربية وتطرحه من هموم وقضايا ذات طبيعة إنسانية وسياسية علي مستوي دول مثل مصر ولبنان والجزائر وتونس والمغرب فإن هناك فيلما شديد التميز أوردته الدراسة التي أعدها هاشم كتلون دليلا علي أهمية السينما كوسيط ثقافي وسياسي هو الفيلم الموريتاني ""انتظار السعادة"" للمخرج عبد الرحمن سيساكو الذي يحكي بشاعرية ونعومة عن مفهوم الأوطان وما تمثله من شجن عند لحظة الفراق الجبري الذي تفرضه الظروف ويحتمه الواقع القاسي المجرد أحيانا من النبل، فالفيلم يبعث برسالة حب إلي الشعب الموريتاني القابض علي الجمر ويحضه علي التمسك بالتراب والأرض ويذكره بالماضي التليد .وكذلك تقدم لنا السينما السورية مفهوما مماثلا للارتباط بالوطن من خلال فيلم ""قمران وزيتونة"" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد يروي ذكريات صبي في الريف السوري يحلم بأن يكون قمرا مضيئا يتوسط السماء فيما تعاني الأم من رعاية الزوج المشلول المصاب برصاص قناص اسرائيلي وهروب طفلتها الصغيرة إلي عوالم الخيال وأمنيتها بأن تصبح هي أيضا غصن زيتون أخضر، والفيلم يمثل في مضمونه الكلي ذكريات المخرج عبد اللطيف عبد الحميد عن طفولته الأولي وأحلام صباه وهي التي مازالت تراوده حتى الآن. وبشكل عام تعد الرسالة التي أوضحتها الدراسة توثيقا لتجارب السينما العربية في نضالها ضد فكرة الانفصال عن الواقع والالتزام بقانون المجابهة والدخول في معترك الأحداث لإمكانية الارتقاء بمستوي الصورة والموضوع كمرادفين حقيقيين لما يجري علي أرض الواقع من صراعات تعيد تشكيل الإنسان وتصوغ الحياة وفق مقتضيات جديدة لا يجب أن تكون السينما بمعزل عنها ولا تقف منها موقف المحايد أو المتأمل فقط.. ولو أن هناك من الأمثلة ما يؤكد شجاعة السينما وفاعليتها في الإدلاء برأيها دون حرج أو خوف فللسينما المصرية شرف التعبير والمبادرة في كثير من الأفلام مثل ""ناجي العلي"" للمخرج عاطف الطيب ذلك الفيلم الذي وجه نقدا لاذعا للأنظمة العربية وأدان اغتيال ناجي العلي واعتبره وأدا لحرية التعبير وعنوانا للتواطؤ، كما أن هناك من الأفلام المصرية ما يسجل العديد من التحفظات علي الممارسات القمعية وسياسة الانفتاح واتفاقيات الاستسلام والتراخي مثل فيلم أهل القمة وفتاة من إسرائيل وإعدام ميت وبطل من الجنوب والهروب والبريء وكلها أفلام لامست وجدان المثقفين وعبرت عن وجهة نظرهم في كافة القضايا المعاصرة وكانت بمثابة شهادات تسجيلية ودرامية جديرة بالإشارة والتحليل في سياق الرصد لسينما عربية عبرت عن القضايا الوطنية وجاورت القرار السياسي علي خط أفقي واحد فاستحقت أن تكون محل دراسة واهتمام
عن مجلة " الموقف العربي " الاسبوعية بتاريخ 6 يونيو 2006

----------------------------------------------------------------------


اصدارات : قراءة في كتاب " تخليص الابريز في سينما باريز"



بقلم ناجح حسن. الأردن







كتاب " السينما الفرنسية.تخليص الابريز في سينما باريس"..

عمان - ناجح حسن - يتضمن الإصدار الجديد للناقد والباحث السينمائي المصري صلاح هاشم باقة من الموضوعات والقضايا السينمائية المتعلقة بالسينما الفرنسية ومراحل تطورها كان المؤلف تابعها بحكم إقامته الطويلة في فرنسا , وأيضا لما صارت تشكله السينما الفرنسية اليوم كواحدة من ابرز الإبداعات العالمية , فقد أفرزت خلال العقود الماضية العديد من المدارس والتيارات السينمائية المغايرة لانتاجات السينما السائدة وغدت أداة تفكير في مشاكل العصر والمتناقضات السياسية والاجتماعية والجمالية0يوزع صلاح هاشم الذي سبق وان شارك في الكثير من لجان التحكيم بالمهرجانات السينمائية العربية والدولية عناوين مؤلفه على ستة فصول متنوعة الاهتمامات ففي الفصل الأول المعنون السينما الفرنسية:تعريف أولي يناقش صعوبة إيجاد تعريف محدد للمصطلح ويختصره بأنها تلك السينما التي يصنعها المخرج/المؤلف وليس المنتج كما في السينما الهوليودية ,وهي التي تجعلنا نرى صورة لتفاصيل الحياة الفرنسية وحضورها الثقافي والفني والتاريخي والسياسي ونتعرف على شخصياتها وهويتها وأحزانها وهمومها وهي من خلال ذلك كله طرح رؤية فكرية وفنية لصناع افلامها0يتوقف الكتاب الصادر عن العلاقات الثقافية في وزارة الثقافة المصرية بفصله الثاني على مختارات من الأفلام الفرنسية التي حققها مخرجوها في فترات متباينة وحاكت موضوعاتها مفاهيم ذاتية وإنسانية تمسك بتوهج الحياة واستكشافها لجوهر تحولاتها في مصائر أبطالها 0 ومن بين تلك الأفلام يقرأ المؤلف أعمال مثل:»في نخب حبنا« لموريس بيالا ,»موجة جديدة« لجان لوك غودار,»عاشت الحياة« لكلود لولوش, »امرأة الجوار« لفرنسوا تروفو, »بعيدا« لأندريه تشينيه,»سنغال الصغيرة« لرشيد بوشارب , »الكراهية« لماتيو كاوفيتس وفيلم »مصير أميلي بولان المدهش « لبيير جونو كي وجميعها أعمال شكلت قامات فنية نضرة واجهت بجرأة مشكلات الواقع وحلقت بتفصيلات الهامش ونبشت بتماسك فني مبتكر لحظات سينمائية اخاذة0وتناول الفصل الثالث شخصيات وأعلام السينما الفرنسية: المخرج بول جريمو وزملاؤه :جاك دومي, فرنسوا تروفو , كوستا غافراس ,إضافة إلى جان متري احد ابرز النقاد والمؤرخين في السينما الفرنسية 0ويبحث مطولا بإنجازاتهم وإصرارهم العنيد على تحقيق رؤاهم وأفكارهم وتطلعاتهم الإنسانية العميقة, وانفتاحهم على هموم محيطهم الاجتماعي بعيدا عن توجهات السوق واللعب على غرائز المشاهدين0وحمل الفصل الرابع قراءة متأنية للظواهر السينمائية التي يعيشها المشهد السينمائي في فرنسا مثل : السينماتيك أو دار الأفلام ,وتكريم يوسف شاهين ,وخروج الفيلم الفلسطيني »يد إلهية« وسوى ذلك من محطات الثقافة السينمائية وأدبياتها بغية الإطلاع على تجارب العالم السمعية البصرية كما في إقامة تظاهرة متحف اللوفر للتعريف بفكر السينما المعاصرة والتعريف بسينما البريطاني الفرد هتشكوك وسينما الحقيقة0ويتتبع المؤلف بالفصلين الأخيرين تلك المهرجانات السينمائية المتخصصة التي تقام طوال العام في فرنسا ,وما تحمله من نتاجات السينما العربية التي تأخذ مكانتها على قدم المساواة مع أفلام عالمية وتظفر بالعديد من الجوائز ومناسبات الاحتفاء والتكريم0كتاب »السينما الفرنسية:تخليص الإبريز في سينما باريز« إطلالة أخرى على سينما مختلفة بقلم ناقد يمتلك رؤيته النقدية المفعمة بالخبرة والدراية والمتابعة النشيطة لتيارات ومدارس سينمائية عالمية تفيد عشاق هذا النوع من الإبداع من شأنها أن تحفز المهتم على تنمية وتطوير ذائقته السينمائية وتأخذه بابتكاراتها الجديدة وتجارب صناعها إلى مدى ابعد في الاستفادة من خلال التواصل المعرفي والإنساني مع الفن السابع
عن جريدة " الرأي " الاردنية. باب ثقافة. بتاريخ السبت 24 سبتمبر 2005.

انظر الموقع الجديد لسينما ايزيس



































الاثنين، فبراير 12، 2007

نور الشريف: شخصيات ومذاهب سينمائية

نادية خليفة

نور الشريف في شخصيات ومذاهب سينمائية

نور الشريف في روتردام هولندا نجم الجماهير في كل مكان

نور يسطع في روتردام


نور في مهرجان الفيلم العربي بروتردام هولند مع المخرج محمد خان وصلاح هاشم


شخصيات ومذاهب سينمائية



نور الشريف : حصاد السنين

أجري الحوار : نادية خليفة


عن أي" نور" يسطع في حياتنا سوف نحكي ؟ عن الفنان الممثل النجم الكبير نور الشريف ( البحث عن سيد مرزوق ) عن نور المنتج، أم عن نور المخرج ؟. هكذا بدأ ومن دون مقدمات حواري مع الفنان المصري الكبير نور الشريف، الذي احتفل حديثا بعيد ميلاده الستين، وقد رأينا في سينما ايزيس، أن نفرد له هذا الحوار الطويل، الذي يتحدث فيه عن مسيرته السينمائية الكبري، وكان صدر حديثا عدة كتب لكي تتناولها وتتعمق وتحدق فيها، لتكشف عن تراثه السينمائي في أكثر من 200 فيلما ، من ضمنها كتاب الناقد السينمائي عماد النويري عن " نور الفنان والأنسان ". وكنت أردت أن اعرف نور و سره ، من خلال هذا الحوار الطويل معه الذي تنفرد سينما ايزيس بنشره، ولماذا ينجح نور المتعدد المواهب والقدرات في كل مجال دخله، وأين يجد نور ذاته ، ويتحقق كفنان ياتري ؟
في نور الممثل أم المنتج أم المخرج؟. فالواقع أن لكل فنان شخصيته وطريقته ومذهبه. وقد اردنا في "سينما ايزيس " أن نؤسس هذا الباب " شخصيات ومذاهب فنية " لنحكي فيه عن "مغامرة " السينما ، عند هؤلاء الذين وضعوا علي هذا الفن الاثير علامتهم ، وبصمتهم، ان في العالم العربي والعالم. من امثال روسوليني وشارلي شابلن وصلاح ابو سيف ويوسف وهبي ونور الشريف وعزت العلايلي ورمسيس مرزوق وغيرهم من فناني السينما في العالم، ولنسلط الضوء علي تلك القيم والمعاني والدلالات ، التي تكمن في محاولاتهم الجريئة لخلق مذاهب ومناحي وتيارات واتجاهات فنية وتعبيرية خاصة، أثرت يقينا في مسيرة السينما في العالم، بموهبتهم وابداعاتهم . نحن هنا اذن و كما يقول المخرج الايطالي الكبير باولو تافياني سوف نقص عليكم حكاية الارض، مثل حكواتي من الزمان القديم، وعلينا الآن ان نستمع الي هؤلاء الحكواتية الكبار من عصر مضي مثل " هوميروس "، لكي نتواصل من خلال السينما مع الآخر، ونتصالح مع أنفسنا والعالم، ونقترب أكثر من انسانيتنا
قال نور ردا علي سؤالي ..
أجد نفسي في نور الشريف الممثل، فقد كانت مغامرة الانتاج بعد أن حضرت أولا كممثل وأثبت وجودي، وكان أول فيلم انتجته في سن الثامنة والعشرين وهو فيلم " دائرة الانتقام " لسمير سيف وكنت في ذلك الوقت أي في عام 1974 اصغر منتج في مصر ، وقبل ان يدخل الفنان فريد شوقي مجال الانتاج السينمائي. أسست شركة انتاج آنذاك لكي أحمي نفسي كممثل، ولا أعتبر الانتاج تجارة ، بل وسيلة لانتاج الاعمال التي أحبها وأحب أن اقدمها الي الجمهور..
لكنك حسب معلوماتي، انتجت قبل ذلك التاريخ

أجل أنتجت عام 1972 فيلما بعوان " مدينة الصمت " وكان من بطولتي والفنانة نيللي والفنان الكبير محمود المليجي ومن بعده أنتجت العديد من الأفلام مثل دائرة الانتقام كما ذكرت والافلام " قطة علي نار " و " ضربة شمس " و " جبيبي دائما " و " آخر الرجال المحترمين " و " زمن حاتم زهران " و " ناجي العلي " و " العاشقان " و " أحلام "..
أما الاخراج فقد كان مع التمثيل مجال تخصصي الاكاديمي، وقد سبق لي ان قمت وانا اعمل معيد بالكلية باخراج بعض الاعمال المسرحية التي شهد البعض بتميزها آنذاك، وفي عام 1983 اتاني عرض من يوسف شاهين ومصطفي العقاد رحمه الله للعمل بالأخراج ، ورفضت ، وقلت لهم اني استطيع ان أخرج بفلوسي، ولااريد ان اورطهما في عمل قد يعود عليهما بالخسارة. قالا وما شأنك يا أخي. نحن نثق في قدراتك، ونريدك أن تخرب بيتنا، وكنت عندما أخرجت فيلم " العاشقان " ندمت ندما كبيرا, ولم اخرج اي فيلم منذ عام 1983، أي أني قررت تأجيل قرار الاخراج لأكثر من 17 سنة

ولماذا اجلت ذلك.. لفترة جد طويلة ؟

وقتها كان نظام العمل في السينما مختلفا. زمان كان الممثل النجم يمثل أكثر من اربعة أفلام في السنة، وبالتالي لم يكن لديه اي وقت اضافي للعمل بالاخراج

وعلي أي شييء ندمت ؟

ندمت علي الاعمال الكبيرة التي كان يعرض علي اخراجها ولم يكن لدي الوقت الكافي. وكان المرحوم فريد شوقي نبهني الي ان عدم الانتاج آنذاك كان غلطة كبري ارتكبناها فلم نكن ننتج الا حين تكون السينما في أزمة، او ننتج فقط حبا في السينما


وللحوار بقية

نادية خليفة

الخميس، فبراير 01، 2007

محمد ناجي : كتابة روائية متوهجة بالضوء تغذينا بقلم صلاح هاشم

غلاف رواية " مقامات عربية " لمحمد ناجي




كيف لا تتلفت " السينما المصرية " العجفاء الي خافية قمر


وتلك الاعمال الروائيةالمصرية الاصيلة وتقدمها علي الشاشة









محمد ناجي : " كتابة " روائية بالضوء تغذينا






بقلم صلاح هاشم


صديقي الروائي محمد ناجي
سعدت جدا لا تتصور بكل هذه الكتابات النقدية الجميلة المتوهجة التي ارسلتها الي عن رواياتك ، وقد التهمتها كلها في التو ، وكأني انا كاتبها، بل أني اتمني ان اخرج بعض هذه الروايات في السينما ، وبخاصة خافية قمر المدهشة حقا ، التي تذكرني باعمال وليام فولكنر ودوس باسوس الخ ، انها رواية عظيمة
ولم اقرأ مثلها من قبل في حياتي، فهي فريدة في كل شييء ، وقد عثرت فيها علي ناجي الشاعر، اذ نتوحد ونتوهج فيها بروحك كفنان اصيل
وانا فرح جدا باشتغالك علي اللغة، وهي
اشتغالات جد مدهشة، واللغة هي الرحم ، هي الاصل وكل شييء ، والباقي ياناجي علينا ، بمعني ان كل قاريء سوف يري في كل رواية نفسه، وانت تتركه فقط بتوهجات اللغة مع ذاته وثقافته
وذاكرته، وتجعله يسترجع حياته كلها ، وانا مشدود جدا لخافية قمر، وسوف اشتغل عليها اشتغالات سينمائية براحتي، وارجو ان يسعفنا الوقت لكي تظهر في السينما المصرية " العجفاء " وتتحقق بعض احلامنا
ان اللغة هي التي تمنح تلك الحكايات جوها، وتشكلها وجدانيا ونفسانيا ، وكل الكتابات النقدية التي اطلعت عليها سريعا جدا - والمشكورة بالطبع - اثبتت لدي انها عاجزة عن تحويل كل هذه الشحنات الكهربائية واللغوية والسينمائية والحكائية والاسطورية والملحمية، التي تتوهج في كل رواياتك لكلام مرصوص ومحسوس. صعب جدا
لقد التهمت ثلاث روايات منها اثناء تواجدي في مصر في نوفمبر الماضي لحضور مهرجان القاهرة السينمائي 2006
والتهمت خافية قمر في
ليلة قبل ان انام، ونمت سعيدا مع اجوائها وفي حضن شخصياتها، لكني لم اقرأ بعد العايقة والمقامات ،وقد شعرت وانا اقرأ رواياتك باني ابتلعت مكتبة سمينة وثمينة في آن، ولهطتها
لهط من فرط جمالها وحلاوتها وغناها وعمقها، واذا بها قد انطبعت في لحمي
عجزت في رأيي كل تلك الكتابات المشكورة للاساتذة الكبار د. علي الراعي ود. صبري حافظ والروائي والناقد المصري الكبير ادوار الخراط في تفريغ الشحنات التي نستقبلها ،وتتسلل الي دمنا ولحمنا عند قراءة اعمالك التي مازلت اشم فيها نفسك وتوهج اشعارك، فهي اشبه ماتكون بكرات نار متدحرجة ، تعيد الي لغتنا العربية الجميلة شاعريتها العبقرية ، ومجدها ونفسها وألقها ونورانيتها. وكان هذا
كان موجودا في اشعارك .وانا معجب جدا بما هو في تلك الروايات تحت السطح.. مافي القاع، اذ تتمتد هناك ارضية روحانية تاريخية انسانية مصرية عميقة، تضم الوادي والنهر
والجبل ، واحيانا تقف امام كشك سجاير فجأة، لتجعلنا نستمع الي " لحن الصباح " الجميل، وهي ايضا بالمناسبة رواية فذة رائعة ، وسأكتب واتساءل الآن، كيف ان السينما المصرية العرجاء المكسحة، لم تلتفت بعد
الا تلك الاعمال الروائع ، وصارت موضوعاتها ، موضوعات زماننا ، غثة و تافهة في افلامها مثل ورقة السجائر.
بينما شعرت وانا اقرأ في رواياتك، كما لو أن الروح المصرية المقيدة
المحبوسة ، التي ترفرف وترغب في الانعتاق والتوحد مع كل الكائنات والموجودات والنباتات والشجر، وتريد أن تحلق في الفضاء مع السحب الراحلة، صارت ضوءا يغذينا
لقد شاهدت " خافية قمر " وهي ترقص في الوداي، وعاينت المكان، وشخطت في المجاميع ، وضبطت كاميرات التصوير، وصرخت مثل مخرجنا الكبير يوسف شاهين ان سكوت حنصور. و كنت تخيلت وجوه بعض الممثلين المصريين في شخصيات
الرواية. وكلهم ممثلين لم يمثلوا بعد،من غير المحترفين.سحرتني " خافية قمر " مثل جنية وخطفت روحي، وغريبة هذه الاغاني والمواويل التي يرددها الناس في اعمالك، وانا مبهور بشريط الصوت اللحني الغنائي الفذ في تلك
الاعمال، التي اجدها سينمائية و تتوهج بصورها وشريط صوتها وموسيقيتها ، علي الرغم من واقعيتها القحة التي تبدو علي السطح ، ومن دون ان تفقد دلالاتها الفلسفية التأملية الروحانية العميقة. انها اعمال ملهمة تبهرك ب " صنعة " تها ، واجمل ما فيها ان شطحاتها الاسطورية الصوفية العميقة تحرض علي التأمل والتفكر والعبادة ، كما تدفع الي الخلق والابداع والكتابة ، بل انها تجعلنا نحب الحياة مثل افلام السينما العظيمة - وتقربنا أكثرمن انسانيتنا . انها " مسكنات " لألم عظيم، و " مقويات " للخيال ، ولا ترضي الا بجموحه وانطلاقته ، وتذكرنا بأنه مهما
كانت مآسينا وتفاهتنا ، فانا مازلنا نتوهج داخل الروح، كما الشهب، وشذرات النجوم، وحبات الندي
شكرا ياناجي علي كل شييء. دعني اعانقك .امتعتنا

اخوك وصديقك

صلاح هاشم
رفيق الاحلام والعطر الباقي من حدائق الايام الاولي


محمد ناجي : كاتب وروائي مصري. من مواليد سمنود في محافظة الغربية. مصر 1947. تخرج في قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة. يعمل صحافيا بوكالة أنباء الشرق الاوسط، ومديرا للتحرير بجريدة العالم اليوم. نشرت أعماله في مجلات المصور وصباح الخير وابداع والقاهرة والثقافة الجديدة وصحيفة الجمهورية. صدر له " خافية قمر " عن دار الهلال 1994 و " لحن الصباح " عن دار مصر العربية
و " مقامات عربية " عن دار الهلال، و " العايقة بنت الزين " في سلسلة الادب. مكتبة الاسرة عن الهيئة العامة للكتاب عام 2006



مقطع من رسالة الي الروائي محمد ناجي







*




اقرأ ايضا مقال د. صبري حافظ عن رواية "خافية قمر" المرفق



الكتابة الاسطورية التكرارية والحوار مع الجذور
بقلم د. صبري حافظ .ناقد مصري وأستاذ بجامعة لندن

رواية الكاتب المصري الجديد محمد ناجي (خافية قمر) رواية جديدة بكل معنى الكلمة. تضع اسم كاتبها باقتدار وتمكن على خارطة الكتابة الروائية العربية الجديدة. فهي رواية ذات لغة متميزة، وعالم قصصي فريد، وأسلوب سردى جديد تتعدد فيها مستويات الدلالات لانتيجة للافتعال التأملي او التفلسلف الذى يتخلل السرد او الاستطرادات الفكرية التي تعترضه كما هي الحال في نصوص تجديدية عديدة، وانما بسبب البنية السردية التي يمتزج فيها الواقعي بالحلمي,والمحكي بالمسرود، والأسطوري بالمتخيل, والقص الشعبي ذوالطبيعة الشفهية بالسرد المكتوب الذي ينتمي إلى الأدبيات الروائية المألوفة. وتتعدد فيه النصوص بطريقة النص داخل النص, الذي يقرأه علينا في الرواية ويحيلنا اليه اكثر من مرة كما تتعدد فيها ضمائر السرد بأصواته ورؤاه ويتوجه, فيه الراوى الى القارىء مباشرة ويخاطبه أحيانا قائلا "حول عينيك عني أيها القارىء، ولا تحرق بهذه النظرة المستريبة أول الخيط الذي أحاول أن أمده بيني وبينك " قاطعا على القارىء أي محاولة للتماهي مع السرد، أو الشخصية الرواية، ومثيرا ريبته فيهما، وموقظا حب تطلعه إلى معرفة المزيد عنهما في الآن نفسه. وتتراكب فيها الأزمنة في علاقة حوارية يتولد فيها المستقبل لا من الحاضر، وانما من الماضي في أغلب الأحيان,ليتحكما معا في الحاضر، وينسجا فيه أسطورتهما التي تنطق هذا الحاضر الكابي المترع بالخيانات والجنون بعلته الدفينة.
فالرواية برغم موضوعها الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه يحيل حكاية رجل مجنون يفتقر سرده للمنطق الى نوع من اعادة كتابة القص الشعبي الشائع في ريف مصر، وإدارة حوار نصي معه, أو إلى أسطورة أو بالأحرى كتابة أسطورية من نوع فريد، وفي الحالين لا يشير إلى أي انشغال بالهم العام, مشغولة إلى أقصى حد بالهم الإنساني بمعناه الشامل, وبالهم المصري الخاص بمعناه الاجتماعي والسياسي المحدد. ولكنها تخفي هذا الانشغال في طوايا بنيتها السردية المراوغة التي تكسبها هذا المذاق الفريد، والجدة المتميزة. وتحيله إلى جزء أساسي من هذه البنية الفريدة المتميزة التي تتخلق فرادتها من طبيعة الحوار الخلاق الذي تديره مع صيغ القص العربي القديم, وأشكاله التراثية، وبنيته التحتية. لأن عالم الرواية كله يتخلق على الوتر المشدود بين الواقع المصري المعاصرة والإنساني من ورائه, والميراث السردي العربي الشفهي منه والمكتوب. هذا الميراث الذي تختلط فيه التواريخ بالأساطير عند الواقدي والطبري والسيوطي والمقريزي والقزويني وغيرهم.
ولكنها لا تدير هذا الحوار على سطح السرد كما يفعل الكثيرون ممن يحاولون ربط نصوصهم السردية بعناصر من التراث العربي, وانما تسقطه إلى لاعيه فيبدو الأولى وكأنه سرد واقعي تختلط فيه الأحداث, لأن السارد، الذي يروي معظم أجزاء النص بضمير المتكلم مجنون, أو عاقل متهم بالجنون, وهارب من المصحة العقلية التي يعاني من عجز أطبائها عن فهمه وتصديق قصته. ولكننا ما إن نتأمل اختلاط الأحداث هذا بشىء من العناية، حتى نكتشف مدى ما فيه من عقل واحكام, وحتى يتفتح النص على آفاق أسطورية وسردية خصيبة يفيض معها بالعديد من الدلالات. وقد عززت البنية السردية ذاتها والتي تعتمد على ما أود أن أدعوه بالكتابة التكرارية هذه القدرة النصية على الافضاء بالدلالات على أكثر من مستوى سردي في آن. ويقسم محمد ناجي روايته إلى خمسة أقسام: مقدمة أولى، الخافية، مقدمة ثانية، الخلاء،وأخيرا مقدمة ثالثة وختام. وتتبدى التكرارية التي أشير إليها في تلك المقدمات الثلاث التي تنطوي آخرها على الختام من ناحية، وفي تواتر الأحداث بشكل تكراري لا تعاقبي من ناحية أخرى. فالقارىء لا يعرف أي قصة من قصص هذه الأقسام الخمسة المتراكبة من خلال القسم الخاص بها وحده, سواء تعلق الأمر بقصة الخافية أو الخلاء، ولكن من خلال جماع هذه الأقسام وحوارها، وإلا لظلت معرفته معرفة منقوصة.ومن خلال الجدل بين القسمين الطويلين المعنونين بالخافية والخلاء واقسام المقدمات الثلاث فبنية السرد التكرارية تلك تبلور أليات الاعتماد المتبادل بين جزئيات السرد وأقسامه المختلفة. ولا تقتصر التكرارية على هذا التقسيم السردي, وانما تتجاوزها الى البنية العميقة التي تتكرر فيها الشخصيات وكأننا في حالة حلولية، والأحداث حيث تكرر سلمى خيانة قمر،ويكرر عبدالقهار رد فعل إدريس وهكذا.
ولا تعني البنية التكرارية أن محمد ناجي يعيد علينا ما سرده, فهو حريص على تنمية السرد باستمرار، وعلى تجريده من الزوائد غير الموظفة، ولكن تنميته للسرد ليست من النوع الذي ينمو فيه الحدث في الزمن - فما عاد هناك نمو في الواقع الذي يصدر عنه النص - ولكن من النوع الذي يسعى لسبر أغوار الماضي وقراءة دلالاته الخفية من خلال إدارة حوار سردي شيق بين المحكي واستراتيجيات الكتابة التراثية المتعددة.ومن هنا نجد أنفسنا بإزاء نوع من الحدث الثابت الذي تتكرر دوراته, ولكنها تنتكس وتتراجع في الوقت نفسه, كاشفة في كل مرة عن بعد جديد في الحكاية المسرودة، وعن وجه جديد من وجوه الواقع المتردي المتعددة. ويحرص السرد الذي يتقصى أبعاد الحدث الثابت على حصر الاحداث في اضيق نطاق زمني,ومن هنا فان الحاضر في الرواية، أي زمن الحدث الذي يستغرقه ما يقع فيها من أحداث لا ما ترويه لنا من ماضي هذه الاحداث, وهذا ما يسميه الشكليون الروس بزمن السرد، قصير الى حد كبير. هو زمن المحاولات المتكررة لهرب عبدالحارس من المصحة العقلية، وما جرى له في كل محاولة من هذه المحاولات الثلاث حتي القبض عليه من جديد ورده إلى المصحة. هذا الزمن بالقطع غير المساحة الزمنية الشاسعة التي تغطيها الرواية، والتي توشك, في مستوى من مستويات الدلالة في الرواية، أن تكون زمن المسيرة البشرية كلها، منذ بدء الخليقة وأسطورة آدم وحواء وطردهما من الجنة وحتي الآن, وهذا الزمن هو ها أصطلح على تسميته بزمن الحكاية المسرودة.
وإذا كان زمن السرد زمنا واقعيا صرفا يخضع لقواعد الزمن الكرونوميتري الذي يحسب بالساعات والأيام, فإن زمن الحكاية هو الزمن الأسطوري بكل معنى الكلمة. ومن خلال الجدل المستمر بين الزمنين, وبين الحكايتين: الواقعية التي تحدث في زمن السرد، والأسطورية التي تجرى في زمن الحكاية المتراكب مع زمن السرد والمتجاوز له معا، تتجلى لنا دلالات النص المتعددة، وتتبدى أوجه جدته. فالحكاية التي تدور في زمن السرد الواقعي حكاية بسيطة للغاية لا تتجاوز ما ذكرته من أن عبدالحارس يهرب من مصحة عقلية يعاني فيها من تعذيب الأطباء له بالأسئلة، وعدم تصديقهم لما يقدمه لهم من إجابات عليها، ويتصاعد التعذيب إلى الصدمات الكهربائية، ثم الضرب, ولكن يظل الأطباء على حالهم من إنكار لحكاياته الغريبة. ومن هنا يكتب عبدالحارس حكايته تلك التي يعلق أهمية كبيرة على تصديق قارئها لها، ويحملها دائما في حقيبة يحتفظ بها معلقة على كتفه, ويعدنا بأن نقرأها ذات يوم. بل ويقرأ علينا في عملية هربه الأخيرة صفحات مما دونه في هذا المجال, فيتيح للكاتب أن يستخدم استراتيجيات النص داخل النص في روايته, بطريقة تتجاوز الإحالات إلى نص غامض,وتقترب من تخوم المتاهة النصية البورخيزية التي يكتسب فيه المتخيل صلابة تتجاوز كل ما للواقعى من مصداقية، بينما يشكك النص دوما في الواقعي, وينفي حدوث أحداثه فيه.فالرواية تبدأ في "مقدمة أولى" بالتشكيك في النصي, والسخرية مما يحكيه, وتعمد إلى توسيع دائرة الشك تلك من جرسون الحانة التي يتردد عليها عبدالحارس للشراب, إلى جل زبائنها الذين يبدأون طقوس السخرية والتهكم, إلى أطباء المصحة الذين يشيرون الى عودته لتكرار نفس الحكايات. وتطرح الرواية هذا النصي المدون في الحقيبة في مواجهة الواقعي من خلال تبرير هرب عبدالحارس بأنه من أجل العثور على الأدلة،وتشير من طرف خفي إلى حوارها مع التراث السردي منذ الصفحات الأولى التي يذكر فيها أحد الساخرين من حكاية عبدالحارس كتابا وهميا باسم (حكايات إدريس البكاء في اللعب على النساء). ثم تضع هذا كله بين قوسين من سمادير مخمور وهذيان مجنون يريقان على كل شيء شكوكا لا مناص من الوقوع في شراكها.
لكن الرواية سرعان ما تلغي مسألة العثور على الأدلة بالتهام الفئران لدفاتر الأنساب بإدارة المحفوظات القومية بالقلعة. وتنتقل بعد ذلك مباشرة إلى قسمها الثاني "الخافية"،وهو اسم المنخفض السحيق الغور الذي تكون على حدود قرية "روضة إدريس " عندما انخسفت الأرض بقمر وابتلعتها. لذلك كان طبيعيا ان تفتتحه الرواية بهذه الكلمات التي تموضع السرد كله على الحدود الفاصلة بين النور والعتمة، والليل والنهار، والخيال والواقع. وان تقدم لنا فيه سردا لا ندري ان كان هو المدون في الاوراق التي اودعها عبدالحارس حقيبته ام انه شىء أخر. ولكنه سرد لا ينتمي الى زمن السرد الذي اعادوا فيه عبدالحارس الى المصحة، وانما يعود الى القص الاسطوري الذي يمتزج فيه المحكي بالمسرود داخل النص, ويؤسس جغرافيا المكان الأسطوري الذي تدير فيه البيوت التي التف صفها على نفسه كهلال كبير ظهرها للخافية، ولا تفتح نوافذها عليها، ويتوسط الهلال دار المجروح ومقامه. وتقع الخافية لدلالة الاختيار الجغرافي في الغرب, قابعة على حدود القرية كالفخ, كالرصد. تزرع الخوف على حدود الحياة، ولكن النص لا يتيح لنا حتى معرفة ماهية هذا الاسم الغريب الذي جعله النص عنوانا له إلا في نهاية هذا القسم, وبعد أن يؤسس النص بقية جغرافيا لا الاسطورية فيحدثنا عن عبدالقهار المجروح,وعن جرحه الاسطوري الذي لا يندمل أبدا، بل ينز دما دائما، يدس يده فيه ويبارك به زواره في نوع من المعمودية بالدم, وكيف طمرت الريح دار الجريح حتى استحالت الى ضريح يقصده الزوار وطلاب الحاجات. وبعد ان نعرف ضيق البلدة بإطلاق الاخرين عليها اسم,"خافية قمر" وتفضيلهم لاسمها الأصلي,"روضة إدريس "، وتذكير كل من يطلق على البلدة الاسم الآخر به.
بعد كل ذلك نعرف قصة قمر، تلك الراعية الصبية الحلوة الصبوح التي كانت تلعب على العشب, ملكوتها الخلاء وتاجها جسدها الفوار بكنوزه الحسية المذخورة، فرآها إدريس البكاء جذر القرية/ العالم وملكها ومؤسسها في أول الزمان, ولكنه تجاوز الزمان, وأمرها أن تطلب ما تشتهيه نفسها، وقال لها أنه إدريس, وقالت له أنها تريد أن تكون ملكة، فبني بها، وهام بحبها، وكان عمره عند ذاك أكثر من ألف عام, فتاقت الصبية للخروج للخلاء، والعودة لديار أهلها، وهناك كانت تخونه, فلما أخبره وزيره برهان الحيران أن المرأة فتحت أبواب بستانك فدخله غيرك واختلط الزرع, غضب وانفجرت من غضبه العاصفة فهبت على قمر في الخلاء وهي تتقلب عارية في أحضان عشيقها، ثم غارت في الأرض برفق, وهي لا تزال مفرودة الذراعين,. وساقاها ترتعشان بالشهوة حتى اطبقت عليها العتمة. (ص 47) تقول الأسطورة أنها بقيت هناك في هذا الخلاء الذي اختفت فيه, هكذا كتبت عليها الحياة منذ حلت عليها لعنة إدريس البكاء، وحين يعبر الرجال تناديهم, ومن يتلفت تحل به اللعنة، فتنشق الأرض تحت قدميه, ويهوى إلى ملكوتها السفلي. وقد أصبحت تجليا اخر من تجليات النداهة الاسطورية المخوفة التي تغوي الرجال بندائها الذى لافكاك منه, ولكن الرواية تكسب هذه الاسطورة بعدا جديدا حيث تغوى النداهة الرجال الى عالمهم هم فى الحقيقة وليس الى عمالها التحتى فالغواية فى عالم الرواية الاسطوري فى داخلنا لايغوى إلا من غوى. وتتراكب الحكايات مع حكاية قمر تلك, وتتفاعل معها حكاية روضة ادريس التي اسسها ادريس البكاء، وهو رأس العلم " وتاج المعرفة ". والمحارب الذي أمن الأرض وهزم الأعداء، وكيف هبط أرضها الرعاة من بني عبد فسكنوها،وبنوا بيوتهم فيها حول الخافية، وتحولوا فيها من الرعي إلى الزراعة. وكيف يزعمون أنهم انحدروا من اصلاب إدريس البكاء الذي كانت له ساق من خشب, ويد من حديد. وهي حكاية اصلية تنبثق منها حكايات مناقضة عن اللعنة التي أصابت القرية، وتنفي صلة بني عبد بإدريس, وتزعم أن الأدارسة الحقيقيين يعيشون في أرض أخرى غير تلك التي كتب عليها الفقر والخوف, وغارت على حدودها قمر.
وتتعدد الحكايات: حكاية سلمى بنت العربان التي أحبها عبدالقهار في شبابه, وأخذها من العربان الرحل, لتستقر في قرية روضة إدريس, ثم كيف كررت خيانة قمر، وخانته مع جعفر بن الفراغلة، فطردها بعد أن صرحت بأن عبدالحارس،ليس ابنه, زاعما ان ابنها عبدالحارس هو ابنه هو الذي ولده من جرحه ثم دفع به إليها لتربيه. وحكاية غراب العربان الذي رأى دون ان يرى كيف تخلق العالم من امامه, ويقدم لنا قصة خليقة اسطورية خاصة، لا تحكي لنا كيف تخلق هذا العالم الاسطوري الغريب فحسب, ولكنها تضع عبدالحارس الطفل وسط عملية تخلقه العجيبة التي يشهدها قبل أن يولد بأكثر من ألف عام, ثم قصة عبدالغفار الذي دحرجته الغواية الي خافية قمر فاختفى، ولكنه لم يختف حسب رواية عبدالحارس للحكاية، وانما ترك القرية الى المدينة ليفتح بهجرته تلك صفحة جديدة في تاريخ البشرية بالانتقال من الزراعة لحياة المدن والتجارة في الحبوب. وقصص كوامات المجروح وزواجه من بنات الذين يتلمسون به الكرامة أو رفع الرصد عن بناتهم البائرات, وكيف تزوج "من حميدة بنت عبدالموجود، ثم سيدة بنت عبدالستار، ثم رقية بنت عبدالقيوم, ثم اسماء بنت عبدالظاهر" وسعدي بنت عبدالفتاح "(ص 33) ولكن ظل عبدالحارس هو ابنه الوحيد من جرحه, أو من سلمى بنت العربان لا نعرف على وجه اليقين فليس في عالم هذه الرواية يقين, ولكنها اللغة الشعرية والسرد الاسطوري. وحكاية طقس استيلاء النسوة على عبدالحارس وانتزاعهن أياه من أمه سلمى وتضحيتها من اجل استرداده بشعرها، وأسنانها وعينيها في نوع من السرد الطقسي المهيب.
وبعد المقدمة الثانية التي نتعرف فيها على رحلة هرب عبدالحارس الثانية من المصحة بعد أن أخذ النقود من حقيبة الدكتور صالح المعالج, وقرر ألا ينفقها إلا في الشراب والطعام وفي أضيق الحدود، وبعد إخفاقه في العثور على رفاق الهروب الأول, يتواصل تراكب الحكايات في "الخلاء" الذي يتخذ له مرتكزا دار عمه عبدالغفار، وهي الدار الوحيدة التي بنيت شرق الخافية على حدودها البعيدة بعد الخلاء، لأن العم عبدالغفار الذي يعى إلى تبديد الأسطورة لا يملك في النهاية إلا تأكيدها،والوقوع كلية في أسرها. في هذا القسم الرابع من الرواية نعود إلى حكايات مرحلة طفولة عبدالحارس وشيطنة الصبية الصغار - حسنين بن السقاء، وبرعي بن الحانوتي, وفاضل بن الحداد - مع الشيخ شاهين معلم الكتاب الضرير، وإخافتهم له, وتجسسهم عليه وهو يفعل الفاحشة مع أم اليسر بائعة الترمس العجوز التي تقتنص القطط الضالة، وتسلخها وتطهيها له كل مساء على أنها أرانب, ويأكلها الشيخ ويتلمظ على ما يعف بها من مسرات. وحكاية العم عبدالغفار مع المشاعلي وقمر،وغير ذلك من الحكايات التي تسلمنا إلى المقدمة الثالثة والختام الذي يكشف لنا غدر الإنسان وأنانيته البشعة وخيانته لعبد الحارس الذي أغدق عليه من حبه وماله وصداقته. وتنتهي الرواية بعودة عبدالحارس من جديد إلى المصحة وانغلاق دائرة الحصار عليه.
ومن خلال تراكب كل هذه الحكايات, وجدل الواقعي فيها مع الأسطوري تتخلق معالجة الرواية المتميزة لعدد من القضايا النصية والفكرية المهمة، وإعادة كتابتها الاستعارية لكثيرمن القصص الاصلي لاننا نقرأ تحت جلد قصص زوجات المجروح اللواتي يخضبن مناديلهن بدم جرحه الدائم كجرح المسيح وينشرنها على حبال غسيلهن قصص الأنبياء والأولياء في سعيهم الحثيث نحو الخير، وفي تشوفهم الدائم لإماطة اللثام عن الحقيقة الغائبة. ونقرأ في بنية النص التكرارية دورة الحياة الأبدية التي تؤكد أن الإنسان لايني يكرر أخطاءه, ولا يتعلم منها أبدا، وكأنه مشدود نحو غواية الخطأ التي لا تقل سحرا عن غواية الحقيقة. ونقرأ تحت جلد عالم الرواية الرجالي وأبوته البادية نزعة أنثوية واضحة للتمرد المستمر عليه, فهو يخفي خوفه الدائم من قمر الثاوية أبدا في خافيتها تشد الإنسان نحو عتماتها المغوية. ونقرأ خلف هذا كله قصة الإنسان, وقصة الواقع المصري المتردي دوما، الباحث أبدا عن مخرج من تلك اللعنة الأبدية التي يحملها إنسانه كصليب لافكاك منه. وسر اختفاء قمر، بل واختفاء كل القيم الجميلة والنبيلة من حياتنا.